بقلم إسماعيل القريتلي

أحترم كثيرين ممن يدعون إلى الانتخابات لترجيح عندهم أنها خطوة أساسية لمعالجة جملة الإشكالات المكونة للأزمة في ليبيا، وهذا يبدو كفرضية اتجاها عقلانيا، حيث توسع الانتخابات بطبيعتها الخيارات لدى الناخبين لاختيار من ينوبهم في التشريع والحكم بحسب طبيعة نظام الحكم.

المشهد العام في ليبيا:

غير أن الأمر قد يأخذ منحى آخر بعد أن نفكك مجموعة المشاهد المكونة للسياق الانتخابي في ليبيا، فالانتخابات تعقد وغبار الحرب ذات الأبعاد الجهوية والأيدولوجية والمناطقية والقبلية لم ينقشع بل لايزال يثار بين الفينة والأخرى وتدفقات السلاح مستمرة باعتراف المبعوث الدولي إلى ليبيا في إحاطته الأخيرة بمارس الجاري. وهذا سيكون له أثر عند الناس عند اختيارهم من ينوبهم فمن خياراتهم أبطالهم المحليين الذين شاركوا في القتال ضد خصومهم أو أولياء من سقط من أبطالهم.

القبيلة:

وكذلك تؤثر القبيلة والعائلة في تحديد الناخبين من أبنائها في مفاوضات تدار في مجالس القبيلة والعائلة، ثم تخطط تلك المجالس توزيع ناخبيها بين مرشحيها، وأحيانا تحدث في مناطق التداخل القبلي تفاهمات بين القبائل على المرشحين وتوزيع الناخبين عليهم. وفي المناطق القبلية تكون نتائج الانتخابات تقريبا معلومة مسبقا، ويزيد الاقتتال الأهلي بين الليبيين من احتمالات نزوع الناس إلى اعتماد التنظيمات العرفية، وفعليا نظمت عديد القبائل مجالسها لمناقشة مسألة المرشحين.

المناطق:

تبرز عديد المناطق في إعادة تنظيم مرشحيها ليس فقط في مناطقها التاريخية بل كذلك في المدن التي تقطنها كتل بشرية من تلك المناطق التي زادت الحرب وحالة الانقسام من ارتباطها بمناطقها الأساسية ويحدث هذا بقوة في تخوم مدينة طرابلس وبعض مناطقها الداخلية حيث ترتبط كتل سكانية تقطنها بعمقها المناطقي.

الأحزاب:

تحاول الأحزاب وهي جماعات بعضها ذو أساس أيدولوجي وهي منخرطة في هياكل السلطة الآن البحث عن فرصة لها في ظل سياق يتسع فيه رفضها اجتماعيا وتستخدم الإعلام والمال السياسي لتحصيل أصوات في بعض المدن وإن كان احتمالات فوزها الواسع ضئيلة بسبب توسع تأثير القبيلة والمنطقة، مما قد يدفعها إلى البحث في احتمالات النزوع إلى قبائل ومناطق أفرادها، وهذا أمر بات ينفذ في الواقع منذ فترة.

سيف القذافي:

وهناك أشخاص يمكن أن يمثلوا خيارات جهوية في انتخابات الرئاسة في حال اعتمد النظام الرئاسي، ويسعى عديدهم الآن إلى ضمان قاعدة واسعة من الناخبين بناء على الأبعاد السابقة، وهنا يبرز اسم سيف الإسلام القذافي الذي يعتمد مؤيدوه على عديد المنطلقات منها الفشل الواضح الحاصل في إدارة الدولة والإساءة في استخدام السلطة وارتفاع مؤشرات الفساد في مختلف مستويات هياكل السلطة ومؤسسات الدولة، إلى جانب المظلومية التي وقعت على مناطق وقبائل وعائلات استمرت في تأييدها لنظام الحكم السابق.

أولويات جديدة للمسيطرين على القرارين المالي والسياسي:

من جهة الواقع أعادت عديد أحزاب ومجموعات مصلحية وميليشيات مسلحة ومناطق وقبائل وشخصيات عسكرية وسياسية واجتماعية متموضعة حاليا في السلطة ومسيطرة على القرارين السياسي والمالي وقرارات الحرب ومرتبطة بقوى خارجي،. أعادت ترتيب أولوياتها تجاه خوض الانتخابات المُحتملة وأسقطت من سلم الأولوليات الاستمرار في تنفيذ التزاماتها المرتبطة بالمناصب الرسمية التي تديرها، وبالتالي تسعى تلك المكونات المسيطرة على السلطة والدولة والمجتمع إلى تدوير وجودها في السلطة من خلال الانتخابات القادمة المُحتملة مستخدمة كل إمكانات السلطة والدولة بما فيها القرارين المالي والسياسي سواء لتنظيم نفسها استعدادا للانتخابات أو لشراء الولاءات متعددة الأبعاد وبناء تحالفاتها الجديدة بعد تحديد خصومها المحتملين في الانتخابات.

ماذا يحدث الآن؟

واقعيا، تستمر اللقاءات والاجتماعات والمفاوضات من جميع من ذكرنا، سواء في ليبيا أو خارجها ويمكن متابعة الحملات الإعلامية المضادة التي انطلقت منذ شهور سواء لتلميع الحلفاء أو حرق الخصوم، وكل ذلك يتم في غالبه باستغلال غير أخلاقي للقرارين العامين السياسي والمالي، إلى جانب تحصيل الدعم الخارجي بكل أنواعه.

أخيرا، نشير إلى الفوضى والنزاع التشريعي والقانوني المتعلق بالانتخابات سواء مسودة الدستور المتنازع عليها جهويا وعرقيا ، أو قانون الانتخابات، فضلا عن الانقسام السياس، وأخيرا الانهيار الاقتصادي والمالي للدولة وتأثير كل ذلك على قرارات الناخبين.

توقعات:

أمام هذا المشهد المفكك يمكن أن نتوقع نتائج أي انتخابات قادمة إن كانت تمثل حلا محتملا للانقسام والاحتراب والفساد في ليبيا ، أم أنها تمنح مديري الانقسام والحرب والفساد شرعية جديدة لاستمرار سيطرتهم على القرارات السياسي والمالي والاجتماعي، ولو بوجوه جديدة، ثم هل يحدث انتقال سلس وانسيابي بين مجموعات السلطة المتنازعة في ليبيا منذ 2014.

الجواب عندكم!

____________

المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

مواد ذات علاقة