بقلم هاكي أباظي

دولةً مثل ليبيا قد تهدد منطقة (الشرق الأوسط) المزعزعة بالفعل وتولَّد تهديدات مستمرة لجهود إحلال الاستقرار. إن الفوضى والنزاعات العنيفة في منطقة شمال أفريقيا سيكون لها تداعيات سلبية على أوروبا خاصة مع زيادة تدفق المهاجرين على القارة

ليبيا مكان لا يمكن أن تخفق فيه جهود المجتمع الدولي، فهي أحد أغني البلدان في أفريقيا فضلًا عن كونها محل كثيرًا من المصالح الجيوسياسية المختلفة.  إنها في الوقت نفسه طريق معتاد لعبور اللاجئين والمهاجرين إلى خارج أفريقيا، بمن في ذلك الليبيون الذين فقدوا الثقة في الحكومة الحالية وخفت أملهم في دولة أفضل بعد سقوط القذافي.

وحاليًا، إن جماعات مسلحة قبلية تتقاتل لفرض سيطرتها على البلد، فليبيا تحتاج إلى حكومة وطنية فعَّالة بصورة أفضل لتحقيق هدف أن تكون بلدًا أكثر تماسكًا ولتعزيز انتقال أسرع للسلطة بعد الصراع.

إن تشكيل حكومة الوفاق الوطني بنهاية العام 2015، الذي سهله الدعم الدولي، كان خطوة مهمة لملء الفراغ ، لكنه لم يكن كافيًا لجعل ليبيا بلدًا طبيعيًا.

أن تفويض حكومة الوفاق الوطني يجب تمديده بالتوازي مع إنهاء صياغة الدستور وقانون الانتخابات، لكن التدخلات الخارجية للدول العظمة لا يمكنها النجاح وحدها، مستدلًا على ذلك بإخفاق تلك الاستراتيجية في مناطق أخرى كثيرة

تعزيز سلطة البلديات

أن الوقت والجهد أهدرا في السابق على تشكيل سلطة مركزية لتكون شريكة للمجتمع الدولي وتساعد في منع تدفق المهاجرين عبر ليبيا إلى أوروبا، إلا أن ليبيا تحتاج في واقع الأمر إلى سلطات محلية قوية وممثلة للمواطنين يمكنها إحلال الاستقرار في المجتمعات وتصبح مصدر الدعم والثقة لحكومة الوفاق الوطني على الأرض.

غالبية من الليبيين تحترم سلطات بلدياتهم الفعَّالة بصورة ما، أنه ينبغي على المجتمع الدولي التركيز على تعزيز السلطة على ذلك المستوى، عن طريق تنظيم انتخابات في بلدية تلو الأخرى مع التركيز على مراقبة الحملات الانتخابية وعملية الفحص التي ستجريها المجالس المجتمعية وحكومة الوفاق الوطني للممثلين

إنه لا توجد حاجة لتسريع هذا النهج العملي، موضحًا أنه يجب توفير الوقت الكافي للمرشحين الأفضل لإفراز أولئك الذين يمكنهم الحصول على ثقة الناخبين والفوز في الانتخابات.

هناك ضرورة لوضع خطة محلية للتنمية المستدامة قائمة على ثلاث دعائم، أولاها حكومة محلية فعَّالة ومسؤولة وتتسم بالشفافية، وثانيها منظمات مجتمع مدني يتوافر لها التمويل والدعم بما في ذلك قطاع خاص نشط ووسائل إعلام محلية ينصب تركيزها على الصحافة الاستقصائية، فيما تتمثل الدعامة الثالثة في التركيز على توفير خدمات مثل التعليم والرعاية الصحية والمياه والكهرباء وتسهيل التخلص من الصرف الصحي.

من المهم أن يعطي المانحون الدوليون أولوية لإعادة تأهيل البنية التحتية عبر أنحاء ليبيا لإيصال تلك الخدمات، حيث أن تقوية تلك الدعائم الثلاث للتنمية المحلية من شأنها أن تُحِد من نطاق الصراع المسلح وانتشار تنظيم «داعش» وغيره من الجماعات المسلحة غير القانونية.

مجابهة المركزية

إن تعزيز سلطة البلديات لا يعني وجود لامركزية ممزقة، بل سينبثق عنه ارتباط أقوى بين حكومة الوفاق الوطني والبلديات سيؤدي إلى تقديم خدمات أفضل جودة ستعزز التماسك الوطني ويشجع على المزيد من الإحساس بالمسؤولية، مضيفًا أن ذلك ليس حلًا سريعًا، إذ إنه سيستغرق اندماج القطاع الخاص والمجتمع المدني في هذا النهج من خمس إلى عشر سنوات على الأقل.

في نهاية المطاف سيؤدي ذلك النهج إلى استبدال حكومة الوفاق الوطني بمؤسسات جديدة، بدءًا من برلمان مشكل من ممثلين من كل بلدية، إذ سيكون هناك ممثلون عن كل 50 إلى 100 ألف مواطن، مما سيخلق رابطًا قويًا بين السياسيين والناخبين.

أن المساعدات الأجنبية لا تستخدم في الوقت الراهن في مقاربات للتنمية تتمحور على خدمة المواطن لكن بدلًا عن ذلك فقط لتعزيز السلطة المركزية والبيروقراطية.

أن المواطنين العاديين يشعرون أنهم يتعرضون لضغط للتخلي عن السلطة التي اكتسبوها بعد إطاحة القذافي ولتفويض طرابلس للسلطة، إلا أن مناطق ومدنًا ليبية تعمل على التصدي لسيطرة طرابلس على السلطة، في محاولة للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من السلطة والموارد المحلية.

مع التفكير في هذه الحقيقة، ينبغي أن تعمل استراتيجية موقتة على تمكين السلطات اللامركزية، وبناء الثقة بين المجتمعات والسلطات المحلية، كما يجب سماع شكاوى الناس ومعالجتها قبل عودة السلطة إلى الحكومة المركزية في طرابلس.

بعد ست سنوات من إطاحة نظام القذافي يبقى الوضع في ليبيا هشًا ومتقلبًا للغاية، حيث أن استراتيجيات الإصلاح السريع وتدخلات المانحين الخارجيين أدامت عن غير قصد حالة عدم الاستقرار، إذ تتصاعد الانقسامات الإقليمية والعداوات القبلية في أسوأ صورة ممكنة.

إن استراتيجية جادة تهدف إلى تعزيز القدرات المحلية يجب أن تسبِق أي جهد حقيقي لإعادة بناء سلطة مركزية موثوق بها في طرابلس.
***

ترجمة مريم عبد الغني ـ بوابة الوسط

***

هاكي أباظي هو الرئيس التنفيذي لمعهد الديمقراطيات الناشئة في واشنطن العاصمة ويركز على تغطية الطاقة واللاجئين والمهاجرين والأنظمة الانتخابية في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية.

____________

المصدر الأصلي:

مواد ذات علاقة