بقلم السنوسي بسيكري

تصدر خبر مرض المشير خليفة حفتر الأخبار المحلية، وزاحم الأخبار العربية والدولية وتكلمت به كبرى وكالات الأنباء والصحف العالمية، حتى إنه أصبح الأكثر صحة لدى كثيرين،

فيما استمرت قيادة البرلمان والجيش في رفض الخبر، وتحدثت بخطاب معارض، ولو نقلت للإعلام كلاما مباشرا لحفتر بتاريخ الأمس أو اليوم لتراجع الجدل حول مصيره.

كل التقارير تناولت مآلات مشروع حفتر والتكتل الذي أوجده، ومصير العملية السياسية في ليبيا، باعتبار أنه أبرز الشخصيات السياسية والعامل المربك للمشهد، والمعطل للاتفاق السياسي.

هذا الموقف طبيعي، ومحورية شخصية حفتر تستدعي أن يكون الملف الليبي ساخنا في حال غيابه جزئيا أو خروجه من المشهد السياسي كليا، فقدت كانت مواقف وتصريحات وتحركات خليفة حفتر أكبر أسباب التسخين أولا في الشرق، وبعدها الغرب، واليوم في الجنوب.

وأسهبت المنابر الإعلامية والصحفية في رصد وتحليل تداعيات غياب حفتر عن المشهد سواء على المستوى الإقليمي فيما يتعلق بخيارات الأطراف الداعمة له، أو داخليا ضمن التكتل الذي يوالي المشير أو حتى الذين لا يخضعون لشروطه بما فيهم المجلس الرئاسي، مقتصرة الحديث عن التداعيات في حال تأكد غيابه.

مرض خليفة حفتر حتى في حال تعافيه سيصبح عاملا مهما في تشكيل المشهد السياسي، وإعادة ترتيب مواقف وخيارات الأطراف المعنية بحفتر والجيش.

وأنا هنا أجزم أن قدرا مهما من التداعيات التي تم الحديث عنها سيقع حتى في حال تعافي خليفة حفتر، ذلك أن مرضه وما لحقه من غموض وارتباك كبيرين يستدعي الحذر ويتطلب مقاربات لتلافي نتائجه، ففي هذا العمر ومع احتمالية عودة المرض سيصبح التفكير في خيارات احتواء التداعيات أولوية لدى أطراف عدة بما فيهم حفتر نفسه.

الوضع المعقد في “برقة” الذي اقترن بتأسيس عملية الكرامة على عجل وبناء قاعدة عريضة من الأنصار والفاعلين لا تجمعهم مشتركات إلا التصدي لـ “الإرهاب”، أوجد تحدي واجهه حفتر خلال العام المنصرم لدرجة هدد تماسك تكتله وأثر داخليا وخارجيا في نفوذه، وأمام تراجع الحالة الصحية لحفتر سيصبح هذا العامل دافعا لكل الأطراف لمراجعة الوضع واتخاذ إجراءات عاجلة لمنع نتائجه.

من المحتمل جدا في حال تعافي حفتر وعودته لممارسة مهامه قائدا عاما أنه سيعجل بترتيب الوضع الداخلي للجيش بشكل يعزز من نفوذ أبنائه والأطراف المؤيدة لهم في قيادة الجيش على مستوى التسليح والتحشيد.

الأطراف الدولية والإقليمية المعنية مباشرة بعملية الكرامة والجيش الخاضع لحفتر ستضغط لا محالة باتجاه منع أي خلافات قد تتطور إلى صراع بعد أن تدهور الوضع الصحي للرجل الأقوى في التكتل، وستعمل على الدفع بشخصية تتوفر فيها القدرة على التعبئة وسيكون الدعم المادي والمعنوي الذي ستوفره له حاسما في تثبيت نفوذه وذلك لتلافي تكرار ما وقع هذه الأيام من ارتباك كبير.

كل المكونات السياسية والاجتماعية، والتيارات الفكرية والرموز والأعيان من غير الأشخاص المرشحين لخلافة حفتر سيتجهون إلى الاتفاق على البديل لمنع سيناريو الصدام وللمحافظة على الميزات التي وفرها حفتر لهم بعد إطلاق عملية الكرامة واستلامه منصب قائد عام الجيش.

البرلمان، خاصة الكتلة المناصرة للجيش، قد يتجهون إلى فكرة نائب القائد العام، وربما نرى محاولة لإقناع خليفة حفتر باختيار نائبا يتولى جزءا من مهام منصبه ويكرس نفوذه بعد أن واجه حفتر ما واجهه الأيام القليلة الماضية، وربما تكون هذه الخطوة محل اتفاق كافة الأطراف الداخلية والخارجية الداعمة لعملية الكرامة وللجيش التابع للبرلمان، والضامن لمنع وقوع أي صدام اذا فقد حفتر الأهلية لمزاولة منصبه وممارسة نفوذه.

كل هذه الاحتمالات ستهم في خلق حالة من التوتر داخل جبهة طبرق وستدفع باتجاه مزيد من التصدعات في قاعدة الكرامة وأنصار الجيش، فالإجراءات ذات طبيعة وقائية وتقع في مرحلة حرجة، وعادة ما يكون لمثل هذه الإجراءات وفي هكذا ظرف نتائج سلبية كبيرة.

***

السنوسي بسيكري ـ كاتب وباحث ليبي ومدير المركز الليبي للبحوث والتنمية

____________

مواد ذات علاقة