بقلم المهدي ثابت

ملخّص: تعرف ليبيا هذه الأيام حراكا سياسيا غير مسبوق  نحو الحل السياسي الذي ثبتت ضرورته . يشمل  الحراك  كل أطراف الصراع في البلاد، بما في ذلك حكومة الوفاق.

ولا يعني هذا ان المخاض سيكون قصير الامد . ولكن  قد ينبجس ضوء  في نهاية النفق منبئا  بفشل المشروع العسكري في البلاد الذي كان السبب الرئيس في إطالة امد الأزمة.

الجزء الثاني

المصالحة بين مصراته والزنتان

 تعتبر المصالحة التي جرت مؤخرا بين مدينتي مصراته والزنتان حدثا ذا بعد استراتيجي، بالنظر للقيمة العسكرية للمدينتين ولدورهما في ثورة فبراير، وأيضا بالنظر لحضورهما القوي في ساحة الصراع القائم.

ولو قدر لهذه المصالحة النجاح فإنها ستقلب المعادلة بالكامل في المنطقة الغربية وفي ليبيا.صحيح أن بيان المصالحة أشار إلى رفض حكم العسكر وأشار إلى أرضية فبرايرلكن الواقع على الأرض يجعل تنزيل بنود البيان أمرا ليس هينا.

فالمعلوم أن مدينة الزنتان بعد عملية فجر ليبيا قطعت مع أغلب مدن الثورة ويمّمت وجهها شطر الكرامة، وأقامت علاقات متينة مع دولة الإمارات المناهضة للربيع العربي . وهذا الإرث ليس من السهل على المدينة أن تتخلص منه . فالزنتان لها ثلاثة وزراء في حكومة عبد الله الثْني، ونائبيها في البرلمان مداومين ومقيمين في طبرق تحت سيطرة حفتر.

والمسؤول العسكري للكرامةفي المنطقة الغربية من مدينة الزنتان. كما أن المدينة لم تصدر أي بيان باسمها يرفض الكرامةوالحكم العسكري على عكس يقية مدن الثورة. وإذا أريد لهذه المصالحة النجاح الحقيقي فلا بد أن تمتد لمدينتي الزاوية وترهونة وهما مدينتان مهمتان جدا لتثبيت أركان فبراير في المنطقة الغربية وبالتالي في كل البلاد.

إن ما دفع المدينتين إلى الإقدام على هذه الخطوة الإستراتيجية سببه الخوف من تداعي الأحداث في البلاد ومن تغول الأجندات الأجنبية وتأثيرها القوي على أداء حكومة الوفاق. فالمدينتان ترغبان في أن يكون حضورهما قويا في هذه المرحلة المهمة التي تمر بها البلاد وخصوصا مدينة مصراته التي أريد لها أن تتقوقع على نفسها.

وهناك اليوم من يتحدث عن رغبة مشتركة للمدينتين في العودة إلى طرابلس وهو عامل من عوامل التعجيل بهذا الإتفاق. إن العودة إلى طرابلس هي مغامرة غير مضمونة العواقب وخاصة من جانب مصراته ليس فقط من ناحية الفيتو الدولي، ولكن أيضا من سكان طرابلس الذين لا يرغبون إطلاقا أن تكون مدينتهم ساحة حرب.

أما الزنتان فهي ليست في حاجة للعودة إلى العاصمة لأنها تتمتع بجملة من الإمتيازات لا تتمتع بها أي مدينة أخرى.

انهيارالكرامةوأزمة البرلمان

 الثابت اليوم أن عملية الكرامةقد استنفدت الطاقة والجهد ولم تعد لحفتر القدرة على التمدد خارج المنطقة الشرقية، وبدأت قواه تتآكل من الداخل . فقد ساءت علاقته بأغلب المكونات القبلية التي ساندته في عملية الكرامة وجعلت منه رقما مهما في البلاد. ولم يبق له من مصادر القوة إلا الكتيبتين المجحفلتين اللتين يقودهما ولداه وبعض أعيان القبائل الذي سيطر عليهم بالمال وبوسائل استخباراتية تورطهم اجتماعيا .

إن انكسار المشروع العسكريللكرامةحقيقة أصبح يدركها حفتر قبل غيره . وهو اليوم يسعى لربط خيوط التواصل مع بعض المكونات في مصراته، ويضغط بقوة على البرلمان حتى يبقى متمترسا خلفه. هذا الواقع جعل عددا مهما من النواب يفرون من الشرق إلى الغرب وقد ركزوا مقرا لهم في فندق المهاري في العاصمة ، وهو ما يعتبر خطوة مهمة نحو الفكاك من ورطة الكرامة .؟ كما أن علاقة حفتر برئيس البرلمان ساءت كثيرا وهو ما ينذر بانفراط هذه العلاقة.

البلديات وحراك المصالحة

إن دور البلدية وإن كان خدميا بالأساس، إلا أنه في الواقع الليبي أصبح لرؤساء البلديات دورا سياسيا فاعلا باعتبارهم يحظون بالشرعية الإنتخابية التي تخول لهم تمثيل منتخبيهم في مسارات المصالحة الوطنية. وفي تطور مهم في المدة الأخيرة، قدوم وفد من رؤساء البلديات في المنطقة الشرقية إلى العاصمة طرابلس  و الإجتماع بنظرائهم في الغرب الليبي والإتفاق على التوجه قدما نحو المصالحة الوطنية الشاملة بعيدا عن الحلول العسكرية.

إن قدوم الوفد من الشرق يعتبر مؤشرا مهما نحو تجاوز حالة الإستقطاب الحادة التي كانت ولازالت قائمة بين غرب البلاد وشرقها.

 عمليةعاصفة الوطن

هي عملية عسكرية أطلقتها حكومة الوفاق في طرابلس ضد فلول داعشالمنتشرة في أودية بني وليد جنوب شرق العاصمة طرابلس وجنوب مدينة مصراته. هذه العملية لها أبعاد سياسية عدة. وقد فاجأت أغلب المراقبين للشأن الليبي . فالمعلوم أن قوات الأفريكومالأمريكية تمكنت منذ أيام من اغتيال شخصيتين مهمتين من قيادات تنظيم القاعدة في مدينة سبها بالجنوب الليبي عبر استهدافهما بطائرة دون طيار.

وكأننا الآن أمام الفصل الأخير من لعبة داعشفي ليبيا التي حاول أغلب الفرقاء في الداخل والخارج الإستثمار فيها تحت شعار مكافحة الإرهاب ولهم فيها مآرب أخرى.

وفايز  السراج بهذه العملية المسنودة أمريكيا، سيكون البطل الذي حرر ليبيا  نهائيا من آفة الإرهاب وهو ما سيعزز مكانته في الداخل والخارج . وسيعزز قوته العسكرية بفصيل عسكري هو جهاز مكافحة الإرهاب الذي سيقود العملية ميدانيا.  وأغلب عناصر هذا الجهاز من مدينة مصراتة.

كما سيغلق الطريق بهذه العملية أمام كل من يفكر باجتياح العاصمة في هذه الأيام. بل هناك من بالغ في القول بأن هذه العملية غايتها استنزاف ثوار مدينة مصراته الذين سيكونون وقود المعركة في حين أن كتائب طرابلس في معسكراتها داخل العاصمة.

وفي كل الأحوال فإن حرب هذا التنظيم تبقى محل إجماع كل الليبيين وما يعرف بالمجتمع الدولي، ونتائجها سيتقاسمها السراج ومدينة مصراته التي تبقى الرقم الصعب في ليبيا. وربما تكون البداية العملية لنهاية عملية الكرامةالتي ستسحب منها أهم ورقة بنت عليها وجودها وهي ورقة مكافحة الإرهاب.

وهذه العملية المواكبة للحراك السياسي المتسارع، قد تكون نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى تنبئ بجمع أوراق الملف لتسويته نهائيا.

حظوظ الحراك ومآلاته

ربما لم تشهد البلاد في السابق حراكا سياسيا بالشكل الذي تشهده الآن من حيث  الجدية بعيدا عن الرهانات العسكرية التي ثبت فشلها. ولعل هذا الحراك المتسارع ساهم فيه بشكل كبير خسارة الرهان العسكري في الشرق الذي عطل عمل البرلمان وأغلب المبادرات السياسية السابقة نتيجة التعنت والرغبة الملحة في الحسم العسكري. ولكن القضايا الخلافية في الملف الليبي متعددة ومستعصية وليس من السهل إحداث اختراقات مهمة نحو حلها.

ويبقى الإتفاق الأخير بين مصراته والزنتان وإذا صدقت فيه النوايا رافعة مهمة نحو التعجيل بالحل الشامل شرط أن يتسع ليشمل مدن الغرب الليبي . ففي صورة حدوث هذا الإنجاز فإن الجميع سيرضخ لرغبة هذه القوة الوازنة ابتداء بحكومة السراج، وانتهاء بالقوى الدولية التي ستجد نفسها مضطرة للتعامل بكثير من الإيجابية مع التصور السياسي لهذا التجمع العسكري والمدني الوازن جدا والذي لا يمكن تجاوزه على الإطلاق في أي معادلة سياسية سواء داخلية كانت أو من الخارج.

و الطرف الآخر يتابع باهتمام كبير ما يجري بين مصراته والزنتان وسيعمل جاهدا على تخريب الإتفاق عبر عديد الوسائل مثل شراء الذمم أو من خلال بث الفوضى والفرقة عبر التفجيرات المدبرة التي تستهدف هذا الطرف أو ذاك .

وهذا يفرض على القيادات الفاعلة من تيار فبراير المنخرطة في الإتفاق أن تكون متفطنة لمجمل ما يمكن أن يحدث من تطورات لاحقة تصب في غير مصلحة الإتفاق.

خاتمة

لقد ملّ أغلب الليبيين من الإقتتال الذي أفرز حالة شديدة القتامة اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. واليوم تعيش البلاد تمشيا سياسيا ينبئ بالخير، إضافة إلى انتعاش قطاع النفط الذي عاد بقوة إلى الإنتاج والتصدير .

كما أن حكومة الوفاق ستقدم في الأيام القريبة الآتية على خطة اقتصادية تستهدف تحسين المقدرة الشرائية للمواطن عبر حل مشكلة السيولة التي تؤرق الشارع الليبي.

والمطلوب من كل القوى الفاعلة في دول الجوار الغربي أن تساعد على ترشيد الحوارات وأن تدفع الجانب الرسمي في الدولتين للعب دور مهم في المخاض القائم لأن نتائج أي حوار ستنعكس بالضرورة سلبا أو إيجابا على الداخل في البلدين.

***

المهدي ثابت ـ باحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية.

___________

مواد ذات علاقة