بقلم خليفة الفرجاني

الوضع في شرق ليبيا أصبح مزريا جدا، ومن المؤسف أن عاصمة إقليم برقة التي كانت متمردة دائما أصبحت الآن مروضة.

لماذا هذا الصمت الذي يلف مدينة بنغازي التي عودت الناس خلال الأعوام الماضية على كثرة الضجيج والنشاط؟ والمظاهرات المطالبة بالحقوق لجميع أبناء الوطن، وهو ما بدأ خلال ثورة السابع عشر من فبراير واستمر حتى سيطرة خليفة حفتر على المدينة؟

هل من المعقول أن يصمت الناس على كل هذه التجاوزات التي تصادر حقوقهم؟ وتنتهك حرياتهم؟

لماذا يحدث كل هذا تحت سمع وبصر النشطاء الحقوقيين، والمحامين، داخل ليبيا وخارجها؟

في هذا المقال سوف أتحدث فقط عن حرية السفر والتنقل وهي من أهم حقوق الإنسان…

هل من المنطقي مثلا، ما جرى بخصوص منع النساء من السفر بدون محرم؟؟

اعترضت الحقوقيات في بنغازي وخارجها في بداية عام 2017 على القرار الذي أصدرته السلطات العسكرية التي تحكم شرق ليبيا، وتضامن الحقوقيون معهم، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالأصوات الرافضة للقرار، وهو ما دفع الحاكم العسكري عبدالرازق الناظوري إلى التراجع عن القرار الذي أصدره بعد أيام، ولكن استبدل القرار بآخر، يفرض موافقة أمنية على المواطنين من الجنسين قبل السفر خارج ليبيا.

فرض القرار على جميع المواطنين من سن الـ18 إلى 45 عاما، ولكي تحصل على الموافقة الأمنية يجب عليك أن تقدم أوراقك للأمن الداخلي – وهو ما كان يسمى سابقا بالمباحث العامة – هذه الأوراق تتضمن صورة ملونة من جواز السفر، والرقم الوطني وتذكرة الطيران وصورا شخصية بالإضافة إلى إجازة من مكان العمل، أو ورقة من القوى العاملة تثبت بأن صاحبها لا يعمل في مؤسسات الدولة.

كل هذه الإجراءات تتطلب من صاحبها وقتا وجهدا، ومالا أيضا، نعم، حتى وإن كان المبلغ المالي اللازم لتوفير هذه الأوراق صغيرا إلا أنه وبالمقارنة والحساب، فإن الرقم يتحول إلى مبلغ كبير بالنظر إلى أعداد المسافرين في شرق ليبيا، هذا بالإضافة إلى الوقت الذي يضيع في إتمام المعاملات من قبل المواطنين والموظفين!!

ولماذا يجري كل ذلك؟ هل لذلك أي فائدة؟ هل هذا الإجراء الأمني النووي مفيد؟

إذا فكرنا قليلا في حيثيات القرار ومتطلبات الحصول على الموافقة الأمنية سنجد أن القرار في حد ذاته لا جدوى منه، لأنه ببساطة، وكما يعرف الجميع، لا يعني تجاوز سن الخامسة والأربعين أن الرجل لم يعد يشكل تهديدا أمنيا، ولا أعرف لماذا استثني الرجال فوق هذه السن من اشتراط الحصول على الموافقة الأمنية؟ هذا أحد الأسباب التي تؤكد عدم صلاحية القرار في المساهمة في حفظ الأمن، وأنه لا جدوى منه.

ثانيا، يمكن لأي مواطن راغب في السفر خارج ليبيا من المناطق الشرقية أن يذهب إلى مصراتة أو طرابلس ويسافر من مطاري مصراتة ومعيتيقة، دون الحصول على الموافقة الأمنية، ولذلك إذا افترضنا جدلا أن شخصا كان يريد أن يقوم بجريمة ما أو أن يتنقل لأغراض مشبوهة، لماذا يذهب بنفسه إلى الأمن الداخلي للحصول على الإجراء؟ أليس من الأسهل أن يستقل الطائرة أو السيارة نحو الغرب ويخرج بعدها من ليبيا؟

المضحك في الأمر أنني سمعت من أحد المواطنين من سكان طرابلس مرة، أنه كان في بنغازي في زيارة عمل واضطر إلى السفر من بنغازي إلى تونس، دون العودة إلى العاصمة، ولذلك ذهب صاحبنا إلى الأمن الداخلي ليقدم طلبا للحصول على الموافقة الأمنية، ولكن رجال الأمن قالوا له إنه ليس مطالبا بالحصول على موافقة أمنية لأنه من سكان مدينة طرابلس، ولذلك يمكنه أن يسافر من مطار بنينا في بنغازي بدون موافقة أمنية!!

أليس ذلك أمرا أقرب إلى الجنون؟؟

فلندع كل قواعد الحقوق والحريات جانبا، لأننا في ليبيا لا علاقة لنا بها، وربما سبقنا العالم بمئات السنوات في هذه المجالات، ولكن، أليس من الغريب أن يصمت الناس أمام استجواب رجال الأمن للنساء؟ ولماذا؟ من أجل الحصول على الموافقة الأمنية للسفر خارج البلاد؟

في الحقيقة الأمر مثير للصداع والاشمئزاز، الأمر تجاوز الحريات والعرف في ليبيا، كما أنه تجاوز كل قواعد المنطق.

هذا الشرط الذي فرضته السلطات الأمنية على المواطنين في شرق ليبيا غريب جدا، يمكنك وأنت تقرأ كلامي هذا أن تتخيل نفسك، وأنت تخطط لقضاء عمل أو عطلة أو ربما الذهاب للعلاج في الخارج، لتجد نفسك مجبرا على الذهاب لجهاز أمني يحقق معك وربما يحقق مع زوجتك أو أختك أو أمك، ما ذنبك؟ ولماذا يجري التحقيق معك؟

الإجابة سهلة جدا، ذنبك أنك موطن ليبي تعيش في شرق البلاد وعمرك بين الـ18 إلى 45 عاما، ليس ذلك فقط، ولكن ذنبك الأكبر الذي ربما لم تشارك فيه شخصيا، هو أنك موجود في دولة لا يوجد فيها حقوقيون حقيقيون ومدافعون عن الحريات قادرون على إيصال صوتهم وتغيير القرار، وإن وجد بعضهم فهم ربما يكونون صامتين نظرا لخوفهم أو منتشين لأنهم يرغبون فعلا في عودة الاستبداد والاستفادة من مسؤولي الدولة الذين يسيطرون على أمر الواقع في برقة (إقليم شرق ليبيا)

***

خليفة الفرجاني – كاتب من بنغازي

_________

مواد ذات علاقة