لا يشكل سفر المقاتلين الأجانب إلى ليبيا للمشاركة في القتال ظاهرة جديدة. وفقاً لمسؤولين أمريكيين، وصل العشرات من هؤلاء المقاتلين إلى ليبيا للانضمام إلى التمرد ضد نظام معمر القذافي منذ وقت مبكر يعود إلى أيلول/سبتمبر من عام 2011.

ومنذ ذلك الحين، تطوّر انخراط المقاتلين الأجانب في ليبيا على مرحلتين:

  • الأولى مرتبطة بشبكة تنظيم «القاعدة» (من 2011 إلى 2013).

  • الثانية مرتبطة بشبكة تنظيم «الدولة الإسلامية» (من عام 2014 حتى الوقت الحاضر).

وهذا لا يعني أن عناصر تنظيم «القاعدة» لم يعدوا يعملون في ليبيا، ولكن الغالبية العظمى من المقاتلين الأجانب المتواجدين في تلك البلاد منذ عام 2014 هم أكثر ارتباطاً بـ تنظيم «داعش».

وبينما تابع المقاتلون بانتظام التوافد من شمال أفريقيا بأعدادٍ أكبر من سائر الجنسيات خلال كلتا المرحلتين، أسفرت جهود التجنيد التي اتبعها تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا إلى [انضمام] مجموعة من العناصر الأكثر تنوعاً بشكل عام.

وفي المرحلة الأولى، يقول “هارون ي. زيلين” تضمنت أبرز التنظيمات المعنية بتسهيل وصول المقاتلين الأجانب إلى ليبيا كلاًّ من تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و «كتيبة المرابطون» التي يقودها مختار بلمختار (والتي عادت وانضمت إلى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي») و تنظيم «أنصار الشريعة في ليبيا» و تنظيم «أنصار الشريعة في تونس».

وفي ذلك الوقت، اتخذ تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» من ليبيا أساساً قاعدة لنقل وتخزين الأسلحة التي غمرت السوق بعد سقوط القذافي. ومن ثم تم تهريب هذه الأسلحة إلى الجزائر ومالي وتونس على وجه الخصوص.

وفي غضون ذلك، كانت «كتيبة المرابطون» تتخذ ملاذاً آمناً في جنوب ليبيا بعد تدخل فرنسا في شمال مالي في أوائل عام 2013. ولكن بخلاف تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي ركّز على تهريب السلاح، تعاملت «كتيبة» بلمختار مع ليبيا كمنصة لإطلاق الهجمات التي أوقعت أعداداً كبيرة من الضحايا في كل من الجزائر والنيجر خلال ذلك العام.

أما «أنصار الشريعة في ليبيا» – الذي هو أساساً تنظيم محلي افتقر إلى الطابع المتعدد الجنسيات الذي اتصف به كل من تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«كتيبة المرابطون» – فركّز من جهته على تدريب العناصر التي سعت إلى اكتساب الخبرة قبل الانضمام إلى الجهاد في سوريا.

وكان معظم هؤلاء المتدربين من شمال أفريقيا، وخصوصاً تونس، وهذا ليس مفاجئاً نظراً إلى أن تجنيد غالبيتهم الساحقة تم عبر فرع التنظيم في تونس. بالإضافة إلى ذلك، وفّر «أنصار الشريعة في ليبيا» ملاذاً آمناً للعديد من المصريين المرتبطين بـ “خلية مدينة نصر”، وهي مجموعة مرتبطة بالشبكة المسؤولة عن الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في أيلول/سبتمبر 2012.

وفي ذلك الوقت، قام الجناح العسكري السري لـ تنظيم «أنصار الشريعة في تونس» باستخدام ليبيا كساحة لتدريب العناصر على تنفيذ الهجمات داخل تونس، وأبرزها اغتيال اثنين من سياسيي اليسار في شباط/فبراير وتموز/يوليو 2013 والمؤامرة المحبطة التي كانت تحاك في تشرين الأول/أكتوبر 2013 ضد مدينتَي سوسة والمنستير.

ومع ذلك، فبين أواخر 2013 وأوائل 2014، بدأت شبكة المقاتلين الأجانب المنضمّين في ليبيا تشهد تحولاً عاد جزئياً إلى تطورين هما: وضع «أنصار الشريعة في تونس» على لائحة الإرهاب من قبل الحكومة التونسية في آب/أغسطس 2013، وهجوم قوات اللواء الليبي خليفة حفتر على «أنصار الشريعة في ليبيا» في أيار/مايو 2014. وكان التحول أيضاً متأصلاً في عودة ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا في ذلك الوقت، مما دفع الكثير من المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الانشقاق عن فرع تنظيم «القاعدة» المحلي المعروف باسم «جبهة النصرة».

وقد شمل ذلك العديد من الليبيين والتونسيين؛ وفي الواقع، شكل التونسيون أكبر قوة أجنبية في كل من سوريا وليبيا.

لقد سعى تنظيم «الدولة الإسلامية» في إطار مشروع “دولة الخلافة” إلى توسيع بقعة الأراضي الواقعة تحت سيطرته إلى خارج العراق وسوريا، وتبين له في النهاية أن ليبيا هي “المحافظة” المثلى المرشحة لذلك. وعندما بدأ التنظيم بإرسال الليبيين والتونسيين إلى ليبيا في أوائل عام 2014، استولى على شريحة كبيرة من شبكة «أنصار الشريعة في ليبيا»، مما أتاح له تنمية إمكانياته المحلية (وخاصة في سرت) بينما تمكّن من الوصول إلى شبكات التسهيل واللوجستيات المتعلقة بالمقاتلين الأجانب.

وسابقاً، كان معظم المقاتلين الأجانب الوافدين إلى ليبيا قد أتوا من الجزائر ومصر والمغرب والأراضي الفلسطينية وتونس. ولكن بعد أن أصبح تنظيم «الدولة الإسلامية» جهة التجنيد الأولى هناك، بدأت العناصر من أوروبا وأمريكا الشمالية وجنوب آسيا وغيرها من مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا بالتوافد إلى البلاد أيضاً.

في 16 شباط/فبراير، خاطب هارون زيلين ومايكل فرانكن منتدى سياسي في معهد واشنطن، وذلك كجزء من سلسلة محاضرات “برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب”.

وزيلين هو زميل “ريتشارد بورو” في المعهد ومؤلف دراسته الأخيرة “الآخرين: مقاتلين أجانب في ليبيا”. وفرانكن هو [ضابط أمريكي سابق] شغل العديد من المناصب العسكرية العليا قبل تقاعده فى الخريف الماضى، ومن بينها نائب رئيس “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” (“أفريكوم”)  وضابط بحرية فى “مكتب الخطط والاستراتيجية للقيادة المركزية الأمريكية”. وفيما يلي موجز المقررة لملاحظاتهما” الذي أعدت هذا الملخص أفيفا واينستين:

هارون زيلين

خلال الأعوام القليلة الماضية، أصبح تدفق المقاتلين الأجانب إلى ليبيا رابع أكبر حشد [للمقاتلين] في التاريخ الجهادي، بعد الحرب في سوريا، والجهاد الأفغاني في الثمانينيات، وحرب العراق عام 2003 فقط. بالإضافة إلى ذلك، إنها المرة الأولى التي أصبح فيها أولئك المتشددين في شرق أفريقيا وغربها ضالعين بعمق مع الجهاديين في الخارج بدلاً من تركيزهم على التمرد الداخلي أو الإرهاب.

ووفقاً لمصادر جهادية، كانت التقارير الأولى عن المجاهدين الذين وصلوا إلى ليبيا قد جاءت في آذار/مارس 2011، عندما كان الهدف هو محاربة نظام القذافي. وفي كانون الأول/ديسمبر، بدأت جماعة «أنصار الشريعة في ليبيا» بإنشاء شبكات للتدريب واللوجستيات والتيسير، وإقامة صِلات مع «أنصار الشريعة في تونس»، و تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، والجهاديين في سوريا.

ومع مرور الوقت، وسّعت جماعة «أنصار الشريعة في ليبيا» تعاونها مع «أنصار الشريعة في تونس»، وتطوّر الوضع في ليبيا إلى درجة أصبحت فيها البلاد ملجأً لـ«أنصار الشريعة في ليبيا» وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في الوقت الذي واجهت فيه هذه المنظمات صعوبة في ممارسة عملياتها في أماكن أخرى.

وعلى العموم، دخل نحو 2600 إلى 3500 مقاتل أجنبي إلى ليبيا خلال السنوات السبع الماضية، ووصلوا إليها من أكثر من 41 دولة. وتستند هذه الأرقام إلى تقارير حكومية من بلدان مثل تونس وكينيا والسودان والسنغال، إلى جانب مكتب النائب العام في ليبيا والتقارير المحلية.

ويشكّل تنظيم «الدولة الإسلامية» حالياً أقوى جماعة جهادية في ليبيا. فبعد تدفُق المقاتلين إلى هناك من سوريا في الفترة بين عامي 2012 و2013، انعكس الاتجاه في ربيع عام 2014. فقد بدأ يأتي معظم المقاتلين الأجانب الذين ينتمون إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا من تونس، على الرغم من أن التنظيم اجتذب مجموعة واسعة من الجنسيات الأخرى، بما فيها تشاد وغانا وكينيا والنيجر والصومال وبوروندي.

وكان أحد الاتجاهات الفريدة في ليبيا هو المشاركة الكبيرة للمقاتلات، التي بدأت عام 2014. وكما هو الحال مع الرجال،  جاءت أكبر وحدة (300) من تونس، في حين أنحدر القسم الآخر من أستراليا وتشاد ومصر وإريتريا والمغرب والنيجر وبلدان أخرى. وعلى غرار سوريا، تم استخدام معظم هؤلاء النساء للزواج أو تربية الأطفال للجيل المقبل من المجاهدين، ولكن، تمّ أيضاً تدريب بعضهن على القتال.

ويمثّل المقاتلون الأجانب الذين ينتقلون من ليبيا وإليها مخاطر كبيرة على بلدان أخرى، ومن بينها إمكانية تنفيذ العائدين عمليات خارجية عن طريق تآمر القادة الجهاديين [على تنفيذها] من خلال “التخطيط عن بعد”.

مايكل فرانكن

يلاحظ أن الإحساس المتجدد بالصراع بين القوى الكبرى أخذ يحل محل استراتيجية مكافحة الإرهاب وبناء الدولة اللذان كانا السمة الأساسية للسنوات الخمس عشرة الماضية. وهذا ليس غير متوقع، إذ أصبحت وزارة الدفاع الأمريكية والمؤسسة السياسية الأمريكية مستنفدتين من الانتشار العسكري المستمر تقريباً خلال عقدين من الزمن، الأمر الذي أثّر على الأفراد والمعدات والبنية التحتية.

ويمثّل الإرهاب اليوم أكثر من صراع فكري إذ ينتج عن مظالم دينية وقبلية واقتصادية. وتشكّل قضايا الملل والعزلة وعقلية التبعية سمات مشتركة بين المجندين الإرهابيين. وقد أدّى انتشار الأسلحة إلى تسهيل إشعال فتيل التطرف المحلي والإقليمي، حيث تمكّن القادة من إلهام أتباعهم بسهولة أكبر (وفي بعض الحالات أصبح بعضهم أغنياء).

وتنجلي هذه الظاهرة في شمال مالي، حيث تتغير الولاءات الجماعية بسرعة وينتقل الأعضاء بسلاسة بين الفصائل. وبالمثل، يَظهر التطرف في سيناء كقضية محلية لا علاقة لها مباشرة بتنظيم «الدولة الإسلامية».

ويستدعي كل تهديد من هذه التهديدات حلاً خاصاً به يجب أن يبدأ على المستوى المحلي. ففي سيناء، لا تعير مصر أي اهتمام ظاهري بالمشاركة الأمريكية، كما أنّ الدول الأخرى مجهزة بشكل أفضل لمساعدة القاهرة في مكافحة التطرف في شبه الجزيرة. لكن، ما يمكن أن تفعله واشنطن على نطاق أوسع هو حث الدول على الحد من التعاليم الدينية المتطرفة والأيديولوجية، لأن منع التطرف أسهل بكثير من إعادة تأهيل المقاتلين المتطرفين.

وإلى جانب مكافحة الإرهاب، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز الاستراتيجيات الإقليمية مع إشراك المجتمع الدولي. والأهم من ذلك، يجب أن تبدأ سيادة القانون والهيئات الإدارية من أدنى مستوى ممكن، وليس من قوى خارجية حصرياً. ففي ليبيا، على سبيل المثال، تأمل واشنطن بأن يتمكن المواطنون من التوصل إلى حل لقيام أمة واحدة بمفردهم.

ومع ذلك، لا يشعر الليبيون في الوقت الحاضر بالضرورة الملحة لتحقيق هذا الأمر لأنه يتم دفع الرواتب وتأمين لقمة العيش، لذا يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يكونوا حريصين على ألّا يطمحوا إلى الإصلاح وتحقيق الاستقرار أكثر من الليبيين أنفسهم.

وفي المستقبل، يجب على وزارة الدفاع الأمريكية مواصلة جهودها لإضعاف تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» والجماعات التابعة لهما. ويمكنها تحقيق ذلك من خلال تعظيم قدرات الدول الأخرى، واحتواء العدوان الإيراني والروسي، ودعم الحكومات المماثلة التفكير، وإشراك سلطات أخرى مثل الصين واليابان والهند والاتحاد الأوروبي.

وبالإضافة إلى ذلك، ستكون الانتخابات والتشريعات المحلية عنصراً مهماً للحد من انتشار عدم الاستقرار، وكذلك الإصلاحات الاقتصادية والإدارة الرشيدة للحكم.

غير أن هذه الجهود لا تخلو من التحديات، مثل الأزمات المالية وندرة الموارد والنمو السكاني. ويخشى البعض من أن الانكماش الاقتصادي سيُشغل الصين و[دول] الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن متابعة تنفيذ مشاريعها. وفي المقابل، يمكن للمناورات السياسية التي تقوم بها واشنطن أو بعض الجهات الفاعلة مثل روسيا وتركيا أن تعيق أنشطة “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” (“أفريكوم”) في المنطقة، وهو الحال بالنسبة إلى العوائق التجارية.

ومع ما تقدّم ذكره، يشير الوضع في أفريقيا والشرق الأوسط إلى أن الولايات المتحدة ستبني علاقات عمل أقوى مع الاتحاد الأوروبي في كلتا المنطقتين. وفي ما يتعلق بالصومال، سيتعين على قادة البلاد العمل مع عدد محدود من الشركاء الخارجيين لمعالجة قضاياهم، لأن واشنطن والعديد من الحكومات الأخرى تشعر بأنها خصصت ما يكفي من الوقت والموارد في تلك المنطقة.

وفي مالي والنيجر، سيستمر المسؤولون الأمريكيون في دعم فرنسا، على الرغم من أنهم سيقاومون الانخراط بشكل كبير في محاربة تنظيم “بوكو حرام” في منطقة بحيرة تشاد، لانهم يتشككون من فائدة مشاركة الولايات المتحدة في مثل هذه المناطق الخطرة. ومع ذلك، ستواصل “أفريكوم” بعثتها الإقليمية لمكافحة الإرهاب، التي أنشأها مكتب وزير الدفاع الأمريكي.

___________

مواد ذات علاقة