اعداد : د. محمد عبدالحفيظ الشيخ

تهدف هذه الدراسة الى تسليط الضوء على دور العامل الخارجي في عملية التحول الديمقراطي في ليبيا بعد عام 2011، منطلقين من فكرة مُفادها أن العامل الخارجي وفي مقدمتها تنافس القوى الإقليمية والدولية في ليبيا ساهم في توجيه مسار التحول الديمقراطي بعيداً عن طموحات الشعب الليبي،

الجزء الرابع

ثانيا: الدور الإقليمي

ـ الدور الخليجي

لم يكن التدخل أو التأثير الإقليمي في أحداث التغيير التي عصفت بالمنطقة العربية منسجما أو متماثلا لجملة أسباب تتعلق بطبيعة النظام العربي نفسه، وارتباطاته وعلاقاته مع القوى الدولية، بمعنى أنه كان في بعض مفاصله صدى لسياسات تلك القوى.

ولم يقتصر التدخل الإقليمي الفاعل أو التأثير في مسار التحول الديمقراطي في دول الثورات العربية على المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر فحسب بل امتد وبصورة كبيرة إلى فواعل إقليمية أكثر نفوذا وتأثيرا وتحديدا تركيا وإيران.

من المفارقات العجيبة، أن تقف دول مجلس التعاون الخليجي مع الدول التي ساندت التغيير في البلدان العربية، فهذه الدول التي تعد من أكثر الدول المحافظة والتي لا تعرف من الممارسة والسلوك الديمقراطي شيئا، وتأتي السعودية على رأس قائمة الدول التي تتصدر سنويا قائمة النقد والاستهجان العالمية لانتهاكات ضد حقوق الانسان لمواطنيها، أضحت اليوم من الدول الداعمة للتغيير في المنطقة العربية والتي تنادي بالديمقراطية والحريات وحقوق الانسان.

منذ انطلاق الثورة الليبية في عام 2011، والآلة الإعلامية لبعض الدول الخليجية وتحديدا (السعودية والإمارات وقطر) تمارس تضليلا وتشويها لكل قوى الثورة والداعمين لها، ولم تتردد هذه الدول في التحالف لمحاصرة قوى التغيير في ليبيا، أملا منها في ترجيح كفة طرف على حساب طرف آخر سعيا لتحقيق أجنداتها في إطار التجاذب الكبير، ورغبة منها في السيطرة على الحركات المتشددة، وحرصا على كبح نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، ناهيك عن سعي هذه الأطراف الجامحة إلى تبديد المخاوف الثورية على تخومها، وحشر الربيع العربي في زاوية ضيقة.

وفوق هذا، فقد عزمت هذه الدول وبقوة على التدخل في شؤون ليبيا الداخلية بعد أن تخلصت من نظام القذافي الاستبدادي، بالتنسيق مع بعض النظم الغربية وتحديدا الولايات المتحدة، لتخريب المكتسب الثوري وتشويه صورته.

لم تكتف هذه الدول بالمقاربات الإعلامية والمالية لمواجهة التغيير الثوري في ليبيا فحسب، بل ذهبت أبعد من ذلك بتقديم الدعم والعتاد العسكري في الصراع القائم بين قوى سياسية وعسكرية ليبية لصالح طرف دون آخر، مؤدية إلى مزيد من الإضطرابات العنيفة والفوض السياسية والأمنية.

لا يمكن تفسير جوهر الصراع السياسي والعسكري في ليبيا خارج سياق متغيرات الربيع العربي، إذ تتداخل عوامل كثير في تعقيد الصراع بليبيا، مما يجعل إيجاد حل للأزمة أكثر تعقيدا في ظل مشروع الثورة المضادة التي ترعاه دول عربية وإقليمية مساندة بعض القوى الكبرى لإجهاض الربيع الثوري في المنطقة العربية، حيث بدأت محاولاع الانقلاب على عملية التحول الديمقراطي في إطار الثورة المضادة الشاملة التي يقودهانظام عبدالفتاح السيسي في مصر بالتحالف مع السعودية والإمارات اللتان تعطلان بشكل كبير مسار التحول الديمقراطي في ليبيا،

إذ تعلب الإمارات بشكل خاص دورا فعالا وعلينا في محاربتها للتغيير، وهو ما يؤكده دعمها للواء المتقاعد آنذاك بالجيش الليبي خليفة حفتر عندما أطلق على ما أسماها عملية الكرامةفي بنغازي في 16 مايو 2014، لمحاربة الإرهابيين والتكفيريين،

لقد وجدت هذه العملية دعما كبيرا من قبل مصر والإمارات لتعطيل مسار الثورة الليبية، ورصدت تقارير عدة الدعم المالي واللوجستي والعسكري الذي قدمته كل من السعودية والإمارات العربية ومصر إلى الجيش التابع لحفتر، وأكثر من ذلك، فقد ذهب الدعم إلى حد مشاركة طائرات إماراتية ومصرية في قصف مواقع للقوات المناوئة لحكومة طبرق في العاصمة الليبية طرابلس في أغسطس 2014، ومن جانبها نفت مصر ضلوعها في الغارات، ولم يرد أي تصريح مباشر من الإمارات.

وفيما يتعلق بقضية انتهاك حظر الأسلحة فهناك العديد من التقارير الأممية التي تضمنت كيفية قيام هذه القوى الإقليمية بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على الأطراف الدولية، وكان التقرير الأخير لفريق الخبراء بشأن ليبيا التابع للأمم المتحدة الصادر في 4\6\2017، قد أشار صراحة للإمارات العربية ولقوى إقليمية أخرى لم يذكر اسمها على أنها انتهكت حظر الأسلحة المفروض على ليبيا في إطار دعمها لحلفائهم المحليين من القبائل والميليشيات وهو ما يكرّس الانقسام الحاد بين أطياف المجتمع الليبي.

في المقابل، هناك محوز عربي إقليمي، قطر وتركيا والسودانوجهت إليه اتهامات مباشرة من قبل حكومة عبدالله الثني بدعم عملية فجر ليبيابالأسلحة.

ومنذ انطلاق ثورة 17 شباط\فبراير، كان لدولة قطر موقف واضح وداعم للثورة الليبية بكل ثقة وثقل إعلامي ومادي ممكن، ولعبت قطر دورا كبيرا في تمويل الثوار ومساندتهم ضد القذافي، ودعم المجلس الوطني الإنتقالي، عبر الإعتراف المبكر به. الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أنه تم ربط قطر أيضا بتمويل بعض الجماعات الإسلامية التي أبلت بلاء حسنا في القتال ضد نظام القذافي، ما أثار قلق الحكومة الليبية المؤقتة من تأثير ذلك في استقرار البلاد.

وفي كانون الثاني\يناير 2012 زعمت مجلة التايم أن قطر تتدخل في الشؤون الداخلية الليبية، وتحديدا تلك المتصلة بالأمن القومي. كما تعرضت السودان أيضا لاتهامات مباشرة من حكومة الثني بدعم فجر ليبيا بالأسلحة.

منذ بداية الأحداث في ليبيا كانت المصالح وليست المبادئ هي التي حكمت علاقات تركيا بليبيا، فقد كانت تركيا أكثر تحفظا إزاء التدخلات الخارجية حيث هاجمت خطط حلف شمال الأطلسي بالتدخل العسكري في ليبيا، ووقفت إلى جانب القذافي مدة أطول بكثير من قادة آخرين في الغرب والمنطقة، ويعود ذلك ربما إلى مخاوف تركيا على مصالحها التجارية التي تقدر بـ 20 مليار دولار، ولديها نحو 25 ألف عامل تركي في ليبيا.

لكن الانحراف الذي أخذه الحراك الثوري الليبي منذ التدخل العسكري لحلف الأطلسي انعكس سلبا على السياسة التركية التي أصبحت أكثر تدخلية في شؤون ليبيا إلى درجة الظهور في بعض الحالات كطرف في الصراع.

مجمل القول، لقد تحولت الأزمة الليبية إلى ساحة صراع إقليمي، تداخلت فيها مصالح الدول ومخاوفها وأهدافها. وتحولت بعض الأطراف السياسية الليبية إلى أدوارت تحت سيطرة دول عربية وإقليمية، كما تحولت المجموعة المسلحة إلى ألوية تابعة لنفس الدول أو بعض التنظيمات المتطرفة، بحيث باتت أي دولة إقليمية تحاول عرقلة المسار السياسي من خلال التصعيد الميداني العسكري، إذا شعرت بأنه هذا المسار سيكون على حساب نفوذها ومصالحا، وفي ذلك كله كان الشعب الليبي هو من يدفع الثمن الباهظ.

البقية في الجزء الخامس

***

د. محمد عبدالحفيظ الشيخ ـ رئيس قسم العلوم السياسية، كلية إدارة الأعمال، جامعة الجفرة ـــ ليبيا

***

مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد العاشر ” أغسطس – آب ” سنة “2018” وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي المانيابرلين. تُعنى المجلة في الدراسات والبحوث والأوراق البحثية عمومًا في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية،والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.

____________

مواد ذات علاقة