بقلم سارة فرولفي وستيليوس يورتشانيد

تظهر سجلات مسربة حديثًا من قبرص كيف استخدم “مسؤول مشتريات” في عهد القذافي شركات خارجية وحسابات مصرفية متعددة لتوجيه وغسل الأموال في الخارج، بعد أن سرق الملايين من حكومة بلاده.

الجزء الثاني

رجل قبرص

بالإضافة إلى فابولون – والتي مازالت تعمل إلى الآن باسمها الجديد “شبكة الأعمال العالمية الدولية – فإن دبيبة ولملوم استخدما شركات قبرصية عديدة لتشغيل أموالهما.

هذه الأعمال تضمنت كلاً من: ميدكون المحدودة، بيرك هولدنغ المحدودة، أولكسو المحدودة، مورهيد المحدودة، وكلها كان لها تحويلات إلى مؤسسة تنمية المراكز الإدارية، أو أخفت الأموال المسروقة، أو الاثنين.

واحدة من هذه الشركات، أولكسو، أدارت عقارات دبيبة، حيث أجّرت عقاراً في بلدة “سوري” البريطانية، بـ3 آلاف استرليني في الشهر، في 2006. ومبنى آخر في ذات البلدة تديره “بيرك هولدينغ” بـ3 آلاف و500 استرليني شهرياً. (هذه العقارات، التي كانت تساوي 2 مليون استرليني في 2014، كانت تملكها شركة مرتبطة بالدبيبة).

المستندات المرتبطة بشركة “أولكسو” قدمت أدلة ثابتة لعلاقات عملية وثيقة بين لملوم ودبيبة، وعبر عمل العملاء القبارصة الذي ساعدوا في كشف “مخطط دبيبة كاملاً”.

في 27 مايو 2004، لملوم وزوجته، والذين كانوا حتى ذلك الوقت مسجلين بأنهما “المالكان المستفيدان” لشركة أولكسو، استشارا شركة قانونية في قبرص، لتحويل 25 ألف سهم يملكانه إلى علي دبيبة أو أي شخص يسميه.

الشركة التي وفرت هذه الاستشارة القانونية كانت “أندرياس نيكولوس وشركاؤه”، وهي واحدة من أكبر شركات الاستشارات والخدمات القانونية في قبرص. وعملاؤها معظمهم من أصحاب الثروات، وتضمن ذلك الثري الروسي ديمتري ريبولوفليف، الذي استثمر أموالاً ضخمة في القطاع المصرفي في البلاد.

أندرياس نيكولوس وشركاؤه، لهم سمعة ملوثة، مؤسسها “أندرياس نيكولوس”، انسحب من الخدمة بعد أن أدين ابنه وشركته العام الماضي برشوة النائب العام القبرصي، ريكوس إروتوكريتو، في قضية فساد كبيرة، غير مرتبطة بقضية دبيبة.

الحادثة هزت المؤسسة السياسية في الجزيرة، والشركة استبدلت بشركة أخرى تسمى “إلياس نيكولوس وشركاؤه”، والتي تحمل اسم ابن “أندرياس” الآخر.

لكن الشركة لم يكن لديها مشكلة في تنفيذ طلب لملوم في 2004، لتحويل 50 ألفاً من أسهم شركة أوليكسو إلى دبيبة كما طلب، ما جعله المستفيد الوحيد من أموال الشركة.

المستندات المسربة تؤكد أن اتصالات لملوم مع “نيكولوس وشركاؤه”، تظهر أنه دفع إلى الشركة من أجل خدماتها، واستلم إيصالات لمستندات تثبت تحويلات مالية.

الشركة تعاملت كذلك مع دبيبة نفسه

مالكا أسهم أوليكسو الاثنين بقيا كما هما [لملوم وزوجته]، لست سنوات بعد نقل الأسهم، ويظهر أن “نيكولوس وشركاؤه” استمرت في تقديم الخدمات للشركة بعد نقل الملكية إلى دبيبة.

نيكولوس وشركاؤه” وشركات أخرى تعاونت في إعطاء أسماء أشخاص يديرون أسهم شركات دبيبة الأخرى في قبرص. الشركات اشتركت مع الشركة القانونية في مقرها في العاصمة “ليماسول” – منزل نيكوليوس – وعنوانها البريدي. وإلى حين تنحي أندرياس نيكولوس، عمل هو نفسه كأحد مديري فابولون.

على الرغم من كل ما ذكر، عندما تحدث المراسل كيرياكي ستينغا، إلى “ضابطة الامتثال” في شركة “إلياس نيكولوس وشركاؤه”، والتي تحدثت بالنيابة عن سلفها، نفت بشدة أي علاقات تربطه بـ “دبيبة”.

ونفت بوضوح إن كانت الشركة قد تعاملت مطلقاً مع دبيبة، كعميل لها، لكنها أوضحت أنها وفرت خدمات لـ “شبكة الأعمال العالمية الدولية” المرتبطة بدبيبة، هذا على الرغم من حقيقة أنه لم يكن فقط على جدول رواتب الشركة، بل كان يستطيع الوصول إلى حساب الشركة في “البنك الهيليني”.

في تصريح تم إرساله عبر البريد الإلكتروني، المحامي أندرياس نيكولوس قال إن شركته القانونية التي أسسها لم تتورط في الأعمال اليومية لشركات عملائها، ولا في نشاطاتهم التجارية.

حيث قال: “لم نكن نتوقع تفاصيل عملياته التجارية، أو شركاءه التجاريين، إن لم يكن هناك قضية قانونية مرتبطة بهم، مثل قضية ديون معقدة”.

وأضاف أندرياس نيكوليوس أنه لا يستطيع التعليق على مسائل محددة متعلقة بعملائه، مشيراً إلى قانون “محامي قبرص” الذي يمنع المحامين من مشاركة المعلومات السرية.

على كل، شدد على أن شركته “تعاملت باحترافية”، وأنه “لم ينم إلى علمه أي شيء يثير الشبهات لأي شخص عاقل بخصوص الشركات وحاملي أسهمها”. يأتي ذلك في وقت لم يكن يطبق فيه مبدأ معرفة الزبائن، على معظم هذه الشركات.

وقال “لم يكن هناك أي مشكلة في إجراءات القبول المقدمة من عملائنا لتمنعنا من التعامل معهم، لو رأينا مشكلة لرفضنا التعامل.

الصديق وقت الضيق

ولا ننسى صديق دبيبة المقرب “أحمد لملوم” فبعد كل ذلك، بالتأكيد لم ينسه دبيبة.

بعد أن قتل القذافي، وأسقط نظامه في 2011، لم يعد ممكناً أن يعمل الرجلان كما فعلاً سابقاً، دبيبة لم يعد في منصبه ليؤمن الاتصالات المربحة. لكن هناك دلائل، في قضية واحدة على الأقل، أن لملوم تمكن من متابعة الصفقات المربحة على حساب الدولة الليبية.

عام 2013 شركة تتبع دبيبة باعت رفوفاً لشركة الاتصالات الليبية بأكثر من 182 ألف يورو بمساعدة وسيط حصل على عمولة بـ10 في المائة من دون أن يشارك في التحويل. وحصل الصحفيون على مراسلة داخلية تكشف حقيقة أن السعر تضخم بشكل كبير من أجل العمولات. ولم تجذب ممتلكات لملوم في قبرص الانتباه.

بعدما توفي لملوم في سبتمبر 2014، سلطات الضرائب القبرصية، استجوبت المسؤولين عن ممتلكاته، محامي شركة أندرياس نيكوليوس كريستوس فيزوفيوس وابن لملوم “سامي لملوم”، لتوضيح أصول 2.6 مليون تم تحويلها عبر حساباته البنكية في بنكين في قبرص بين 2008 و2013

وكتب ضابط الضرائب “تاسوس كونستانتيو إلى المحامي فيزوفيوس و”سامي لملوم”، رسالة في 2015 قال فيها “كمقيم مسجل لدى ضرائب قبرص، فتفرض عليه ضرائب على دخله الدولي”، مضيفاً “دخله الذي يبلغ ما بين 40 إلى 45 ألفاً في العام غير كاف من وجهة نظري لتغطية المصاريف الحياتية المرتفعة لعائلة لملوم وصيانة منزلهم”.

والمنزل محل التساؤلات ربما يقصد به منزل أرملة أحمد لملوم، منيرة قدور، المؤجر من قبل شركات مرتبطة بدبيبة قرب ليماسول. وهذا ما أكدته المصادر التي سربت هذه الوثائق. ويحتوي على 6 غرف نوم، 7 حمامات، غرفة للخدم، مدفأة، سينما منزلية، ساونا، جاكوزي، أرضيات بتدفئة ذاتية، صالة رياضية، بركة سباحة وتشرف على البحر. وفي الوقت الذي أرسل فيه كونستانتينيو رسالته، كانت قيمة المنزل 3.5 مليون يورو.

أين ذهبت الأموال؟

دبيبة ولملوم ربما استغلا النظام المالي في قبرص للحصول على أموال من ليبيا، لكنهما لم ينفقاها فيها.

كما يتضح، عبر شبكة من الشركات الوهمية حول العالم، استثمر الاثنان في العقارات في كندا واسكتلندا ومناطق أخرى في أوروبا.

في كندا أسس دبيبة ولملوم شركتين على الأقل بما في ذلك شركة ويلاندز للتجارة الدولية التي تأسست في ديسمبر 1995 والتي لم تعد نشطة حالياً.

هذه الشركة يبدو أنها كانت وسيلة للثنائي لتحويل الأموال الليبية إلى كندا. ويلاندز التي يرأسها لملوم، ونائبه دبيبة، اقترضت مليون دولار كندي من “ترانس انفو”، وهي شركة أخرى لدبيبة في ليخنشتاين شاركت في تحويلات إلى مؤسسة تنمية المراكز الإدارية.

حقيقة كان يقرض الأموال إلى نفسه، وبعدها يستعملها في العام اللاحق، ليحصل على عقار بقيمة 4.5 مليون دولار كندي في مونتريال.

علي دبيبة وزوجته يملكان شقة في مونتريال تعادل قيمتها 628 ألف دولار كندي في 2017.

(ويلاندز دفعت بطرق أخرى، أيضاً: في 1997 و1998، الشركة أصدرت فواتير لمؤسسة تنمية المراكز الإدارية في مناسبات عديدة لبيع إطارات، معدات طبية، وأثاث مكتبي بأكثر من 2.3 مليون دولار).

أموال الدبيبة وصلت إلى اسكتلندا

. “قلعة تيموث” وهي واحدة من أهم المباني في اسكتلندا، أحد صروح العهد القوطي الجديد، زارته الملكة فيكتوريا ذات مرة.

بنيت القلعة عام 1552 تمتد على مساحة تبلغ 450 آكراً (180 هكتار)، وتحتوي على ملعب غولف يحتوي على 11 حفرة، ويعتبر المبنى أهم قلعة اسكتلندية يملكها شخص، وتظل خالية.

وتحذر لافتة خارج المبنى الزائرين من أن هناك إصلاحات تجري في المبنى، لكن سكان المنطقة يشككون في ذلك.

والقلعة مقصد للزوار الذين يتنزهون حول “شارع تيدي” وقرية كينمور القريبة. لكن بدلاً من الإعجاب بروعتها، يتم رؤيتها كما قال سائح إلى صحفي بأنها “العقار الغامض في قلب مؤامرة غسيل الأموال الليبية.

للأسف، ليست هذه قصة خيالية، فإلى جانب عقارات أخرى في المملكة المتحدة، قلعة تيموث يشتبه في أن تكون ضمن شبكة معقدة من الشركات الاسكتلندية التي يزعم أن دبيبة استعملها لغسل أمواله غير المشروعة.

هذا الادعاء قدمه النائب العام الليبي، وضمنه في طلب سري للمساعدة القانونية أرسل إلى سلطات المملكة المتحدة في 2014.

القلعة ربما تكون ليست الوحيدة آخر حدود إمبراطورية دبيبة في المملكة المتحدة.

وكما نشرت صحيفة “غارديان”، استثمرت الشركات التي يملكها دبيبا وابنه وأخواه في 6 عقارات إنجليزية راقية، تبلغ قيمتها حاليا أكثر من 25 مليون استرليني. وذكرت صحيفة “صندي تايمز” أن علي دبيبة أضاف عقاراً ب3 مليون استرليني في إدنبرة.

فريق استعادة الممتلكات الذي عمل إلى جانب المحققين الليبيين اكتشف أيضاً عقارين ألمانيين في براندنبرغ وبرلين يملكهما آل الدبيبة، قيمتهما غير معروفة.

هذه اللائحة الضخمة من العقارات حول العالم تظهر أن ممتلكات علي دبيبة العقارية لم تصمد فقط عند هروبه من ليبيا، بل واصلت عائلة لملوم الاستفادة منها ماليا عبر علاقتها القوية.

تعليق أم لا تعليق

هذه الكشوفات حول آل دبيبة ولملوم، في قبرص، تأتي في وقت تحاول فيه سلطات الجزيرة تحسين سمعتها الدولية التي شوهتها التقارير حول غسل أموال أثرياء شرق أوروبا. وظهرت هذه الأشياء بعد أكثر من 5 سنوات على موافقة قبرص على اتفاقية إقراض في 2013 مع المفوضية الأوروبية، البنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، تتضمن تقديم تشريعات أكثر صرامة حول غسل الأموال.

MOKAS، وحدة مكافحة غسل الأموال في مكتب النائب العام في قبرص، قالت عبر البريد الإلكتروني إن السلطات القبرصية لا تستطيع كشف معلومات حول نشاطات مشبوهة محتملة تم التبليغ عنها إليهم، أو استقبلوها، من بلدان أخرى، وأضافت “لم تتخذ بعد أي إجراءات” بما في ذلك التنسيق مع الشرطة عندما يكون هناك حوجة إلى ذلك.

متحدث باسم البنك الهيليني، “المقرض” المحلي الذي وضع فيه كل من لملوم ودبيبة حساباتهما الشخصية وحسابات الشركات، قال إنه بينما تمنع سياسة البنك التعليق على تحويلات الزبائن، لكن لم يمنعه ذلك من اتخاذ “الإجراءات المناسبة والضرورية” عندما يكون هناك “أقل اشتباه حول قضايا غسل أموال”.

وأضاف المتحدث أن المقرضين كانوا يتعاونون مع المشرفين والمنظمين لتقليل خطر غسل الأموال.

وقال بنك كريدي سويس الذي كان لـ”لملوم” الأحقية القانونية لتمثيل دبيبة إنه “ملتزم بتسيير أعماله بالتزام صارم بالقوانين النافذة، وحسب القواعد والتشريعات المعمول بها في الأسواق التي يعمل فيها”.

بالإضافة إلى ذلك، أندرياس نيكوليوس قال إن البنك المركزي القبرصي، الذي واجع قضايا الموافقة على استثمارات أجنبية في البلاد قبل أن يصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، قد أجرى “تدقيقاً واستعلاماً مكثفاً” في كل الاستثمارات التي وافق عليها من قبل، بما يتضمن استثمارات دبيبة.

وأضاف، “كان يشترط للموافقة على فئات معينة من الاستثمارات وشراء مبان معينة في ذلك الوقت الحصول على موافقة مجلس الوزراء، ونجحت الشركات في الحصول على هذه الموافقة. علاقاتهم مع الأقسام الحكومية المعنية كانت ممتازة”.

تم التواصل مع آل لملوم عبر البريد الإلكتروني لشركة “الشبكة العالمية للأعمال”، وشركة نيكوليوس القانونية، ولم يعلقوا أو يستجيبوا لطلبات التعليق، كما لم نتمكن من الوصول إلى دبيبة للتعليق على الموضوع.

يعيش أفراد عائلة أحمد لملوم في قبرص إلى اليوم، بينما حاول مراسلون الوصول إلى دبيبة للتعليق على هذه القصة، لكن لم يتمكنوا من ذلك.

_ ______________

مواد ذات علاقة