بقلم السنوسي بسيكري

نجح الرئيس إيمانويل ماكرون في جمع الأطراف الليبية على طاولة المفاوضات على الرغم من كون فرنسا تدعم أحد الأطراف الليبية على حساب الآخر، لكن العديد من العقبات ما زالت تواجه مبادرته وهي عقبات لا ترتبط بمواقف الأطراف المتصارعة بل أيضًا المواقف الدولية من المبادرة نفسها.

الجزء الأول

مقدمة 

ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحجر في الماء الليبي الراكد لبعث الحياة في المشهد السياسي بعد جمود أعقب فشل مفاوضات تونس العام 2017. لقد أخفق أطراف النزاع في الوصول إلى توافق في عدة جولات تفاوضية حول النقاط المختلف عليها ضمن اتفاق الصخيرات الذي وُقِّع في ديسمبر/كانون الأول 2015،

وكان من أبرز نقاط الخلاف: تركيبة السلطة التنفيذية ممثلة في المجلس الرئاسي، وموقع خليفة حفتر في المؤسسة العسكرية، وأضيف إليها لاحقًا: الخلاف حول الدستور حيث يصر البرلمان على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن بدون دستور، فيما يصر المجلس الأعلى للدولة على طرح مسودة الدستور التي أعدتها الهيئة المنتخبة للاستفتاء، أو الذهاب إلى انتخابات برلمانية منفردة.

فرنسا ليست ببعيدة عن الأزمة الليبية، وبرغم الجدل حول الدور الفرنسي واتهامها بالانحياز لصالح طرف ضد آخر في الصراع، إلا أنها نجحت في جلب الفرقاء الليبيين إلى طاولة التفاوض. لقد سبق وأن نجح الرئيس الفرنسي في الجمع بين رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، وقائد عام الجيش التابع للبرلمان، خليفة حفتر،

وكان هذا بعد رفض الأخير لقاء الأول في القاهرة قبل أشهر قليلة من اجتماع باريس، من منطلق رفض حفتر لاتفاق الصخيرات واعتبار مخرجات الاتفاق بما في ذلك المجلس الرئاسي غير شرعية.

وفي هذه المرة، يفتخر ماكرون بنجاحه في جمع كل أطراف الأزمة في قاعة واحدة ليتم الإعلان عن جملة من الترتيبات السياسية للخروج من الأزمة الراهنة.

دوافع المبادرة الفرنسية الجديدة 

ليس مستبعدًا أن يكون من بين دوافع باريس في طرح مبادرتها الجديدة لحل الأزمة الليبية محاولة احتواء آثار التدخل الفرنسي في ليبيا عام 2011، بعد أن أصبحت في فوهة المدفع جرَّاء التداعيات الخطيرة التي شهدتها البلاد والتي تصر جمهرة واسعة من المراقبين الغربيين على أنها نتيجة مباشرة للتدخل الخارجي وبالتحديد دور فرنسا والدول الغربية في الصراع الذي وقع في فبراير/شباط 2011.

ولقد تضمن بيان قصر الإليزيه تأكيدًا على أهمية الاجتماع بالنسبة لباريس، وربط البيان بين الأزمة الليبية وتداعياتها وكيف أنها أثَّرت بقوة على أوروبا عبر استفحال الهجرة غير الشرعية وتصاعد موجة الإرهاب(1).

لكن الأهم فيما يبدو أن فرنسا تسعى لإعادة ترتيب البيت الليبي بما يحفظ مصالحها بعد الفوضى التي وقعت عقب تفجر الصراع منتصف 2014 بين عمليتي الكرامة وفجر ليبيا وما قادت إليه من انقسام سياسي وانفلات أمني وتدهور اقتصادي.

فباريس كانت حاضرة في الصراع وقدمت دعمًا لوجستيًّا لعملية الكرامة في حرب بنغازي التي استمرت ما يزيد عن ثلاثة أعوام، واعترفت السلطات الفرنسية بوجود قوة عسكرية في بنغازي تعمل بالتنسيق مع قوات عملية الكرامة وذلك على إثر مقتل أربعة عسكريين فرنسيين في حادث سقوط طائرة حربية في ضواحي بنغازي العام 2016.

فرنسا من أهم الداعمين لجبهة طبرق ولخليفة حفتر، ولأن حفتر من أبرز المرشحين للفوز بالانتخابات الرئاسية، فإن تحريك عجلة الدعوة للانتخابات كما خططت لذلك البعثة الأممية، بعد أن واجه المسار الانتخابي عقبات أبرزها الخلاف حول أسبقية الاستفتاء على الدستور، يصب في خانة المصلحة الفرنسية بلا أدنى شك.

علاوة على ما سبق، فإن العامل الشخصي والبحث عن الكسب السياسي الذاتي يشكِّل دافعًا مهمًّا للرئيس ماكرون، كما أنه يفسر بعض دوافع طرحه المبادرة تلو الأخرى، فالنجاح في احتواء الصراع في ليبيا أو التخفيف من حدته والدفع إلى مرحلة جديدة عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية لابد أنه سيضيف قيمة إلى رصيد الرئيس الفرنسي محليًّا ودوليًّا،

ولتكون الصورة في أذهان الغرب أن ساركوزي ورَّط فرنسا في أزمة ليبيا باندفاعه وتأييده للعملية العسكرية ضد نظام القذافي، فيما نجح ماكرون في إنهاء النزاع واحتواء تداعياته الخطيرة وصحح الصورة السلبية المتعلقة بالدور الفرنسي في ليبيا بين عامي 2011-2018.

المبادرة الفرنسية وسحب البساط من روما 

من الواضح أن الدور الفرنسي في ليبيا يقع في سياق التنافس مع الجارة الأوروبية، إيطاليا، التي وقفت على الجهة المقابلة لتموقع فرنسا في الأزمة الليبية.

فقد أظهرت روما تعاطفًا مع جبهة طرابلس منذ بداية الصراع المسلح بين شركاء الثورة في منتصف 2014، واستقبلت وفودًا من حكومة الإنقاذ التي تشكلت في العاصمة طرابلس بعد الانقسام السياسي، وكان لإيطاليا دور مهم في الحرب ضد تنظيم الدولة في سرت والتي قادتها قوة البنيان المرصوص، وتتعاون بشكل مستمر في تقديم الدعم اللوجستي لحكومة الوفاق ممثلة في المجلس الرئاسي.

تحدثت الصحافة الإيطالية عن استغلال باريس انشغال الساسة الإيطاليين بالأزمة السياسية المحلية والفراغ الحكومي لتمرير مبادرتها الجديدة، وذهبت صحيفة إل جورناليإلى الحد الأقصى باتهام الرئيس الفرنسي بالسعي لـسرقة ثروات ليبيا(2).

ويُفهم من اتهامات الصحافة الإيطالية لماكرون وتخوفات روما من مبادرة باريس أنه حتى لو وقع تغيير في دوائر صناعة القرار الإيطالي فيما يتعلق بالأزمة الليبية واتجهت الحكومة الجديدة إلى تغيير موقفها من أطراف النزاع، فستكون باريس قد استكملت خطتها في ترتيب الوضع في ليبيا لتمسك بمفاتيح اللعبة.

البقية في الجزء الثاني

***

السنوسي بسيكري ـ كاتب وباحث ليبي

_______________

مواد ذات علاقة