بقلم أحمد طلب

في صباح 24 أبريل (نيسان) الماضي، قفزت عقود خام النفط القياس العالمي مزيج برنت إلى 75.20 دولارًا خلال التعاملات المبكرة، وهو المستوى الذي لم يبلغه النفط منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014.

هذا الصعود جاء بعد ست جلسات على التوالي من الارتفاع، لتكون بذلك أطول موجة صعود منذ تحقيق النفط سلسلة مكاسب في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو ما يجعله مرتفعًا أكثر من 20% عن أدنى مستوى سجله في 2018، وكان ذلك في فبراير (شباط).

هذا الخبر إيجابي بالطبع لمنتجي النفط وليبيا أحد هذه الدول، فهي تعتمد بشكل أساسي على إيرادات النفط، فهل سيستفيد الاقتصاد الليبي من هذا الصعود بعد سنوات من المشاكل؟

خلال الأشهر الماضية تمكنت ليبيا من زيادة إنتاجها من النفط إلى أربعة أمثال ليصل إلى حوالي مليون برميل يوميًا، وذلك في محاولة لتعزيز مصدرها المهم الوحيد للدخل، ولكن هل استفاد الاقتصاد الليبي من هذه الزيادة؟

في الواقع لا يبدو أن الاقتصاد الليبي استفاد من هذا الأمر فالوضع الاقتصادي يواصل التأرجح وسط ظروف سيئة، في ظل غياب مؤسسات الدولة، وعجز السلطات المالية والنقدية عن إيجاد حلول حقيقية للأزمات.

في الوقت ذاته وبحسب الأرقام العامة، يمكن القول إنه لا توجد في ليبيا أزمة اقتصادية، حيث تحدثت بعض الإحصاءات عن أنه مع بداية عام 2017 كانت احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي تبلغ نحو 80 مليار دولار، بالإضافة إلى إن غطاء العملة المحلية يشمل 30% من الذهب، إذ يمتلك المركزي نحو 47 طنًا من الذهب، وذلك مع عدد قليل من السكان وصل إلى 7 مليون و 200 ألف حتى نهاية عام 2017، ولكن على الرغم من ذلك تزداد نسبة الفقراء وتتأزم الأوضاع الاقتصادية.

لماذا لم تستفد ليبيا من ارتفاع سعر النفط؟

تكمن الأزمة الحقيقية التي تعيشها ليبيا بعد مرور أكثر من سبع سنوات على اندلاع شرارة «ثورة 17 فبراير» أنه لم يتضح حتى الآن مستقبل البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وهو ما يجعل المواطن الليبي يعاني ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار حيث وصل إلى تسعة دنانير، ونقص السيولة الحاد في المصارف، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية.

تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في قارة أفريقيا، إذ كانت تضخ أكثر من 1.6 مليون برميل نفط يوميًا قبل 2011، وتم استثناؤها من تخفيضات لإنتاج النفط تقودها منظمة «أوبك»، أي أن المجال مفتوح أمام البلاد لإنعاش خزائنها وسط ارتفاع أسعار النفط مؤخرًا.

لكن يعرقل هذا الأمر الانقسامات السياسية التي تزيد من حالة عدم اليقين، فصلاحيات الحكومة الحالية في طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة تقلصت كثيرًا مؤخرًا، بسبب ضعف القدرات الفنية ومعارضة فصائل تسيطر على الجزء الشرقي من البلاد.

كما لم تتمكن الحكومة من حل المجموعات المسلحة الكثيرة ذات الجذور المحلية والتي لها نفوذ مهيمن في غرب البلاد، بينما يرى ريتشارد مالينسون، المحلل لدى إنرجي أسبكتس للاستشارات، إن طريقة تشكيل مجموعة مسلحة والسيطرة على منشآت حيوية، لا يبدو أنه في طريقها إلى الزوال، وهذا بالتحديد ما يحدث بشكل دوري مؤخرًا فقطع إمدادات النفط والغاز أو الحرائق في محطات الإنتاج بات أمرًا مألوفًا وهو ما يجعل فكرة استقرار الوضع بعيد المنال حاليًا.

من ناحية أخرى يذهب الإنفاق العام بالكامل تقريبًا لتغطية الرواتب الحكومية، ودعم منتجات أساسية من بينها الوقود المستورد، وكذلك الإنفاق على الواردات، حيث أعلنت البلاد مؤخرًا عن أنها سيتعين عليها تغطية احتياجاتها من استهلاك الحبوب لعام 2018 البالغة نحو 1.2 مليون طن بالكامل تقريبًا عبر الواردات، وهو ما يضغط على موارد الدولة من النقد الأجنبي.

البنك الدولي هو الآخر، قال في تقرير حديث بعنوان «آفاق اقتصادية»، التحسن الاقتصادي في ليبيا يتطلب قرارًا سياسيًا، موضحًا أن الاقتصاد الكلي غير مستقر، ويعاني من تضخم قياسي غير مسبوق ساهم في زيادة معدلات الفقر وعجز مالي مزدوج لا يمكن تحمل استمراره، بسبب ارتفاع المصروفات في الموازنة.

لكن مع افتراض إيجاد حل للصراع السياسي وضمان استقرار الاقتصاد الكلي والشروع في برنامج شامل لإعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، يتوقع البنك الدولي أن يقفز إنتاج النفط إلى أقصى إمكاناته بواقع 1.5 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2020، وهو الوقت اللازم لإصلاح البنية التحتية لصناعة النفط التي تضررت بشدة، خلال سنوات الحرب.

وتطرق التقرير إلى أنه على الرغم من العائدات النفطية فإن المالية العامة ظلت تحت الضغط بسبب زيادة وجمود المصروفات الجارية بفعل دوافع سياسية، وتضاعفت إيرادات الموازنة لثلاثة أمثالها عام 2017، وبنسبة تصل إلى 31.8% من إجمالي الناتج المحلى الإجمالي، مقارنة بعام 2016، غير أن هذه الإيرادات لم تكن تكفي حتى لتغطية أجور الموظفين العموميين.

واقتصاديًا تشير الأرقام إلى أن إجمالي العجز في الموازنة العامة مند يونيو (حزيران) 2013 وحتى يونيو 2017 نحو 80 مليار دينار ليبي، بينما قفز الدين المحلي حتى وصل إلى 59 مليار دينار عام 2017، ارتفاعًا من مليار دينار في 2010، فيما وصل العجز في ميزان الحساب الجاري إلى 9.4% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.

لكن هل تحسن الوضع الاقتصادي مرهون بالجوانب السياسية والعسكرية فقط؟

بعيدًا عن الصراع المسلح.. أسباب تعرقل نمو اقتصاد ليبيا

ربما تتعدد الأسباب الاقتصادية التي تعرقل النمو الاقتصادي في ليبيا، ولكن يمكن الحديث بشكل خاص عن ثلاثة أسباب فقط يمكن القول إنها هي الأسباب الرئيسية التي تقود نمو اقتصاد البلاد، وهذه الأسباب هي:

الفساد

في أغسطس (آب) الماضي قررت هيئة الرقابة الإدارية التابعة لمجلس النواب الليبي، إيقاف رئيس هيئة مكافحة الفساد وأربعة موظفين آخرين من موظفي الهيئة عن العمل، بعد اكتشاف تجاوزات إدارية ومالية تشير إلى تورطهم في ممارسات فساد.

وهو الأمر الذي يكشف إلى أي مرحلة وصل الفساد في البلاد، التي لم تخرج عن الـ20 دولة الأكثر فسادًا في العالم خلال الأعوام العشرة الماضية، إذ تسبب الفساد في استنزاف أموال الدولة وعدم استفادة مواطنيها من أي تحسن في أسعار النفط أو زيادة الإنتاج.

وتشير تقديرات إلى أن 100 ألف موظف حكومي في ليبيا يعملون في وظيفتين في وقت واحد ويحصلون على أجور من الوظيفتين، إذ تدفع البلاد سنويًا ما يتجاوز 5 مليار دولار رواتب حكومية، وهو الأمر الذي تسبب في تآكل قيمة الاحتياطي النقدي الذي تجاوز الـ150 مليار دولار، قبل أعوام، بينما لم يخل أي قطاع في البلاد من مظاهر الفساد وهو الأمر الذي جعل البلاد تعيش مرحلة فوضى لم تعرفها في تاريخها.

وكان مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية بديوان المحاسبة الليبي قال إن أسباب تأخّر ترتيب ليبيا في مؤشرات الفساد يعود إلى الانقسام السياسي وازدواجية السلطات والصراعات التي تمر بها البلاد، بالإضافة إلى عدم تمكن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالقيام بالمهام المكلفة بها، ناهيك عن ضعف تطبيق الأنظمة والقوانين، وغياب الشفافية والمساءلة بمؤسسات الدولة.

اقتصاد الظل

لا تتوقف المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الليبي عند الصراع المسلح والفساد فقط، ولكن على الجانب الآخر، ينخر الاقتصاد الأسود في كل قطاعات البلاد، فبحسب غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، فإنه لا يمكن حل الصراع الدائر في البلاد دون القضاء على الاقتصاد الأسود و«نهب المال العام»، إذ يقوم هذا النوع على عمليات الاحتيال في العملة والتهريب والابتزاز.

ويعتبر المحللون أن القضاء على اقتصاد الظل أو ما يسمى بالاقتصاد الأسود هو أهم أولويات هذه المرحلة حتى يتحسن الوضع الاقتصادي العام وتستفيد البلاد من زيادة أسعار النفط وارتفاع الإنتاج، فلا يمكن الحديث عن اقتصاد حقيقي في ليبيا في ظل تضخم عمليات التهريب بأنواعها سواء تهريب البشر أو الوقود والسلع المدعمة وكذلك تهريب المخدرات.

ولكن ما يجعل حل هذه المشكلة صعب هو أن الاقتصاد غير الرسمي في ليبيا يقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة التي تملك القوة الحقيقية على الأرض منذ 2011، ولا يبدو أن هذا الأمر قد يتغير قريبًا.

ومؤخرًا كشف رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في البلاد أن خسارة ليبيا من عمليات التهريب المنظم للوقود تصل إلى 750 مليون دولار سنويًا، إذ تهرب سفن ليبية الديزل إلى سفن دولية في البحر، بينما يتم تهريب البنزين عبر حدود ليبيا البرية، وتشير تقديرات المؤسسة إلى أن ما بين 30 و40% من الوقود المكرر في ليبيا أو المستورد من الخارج يتعرض للسرقة أو التهريب.

قد يتخيل البعض أن هذه المنتجات محلية، لذلك يتم تهريبها بسهولة ولكن في الواقع قال ديوان المحاسبة الليبي في فبراير الماضي، إن 80% من المنتجات النفطية بليبيا مستوردة من الخارج، بينما 20% فقط محلية الصنع، بينما يتعرض 30% من جملة هذه المنتجات للتهريب إلى الخارج.

ويأتي هذا التهريب بسبب ارتفاع قيمة الدعم المقدم للوقود، إذ كشف الديون عن أن ليبيا صرفت خلال آخر خمس سنوات نحو 30 مليار دولار لدعم المحروقات، حيث يتم بيع الوقود بأسعار منخفضة جدًا، ويعد سعر لتر البنزين في ليبيا هو الأرخص عربيًا، وهو ما يبرر زيادة تهريبه.

سوء الإدارة وغياب التنسيق

على الجانب الآخر تتصرف كل جهة مسؤولة في البلاد سواء اقتصاديًا أو سياسيًا بشكل منفصل تمامًا وسط غياب التنسيق بين المؤسستين المالية والنقدية، وغيرها من المؤسسات والوزارات، وكذلك المناطق.

وهو الأمر الذي ظهر جليًا في ظل أزمة السيولة الحالية، ولا شك أن جميع الأطراف والمؤسسات السياسية والمالية مسؤولة عن استمرار تدهور الأوضاع بالبلاد وكلما زاد عمر الانقسام سيزيد الوضع سوءًا.

وتمر البلاد منذ أشهر بأسوأ أزمة مالية، ونقص كبير في السيولة وتدهور سعر صرف الدينار، خاصة أن ليبيا يعمل بها حاليًا بنكان مركزيان في شرق وغرب البلاد، كما تتولى شخصيتان منصب محافظ المصرف أحدهما يمارس مهامه من طرابلس، وهو «الصديق الكبير» ويتبع حكومة الوفاق، والثاني في البيضاء وهو «علي الحبري» المنبثق عن مجلس النواب، وهذا الأمر نموذج صارخ يكشف مدى سوء الإدارة وغياب التنسيق بين أهم المؤسسات الاقتصادية في البلاد.

وعلى مدار السنوات الماضية لم تتفق مؤسسات الدولة المالية والنقدية والاقتصادية بشكل أساسي على إجراءات وسياسات إصلاحية جديدة، بل تم ترك المؤسسات المالية في حالة من الصراع على موارد الدولة، كما هو الحال عسكريًا وسياسيًا، وهو الأمر الذي يصعب معه الاستفادة من أي زيادة في الموارد.

___________

مواد ذات علاقة