بقلم زهير حمداني

بعد سنوات سبع من ثورة 17 فبراير، لا يزال الليبيون يبحثون عن الدولة، تبادل ستة مبعوثين دوليين الأدوار بحثا عن مخرج لأزمة يشتبك فيها داخليا السياسي بالعسكري والعشائري والديني، وخارجيا بالأطماع والأجندات الدولية تجاه البلد النفطي، ولم يلح بعد ضوء في نهاية النفق، في انتظار اختبار الانتخابات.

وفي وقت كان الليبيون يطمحون إلى بناء بلد ديمقراطي تعددي مستقر، عصفت التناقضات الداخلية والتدخلات الخارجية بثورة 17 فبراير/شباط 2011، وما زالت الأزمة التي أنهت منطق الدولة تراوح مكانها، ولم تستقر الأطراف المتصارعة على أرضية مشتركة لإنهاء الانقسام السياسي وفوضى السلاح والمليشيات.

فبعد فشل اتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر/كانون الأول 2015 بالمغرب، باتت ليبيا تدار بثلاث حكومات منفصلة، واحدة في الشرق (البيضاء) منبثقة عن مجلس النواب المنحل بطبرق برئاسة عبد الله الثني، وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المدعومة دوليا، وحكومة الإنقاذ الوطني التي يقودها خليفة الغويل في طرابلس.

الانقسام واللا دولة

وأصبح اللواء المتقاعد خليفة حفتر رقما صعبا في المعادلة الليبية بعد سيطرة قواته على القسم الأكبر من الشرق الليبي والهلال النفطي على الحدود مع مصر، باستثناء مدينة درنة. وتنتشر قواته أيضا في الجنوب ولا سيما في الكفرة، وفي محيط  مدينة سبها.

وهذا الانقسام السياسي والعسكري أدى لتكريس وضع اللا دولةوغياب المؤسسات الموحدة والنافذة، وسيطرت المليشيات والتنظيمات المسلحة على مناطق نفوذ وثروة، ووجدت تربتها الخصبة في منطق القبيلة والمناطقية والفئوية، ولعل أبرز مثال على التدهور الأمني هو انتشار ظاهرة الاتجار بالبشر والعبودية المعاصرةالتي لا تزال بلا حساب.

ويرى محللون أن فشل الانتقال من الثورة إلى الدولة يعود إلى الإرث السياسي الشمولي، وغياب المؤسسات طوال فترة حكم العقيد الراحل معمر القذافي، وطغيان البعد القبلي والعشائري، وذلك على حساب دور الأحزاب السياسية المحظورة تحت شعار من تحزّب خان“.

كما برزت مسألة الصراع على هوية الدولة ببروز ثنائية الإسلاميين والليبراليين خصوصا منذ انتخاب المؤتمر الوطني العام في يوليو/تموز 2012، واستمر هذا التنازع غير المنضبط ليعصف بالدولة بعد انتخابات يونيو/حزيران 2014 وحكم المحكمة العليا ببطلان انعقاد مجلس النواب بطبرق وظهور حكومة المؤتمر الوطني العام.

ومع الانقسام السياسي والمجتمعي أدى تكدس السلاح في البلاد وتهريبه إلى نشوء تنظيمات مسلحة محلية على امتداد الجغرافية الليبية وتعدد ولاءاتها، وأخرى دولية خاصة تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، ويضاف إلى كل ذلك احتدام صراع المصالح الفئوية والمناطقية والشخصية الذي عرقل أي تطور سياسي.

الطبخة وتعدد الطهاة

ولعل أبرز عامل أربك الثورة الليبية وساهم في تعطيل الحل السياسي هو التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية في الشأن الليبي، وقد انعكست الصراعات الإقليمية على الوضع في ليبيا، ومنعت أي اتجاه إلى الحل، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة وجهودها.

وأكدت لجنة خبراء تابعين للأمم المتحدة في تقرير لها نقلته وكالة أسوشيتد برس أن تحقيق الحل السياسي في ليبيا بعيد المنال في المستقبل القريب، وأن موازين القوى العسكرية بليبيا وتضارب المصالح الإقليمية يعرقلان الالتزام بالحل السياسي في ليبيا، رغم الجهود الأممية المبذولة لتجاوز المأزق الحالي.

ولم يجانب المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة الذي عيّن في سبتمبر/أيلول الماضي خلفا لمارتن كوبلرالحقيقة بقوله إن تعدد الطهاة يفسد الطبخة، في إشارة إلى أن تعدد المتدخلين في الشأن الليبي ومسارات التفاوض والحوار يؤثر على مستقبل الحل ودور الأمم المتحدة.

ويؤكد متابعون للشأن الليبي أن تعدّد المبادرات والوسطاء الإقليميين والدوليين في الأزمة الليبية عرقل مسار المحادثات بين الفرقاء الليبيين، باعتبار أن كل المبادرات المطروحة تهدف بالأساس إلى الحفاظ على مصالحه الدول وأجنداتها.

وفي حين تشدد معظم الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي الإقليمية والدوليةعلى دعمها للعملية السياسية التي تطرحها الأمم المتحدة، فهي تنحاز عمليا لأحد الأطراف المتنازعة، وهو ما يؤثر على العملية السياسية الليبية برمتها.

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الليبي عاشور الشامس إن الخطة الأممية لحل المسألة الليبية التي طرحها سلامة تواجه تحديا أساسيا، وهو تحدي التدخل الخارجي في ليبيا الذي أنهك الليبيين وانتهك حرمتهم وأحدث ربكة كبيرة في البلاد.

ويضيف أن الحل الذي يطرحه المبعوث الأممي غسان سلامة حل سيئ كلهلأن الاختيارات الموجودة أحلاها مر، لكن لا بد من موقف دولي حازم لمنع وإيقاف التدخل الخارجي في ليبيا.

الشرعية الجديدة

ووسط تنازع الشرعيات وغياب سلطة الدولة والانفلات الأمني، يرى خبراء ومتابعون ضرورة إقرار شرعية جديدة موحدة يعترف بها الجميع بناء على خطط المبعوث الأممي غسان سلامة التي تنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا قبل شهر سبتمبر/أيلول 2018.

كما يرون أن إجراء هذه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وقيام الشعب بانتخاب رئيس للدولة وأعضاء البرلمان مباشرة سيؤدي إلى تجاوز كل الإشكالات القانونية السابقة وتجاوز أزمة الشرعيات المتناقضة نحو مرجعية سياسية داخلية وخارجية واحدة.

ويؤكد رئيس لجنة رؤية ليبيا 2030 الدكتور عيسى التويجر أنه إذا استطاع المجتمع الدولي الضغط على كل الأطراف للاحتكام إلى صناديق الانتخابات، فربما تكون النتائج غير مرضية أو مشوهة، غير أنها في نهاية الأمر قد تؤدي إلى حكومة موحدة وعملية ديمقراطية قد تتحسن مع مرور الزمن.

وفي المقابل تعتبر الخبيرة في الشأن الليبي فدريكا فاسانوتي أن مهمة المبعوث الأممي وخطته هي آخر فرصة للوصول إلى تحقيق دولة حقيقية في ليبيا، لكنها ترى صعوبة في إجراء انتخابات آمنة والبدء بالعملية الديمقراطية في ظل وجود نحو عشرين مليون قطعة سلاح موزعة على ستة ملايين شخص، حسب تقديرها.

ووفق المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا وحتى 14 فبراير/شباط الماضي، بلغ عدد الذين سجلوا أسماءهم 2.4 مليون ناخب، بينهم 894 ألفا و95 ناخبا جديدا بحسب قولها، بما يشير إلى أن الليبيين يجدون في الانتخابات حلا لمأزق البلاد، رغم الجدل الدائر حول أولوية الاستفتاء على الدستور.

وإذا كانت كل الأطراف الدولية تدعم خطة سلامة، وكذلك الأطراف الداخلية بما فيها اللواء المتقاعد خليفة حفتر وهو الذي اتفق على الانتخابات مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج في لقاء باريس في يوليو/تموز 2017 بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن حصول هذا الاستحقاق المهم ما زال محل شكوك جراء تناقضات الواقع الليبي وتغيراته.

وفي غياب توافق سياسي يؤدي إلى الاستقرار، يحذر متابعون من عودة تنظيم الدولة الإسلامية بقوة إلى ليبيا إثر هزيمته بكل من سوريا والعراق، وإعادة بعث نفوذه بليبيا بعد أن تمّ طرده من  آخر معاقله بـسرت في ديسمبر/كانون الأول 2016.

ولعل التخوف من انتشار التنظيمات الإرهابية هو الدافع الرئيسي للدول المجاورة لليبيا تونس والجزائر ومصر خصوصاولأوروبا للدفع قدما باتجاه الحل السياسي وفق خطة المبعوث الأممي غسان سلامة، وحل المشاكل التي تقف في طريقه.

ورغم كل العراقيل، يبدو الحل السياسي المفضي إلى انتخابات قريبا مقارنة بالسنوات الماضية، في وقت تبدو سيناريوهات العسكرة والحسم العسكري خصوصا لفائدة خليفة حفترمستبعدة لمحاذير داخلية وخارجية، لكن سيناريو تقسيم الدولة على أساس جغرافي وقبلي وسياسي يبقى غير مستبعد، وفق الكثير من المتابعين، إذا ما فشل رهان الانتخابات.

___________

المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية

مواد ذات علاقة