رد على خربشات عبدالرَّحمن شلقم

بقلم ناصر السنوسي

قرأتُ منشوراً للسّيٍّد عبدالرَّحمن شلقم نشره فِي صفحته الفيسبوك بتاريخ 28 مايو 2018م، تحت سلسلة مِن الخربشات سماها طرائف سياسيّةوالطرفة منها براء!.

وقد احتوى المنشور على إساءة متعمدة للأمير الحسن الرَّضا السّنُوسي – طيّب الله ثراه وإهانة بالغة لليبَيا وكُلِّ الِلّيبيّين، ومَا جاء فيه نسبه لأحمَـد بِن بلّـة أوَّل رؤساء الجزائر بعْد الاستقلال، ومِن سبتمبر 1962م إِلى يونيه 1965م، والقصة المذكورة تخالف الواقع وتنافي المنطق ولا يقبلها العقل، ولا أدري مَا الّذِي دفع شلقم لنشر هكذا أشياء، ومَا غرضه مِن ذلك!!؟؟.

قال شلقم فِي تدوينته المرفوضة والمستهجنة:..”.. أقامت تونس احتفالات كبيرة بمناسبة جلاء القوَّات الفرنسيّة عن قاعدة بنزرت. شارك فِي الاحتفال الرئيسان جمال عبدالناصر وأحمَد بِن بلّة والحسن الرَّضا ولّي عهد ليبَيا.

استقل الزعماء الثلاثة سيارة مكشوفة ومعهم بورقيبة، كان الرئيسان عبدالناصر وبن بلّة طويلي القامة وحسن الرَّضا ليس قصيراً. اختفى بورقيبة القصير بينهم وهتفت الجماهير ناصر بن بلّة.. ناصر بن بلّة، ولم تر بورقيبة. قفز بورقيبة فوق كتفي الحسن الرَّضا وعقد ساقيه حول رقبته فبدا أطول مِن الآخرين وبدأت الجماهير تهتف: بورقيبة.. بورقيبة.

عندما وصل الزعماء إِلى مقر الإقامة، انتحى عبدالناصر جانباً مع الحسن الرَّضا معبراً له عَن أسفه لما حدث مقدراً صبره وحلمه. اتجه إليهما الرئيسان بورقيبة وبن بلّة وانهال بورقيبة بالقُبل على الأمير وهُو يقول: الِلّيبيّون أخوتي وأنا أصلي لّيبيّ. وقال بن بلة الأمير السّنُوسي أصله جزائري. قال عبدالناصر باسماً: ما أظنش أنه جزائري، لو كان جزائرياً لكانت اليوم كارثة

..

قال بورقيبة نحن والليبيون كيف.. كيف. قال عبدالناصر: وإيه دي كمان !!. (روى هذه القصة الرئيس الجزائري الأسبق أحمَد بِن بلّة)..”

وبادئ ذي بدء، فقد علمتنا الحيَاة بأن ليس كُلِّ مَا يُعلم يُقال، وليس كُلِّ مَا يُكتب ينقل ولا كُلِّ مَا يُسمع يُقال، وليس كُلِّ مَا يُروى صحيحاً بالضرورة، وأنا أضيف: “ليس كُلِّ مَا يُنشر يُقرأ، ولا كُلِّ مَا يقرأ يُصدق أو يعاد نُشره“.

وَمِن هُنا، أقول للسّيٍّد عبدالرَّحمن شلقم، هل روى لك السّيِّد أحمَــد بِن بلة بنفسه هذه القصة أو سمعتها مِن غيره !؟.. وهل هذه القصـة مسجلة فِي مقابلة أو مطبوعة أو كتاب؟.

لماذا لم تذكر المصدر بشكل أكثر دقةً وتحديداً، واكتفيت بالقول إنها على لسان أحمَـد بِن بلّـة!؟.

والحقيقة، القصص تروى بغرض التوثيق أو بقصد الاعتبار بها والاتعاظ منها والانتفاع بما فيها مِن دروس وفوائد. وقد يكون الغرض مِن ورائها كسر الرتابة والملل وإدخال البسمة والضحكة إلى القلوب، ودون التهكم والإساءة إِلى أحد أو محاولة اغتيال شخصيته، وذلك بذكر طرفة تحمل فِي جوانبها واقعاً ساخراً يفيض بِالحكمِ والمدلولاتِ.

والقصة الّتي ذكرت سيِّد شلقم لا تتضمن تصويراً مُضحكاً لموقفٍ مَا، وليست غايتها المنشودة هي الضحكة والابتسامة، بالرَّغم مِن العنوان المختار ألا وهُو (طرائف)، بينما مَا نشرت هُو شيء مرفوض ومستهجن ولا صلة له بتاتاً بالطرفة، إنّما هُو أقرب إِلى التطاول والإساءة والإهانة منه إلى أيَّ شيء آخـر.

ولذا، قد أخطأت فِي اختيار العنوان، ووصل الخطأ الّذِي جاء فِي منشورك إِلى درجة الذنب الّذِي لا يغتفر.

وأؤكد أن القصة الواردة فِي «بوستك»، مِن صنع الخيال ولا يمكن أن تكون واقعة حدثت بِالفعلِ.. وتُعد إساءة بالغة للرَّاحل الأمير الحسن الرَّضا السّنُوسي بل إهانة لليبَيا وكُلِّ الِلّيبيّين.

وأكرر أنها ليست طرفةكمَا تظن، حيث إنها لم تضحكني ولا أعتقد أنها أضحكت غيري، بِالإضافةِ إِلى أنها لا تحمل بين ثناياها العبر والحكم والمدلولات، ولا تنم عَن أيَّ دهاء أو سرعة بديهة!.

ولا شكّ يا سيِّد شلقم إنك أهنت ليبَيا بذكرك هذه القصـة المطعون فِي مصداقيتها، لأن إهانة الوفد أو الشخص الّذِي يمثل البلاد فِي مناسبة رسميّـة، هُو إهانة للبلاد قبل أن تكون إهانة لمن أُسيء له أو تعرضوا للإساءة.

وأهنت الليبيّين حينما قلت إن الرئيس جمال عبدالناصر قال:” لو كان جزائرياً لكانت اليوم كارثة، وهذا يعني أن الجزائريين دمهم حامي ولا يرضون بالإهانة، ولكن الِلّيبيّين يمكن أن يرضوا بذلك!؟.

وقد فاتك سّيٍّد شلقم أن تُخضع رواية أحمَد بِن بلّة للفحص والتدقيق لمعرفة صحتها مِن عدمها أو معقوليتها مِن غير ذلك، ولو أنك فعلت ذلك، لما تجرأت على تصديقها ثمَّ نشرها دون أن يندى لك جبين، ورُبّما وضعت نفسك مكان السادة أبناء الأمير الحسن الرَّضا الّذِين عانوا مِن ظلم سيِّدك اثنين وأربعين عاماً، وتذكرت أخلاقهم الأصيلة الرَّاقية الّتي منعتهم – وإِلى الآن – مِن أن يشكوك فِي المحاكم أو يشهروا بك ويعلنوا للملأ أنك مغتصب بيت والدهم بطرابلس.

وقد هالني سّيٍّد شلقم مَا ذكرت، حيث اعتقدت أنك أقلعت عَن أخلاقيات الانقلابيين، وأن انضمامك لفبراير كان بمثابة التوبة النصوحة . ولكن، يبدو أن ظنّي كان فِي غير محله، وأنَّ الشخص الّذِي تربى على شيء أو لديه عادة، فسوف يستمر فِي فعلها وفعل نفس الشيء طوال حياته – ولو بصور مختلفة ولا يستطيع أن يتخلص مِن ماضٍ يعيش بداخله تماماً كالزمار أو ما يُقال عنه، وقد صدق المثل القائل: (مَنْ شبَّ على شيء شاب عليه).

أيعقل سّيٍّد شلقم أن يقفز رجل فِي نهاية الخمسينات مِن العمر أو عمره ستين عاماً، وبقفزة واحدة، وَفِي مكان ضيق جدَّاً كالسيارة المكشوفة ومعه ثلاثة أشخاص، فيأتي فوق كتفي أحدهم ثمَّ يعقد ساقيه حول رقبته، لأجل أن يراه النَّاس فيهتفوا بحياته بدلاً مِن الهتاف بحيَاة غيره!!؟؟.

وفِي الحقيقة، مِن الصعب تصديق أن يقوم بذلك حتَّى شاب وبطل أولمبي فِي الجمباز، فما بالك برجل غير رياضي، وقد وصل مِن العمر ستين عاماً !؟. وقد ذكرتني هذه الفرية بما سمعته مِن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ذات يوم، حيث قالت: “إذا لم يستطع الإنْسَان أن يخترع كذبة مقنعة، فأولى به أن يتمسك بِالصدقِ“.

ومَا يمكن إضافته إِلى هذا السياق، ألا تعلم سيِّد شلقم أن الاحتفال بجلاء القوَّات الفرنسيّة عَن قاعدة بنزرت فِي العَام 1963م، والّذِي نسجت حوله هذه القصة المختلقة، مسجل بالكاميرا المتحركة والصور الموثقة، فأين مَا يثبت روايتك الّتي نسبتها لأحمَـد بِن بلّة، وإن صح أنه قالها فقد كذب،

أمّا تصديقك له وإعادة نشر مَا نسبته له، ينم بما لا يدع مجالاً للشكّ عَن نفسيّة سوداويّة أيدت انقلاباً على عهد حقق الإنجاز وجلَس على كرسيِّه مَلِك صالح، ويؤكد أن أخلاقيات الانقلابيين هي المتربعة بداخلك وما زالت تتحكم فِي سلوكياتك وتصرفاتك وحتَّى خربشاتك المؤذية للنّاس وقد وصل أذاها إِلى سليل الدوحة النبويّة الطاهرة الأمير الحسن الرَّضا السّنُوسي المدفون بمقبرة البقيـع، حيث دُفن العالم الجليل وكبير المجاهدين السّيِّد أحمَد الشّريف السّنُوسي، وموحد ليبَيا وصانع استقلالها المَلِك الصالح إدْريْس السّنُوسي.

وختاماً، الزمان كفيل بإنصاف أصحاب الفضل والسيرة العطرة، وبكشف النوايا، وإظهار الحقائق، وكمَا يقول مثلنا الِلّيبيّ: (ما يعجبك فِي الزمان غير طوله).

وهذا مَا لزم، وإنّ غداً لناظِرِهِ قَرِيبُ.

***
الكاتب: ناصر صلاح منصور صفي الدين السنوسي

______________

المصدر : صفحة الكاتب على الفيسبوك

مواد ذات علاقة