بقلم علي بن خليفة حدّاد

صار من المؤكد أن الحديث عن وضع صحي حرج يمر به قائد عملية الكرامةفي ليبيا خليفة حفتر، وربما موته، لم يكن مجرد شائعات.

ومع تصاعد الجدل الدائر حول حال الرجل القويالمثير للجدل وتداعيات خروجه من المشهد السياسي والعسكري، تتسارع مساعي الرعاة الإقليميين لعملية الكرامةلاختيار خليفة له بمقدوره مواصلة الدور الوظيفي في التصدي للواقع الذي أفرزته ثورة 17 فبراير ولتلافي انهيار التحالفات القبلية والعسكرية الهشة التي تجمعت حوله، في خضم مؤشرات متواترة عن صعوبة المهمة.

الجزء الثاني

ما بعد حفتر: تناقضات الصفّ

رغم الدعم الإقليمي الذي تدفق على حفتر منذ 2014، إلا أن الصف القبلي والعسكري والسياسي الساند لعملية الكرامةشهد صراعات داخلية وتصدعات متكررة تراجع معها منسوب الرهانات التي علقت عليها في البداية.

ولم تحل شخصية حفتر والصلاحيات السياسية والعسكرية الواسعة التي منحت له أو منحها لنفسه، دون منع العديد من الشخصيات القبلية وكبار الضباط من الانشقاق عنه، كما لم تمنع حدوث صدامات متتالية بين مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية التي تدين له بالولاء. وتنبئ التركيبة غير المتجانسة من المكونات السياسية والقبلية والعسكرية الساندة لحفتر، من عسكريين وأمنيين سابقين وسياسيين وشيوخ قبائل وصحوات وأعضاء بمجلس النواب وإعلاميين، والتي لم تجمعها أي مشتركات سياسية موضوعية، بأن انفراط عقد الكرامةمتوقع جدا، وقد يكون أقرب إلى الانهيار السريع، وقد بدأت نُذره حتى قبل الإعلان الرسمي عن رحيل المشير“.

فعلى المستوى القَبلي، صعدت قبيلة العواقير تحركاتها الاحتجاجية التي انطلقت منذ حسم قوات حفتر خلافها، عسكريا، مع وكيل وزارة الداخلية بحكومة الوفاق فرج قعيم العقوري والقبض عليه وإيداعه السجن.

ومنذ رواج أخبار الوضع الصحي لحفتر انتشر مسلحون من القبيلة في منطقة برسس شرق بنغازي، كما أصدر أعيان من القبيلة بيانا يطالبون فيه بتنصيب عبد الرازق الناظوري، قائد غرفة عمليات الكرامة، خليفة لخليفة حفتر. أما قبيلة الفِرجان، التي ينحدر منها حفتر، فقد كثّفت اتصالاتها للحفاظ على موقعها في وسط قبلي لا تمثل فيه ثقلا اجتماعيا وازنا.

وفي مدينة درنة، شهدت الأيام الأخيرة حراكا قبليا ومساعي للصلح من خلال استقبال وفد من قبيلة العبيدات، إحدى كبرى القبائل الساندة لعملية الكرامة، تزامنا مع فتور الحماس للخيار العسكري ضد ثوار المدينة منذ غياب حفتر عن المشهد، رغم التحشيد الجاري على امتداد الأشهر الأخيرة.

وعلى المستوى الأمني والعسكري، بدأت نُذر تشظّي مكونات عمليات الكرامة، منذ الأيام الأولى لرواج أخبار دخول حفتر مرحلة صحية حرجة، باشتباكات بين جهاز البحث الجنائي والقوات الخاصة الصاعقةفي منطقة الحدائق بمدينة بنغازي.

ورغم أن هذه الاشتباكات ظلت محدودة في الزمان والمكان، حتى الآن، إلا أنها تنذر بصراعات أخرى بين مختلف التشكيلات، خاصة أن أغلب مقاتليها ليسوا عسكريين نظاميين ولا علاقة لهم بتقاليد التراتبية والانضباط العسكري، والعديد منهم من ذوي السوابق الجنائية الذين انتسبوا للصحوات القبلية.

وفي السياق نفسه، تعرض رئيس أركان عملية الكرامةعبد الرازق الناظوري إلى محاولة اغتيال بسيارة مفخخة في منطقة سيدي خليفة أثناء محاولته الخروج من بنغازي، يوم الأربعاء 18/4/2018.

ورغم أن الناظوري وجه أصابع الاتهام إلى الإرهابيينإلا أن عديد المراقبين للمشهد البنغازي ذهبوا إلى أن العملية تتنزل في سياق صراعات الكرامةما بعد حفتر، متوقعين تصاعد استهداف الشخصيات السياسية وقيادات الصف الأول المرشحة لخلافة المشير“.

ما بعد حفتر: خلافة بهندسة إقليمية

يرجع الكثير من متابعي الملف الليبي التكتم الشديد الذي يلف مصير خليفة حفتر إلى رغبة الأطراف الإقليمية التي ساندته منذ انطلاق عملية الكرامةفي تهيئة المشهد وتعيين خليفة له وضبط أي ردود فعل يمكن أن تنسف التحالفات الهشة التي تجمعت حول شخصيته دون أرضية أو توافق سياسي حقيقي، حتى في حدوده الدنيا.

ومنذ دخول حفتر في غيبته، تكثّفت، بحسب المصادر الإعلامية الجادة، اللقاءات المصرية والإماراتية، وحتى الفرنسية والإيطالية، بالأطراف المحسوبة على صف الكرامةداخل ليبيا وخارجها. وتركزت أغلب اللقاءات حول البحث عن خليفة من داخل الحزام المحيط بحفتر، وتحديدا نجلَيْه خالد وصدام، ومدير مكتبه وابن قبيلته عون الفرجاني، وآمر غرفة عمليات الكرامةعبد السلام الحاسي، ورئيس أركان قوات الكرامةعبد الرازق الناظوري.

من المبكر التهكن بمن سيتوافق عليه الداعمون الإقليميون ليكون خليفة خليفة حفتر، خصوصا مع التكتم الشديد الذي يلف التحركات الجارية وحتى مصير حفتر نفسه، غير أن التقييم الموضوعي لوزن كل شخصية ومكانتها والأدوار التي لعبتها على امتداد السنوات الأربعة الأخيرة، يمكن أن يساعد في تضييق هامش التوقعات. فنجلا حفتر صدام وخالد، زيادة على صغر سنهما، لا يملكان تجربة عسكرية تذكر ولم يتدرجا في الرتب ولم يتلقيا أي تأهيل في هذا المجال ولم تكن تربطهما بالحياة العسكرية أية صلة، واعتمدا، بالكامل، على نفوذ والدهما للحصول على الرتب العسكرية وقيادة التشكيلات والكتائب.

ومن ناحية ثانية، كسب صدام وخالد حفتر عداوات متراكمة مع القيادات العسكرية الأخرى لعملية الكرامة، ويشار إليهما بأصابع الاتهام في عديد التصفيات التي طالت بعضها وفي ما يجري بعدد من السجون المعلنة والسرية بالمنطقة الشرقية. لكل هذه الأسباب ولغيرها، من غير المتوقع أن يكون لنجلي حفتر أي حظوظ في ما سيقرره الرعاة الإقليميون لعملية الكرامة“.

تذهب معظم المؤشرات إلى أن التداول في خليفة لخليفة حفتر سينحصر بين الفرجاني والحاسي والناظوري، غير أنه من الوارد أن يضيق هامش الاختيار أكثر بناء على تعقيدات التركيبة الاجتماعية والتوازن القبلي في المنطقة الشرقية.

فعون الفرجاني، المنحدر من قبيلة الفرجان، وهي قبيلة خليفة حفتر، من غير المستبعد أن يجد نفسه خارج السابق. فقبيلة الفرجان، في الأصل، من قبائل المنطقة الوسطى، ولا تحظى بحضور وازن في الشرق قياسا إلى قبائل أخرى.

ورغم أن حفتر أفلح، عند انطلاق عملية الكرامة، في حشد لفيف قبلي مهم حوله وإظهار نفسه في صورة الرجل القوي، إلا أن الظروف الحالية تختلف، كثيرا، عما كانت عليه سنة 2014، خاصة بعد التراجع الكبير في الآمال التي علقت على العملية وقائدها في البداية.

وعليه، قد ينحصر الهامش الذي يتحرك فيه الرعاة الإقليميون بين الحاسي، الذي لازم الظل أغلب الأحيان ولم يكن كثير الظهور، والناظوري، الذي أثار الجدل، في أكثر من مناسبة، بقراراته التي ساير فيها التيار السلفي المدخلي.

و لاشك أن الرعاة الإقليميين لعملية الكرامةيدركون المصاعب والتعقيدات التي تحيط بعملية اختيار خليفة لخليفة حفتر، ولاشك، أيضا، أنهم يدركون أن التحالفات التي هندسوها لصالح المشيربالضخ المالي والإعلامي وبالتسليح والقبضة الأمنية والترهيب والترغيب وشراء الذمم يمكن أن تنفرط بأسرع مما انعقدت، بما يعنيه ذلك خسارة من استراتيجية يصعب تداركها.

ولذلك من المتوقع أن تتسارع المساعي في هذا الاتجاه قبل الإعلان الرسمي عن رحيل الرجل.

خاتمـة

بعد ما يقارب الأسبوعين من غياب حفتر، تحولت الأخبار الرائجة عن دخوله في وضع صحي حرج بأحد مستشفيات باريس إلى حقائق تقطع الشك باليقين، خاصة بعد تأكيدات شخصيات فرنسية رسمية ومواقع ذات مصداقية عالية. ويكتسب الحدث أهميته البالغة من موقع الرجل ودوره الوظيفي في المشروع الإقليمي للتعاطي مع الارتدادات والتداعيات التي أحدثتها الثورات العربية ومحاصرتها، وهو الأمر الذي يفتح باب الاحتمالات واسعا، غير أن كل المؤشرات، ومهما يكن مسار الخلافة، تنبئ بأن ما بعد حفتر، في ليبيا عموما وفي المنطقة الشرقية خصوصا، لن يكون مماثلا لما قبله.

***

علي بن خليفة حدّاد ـ باحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية

________________

مواد ذات علاقة