بقلم ليزا واتانابي

لأسباب ليست بغريبة، تركز الاهتمام على الجماعات الجهادية في ليبيا . ومع ذلك، تدعي ليزا واتانابي أن اللاعبين الإسلاميين الآخرين يستحقون مزيدًا من المراقبة نظرًا للدور الذي يمكنهم أن يضطلعوا به في تشكيل مستقبل هذه الدول.

وللمساعدة في معالجة هذه الفجوة، تطرقت واتانابي في عملها إلى:

1) جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، التي قطعت شوطا كبيرا في قبول القواعد والمبادئ الديمقراطية.

 2) المزيد من الجهات الفاعلة السلفية المحافظة، مثل الجهاديين السابقين.

 3) السلفيون في حالة الركود، الذين يتجنبون عادة المشاركة في الساحة السياسية ويرفضون المقاومة المسلحة ضد الأنظمة الإسلامية السنية، وأكثر من ذلك.

الجزء الثاني

الإسلاموية في ليبيا

خلال الانتفاضة وبعدها، عادت الجهات الإسلامية إلى الظهور في ليبيا، حيث لعبت أدوارًا مهمة على الصعيد السياسي والعسكري. وقد أدى اندلاع الحرب الأهلية في البلاد في منتصف سنة 2014 إلى اندماجهم في ائتلاف فجر ليبيا، باستثناء المدخليين، الذين انضموا إلى أطراف متنازعة في الصراع. وقد أدى انهيار تحالف فجر ليبيا، على خلفية العملية السياسية للأمم المتحدة، إلى تعميق فجوة الانقسامات بين الإسلاميين.

التيار الرئيسي للإسلاميين (الإخوان المسلمون)

الخلفية والأهداف

وطأ الإخوان المسلمون الأراضي الليبية للمرة الأولى سنة 1949، عندما فر ثلاثة أعضاء تابعين للجماعة من مصر إلى ليبيا عقب اتهامهم بالتورط في اغتيال رئيس الوزراء المصري السابق محمود النقراشي باشا سنة 1948. وقد تبعهم علماء الدين المنتمون للجماعة، ثم سار على خطاهم بعض الأعضاء المنخرطين ضمن إلى الإخوان المسلمين في مصر، والذين التجئوا إلى الدولة المجاورة عقب الانقلاب الذي قادته حركة الضباط الأحرار سنة 1952 في مصر.

عملت هذه المجموعة الصغيرة، المؤلفة من أفراد يمتلكون توجهات متماثلة، على نشر أفكار الإخوان المسلمين في ليبيا. وأدت خيبة الأمل إزاء القومية العربية عقب هزيمة العرب في حربهم مع إسرائيل سنة 1967 إلى توليد اهتمام كافٍ بالإسلاموية داخل ليبيا لتأسيس عدة فروع للإخوان المسلمين في مدينتي طرابلس وبنغازي سنة 1968.

وبمجرد وصول القذافي إلى السلطة سنة 1969، تم حظر الحركة من قبل الحكومة الجديدة، في حين فر العديد من أعضائها إلى الخارج .

في أعقاب الثورة الإيرانية سنة 1979، أصبحت المجتمعات المسلمة في الغرب مهتمة بشكل متزايد بالإسلاموية، وهو ما أدى إلى إحياء جماعة الإخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي. نتيجة لذلك، أنشأ الليبيون الذين يعيشون ويدرسون في الولايات المتحدة فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين وأطلقوا عليه اسم “الجماعة الإسلامية.

وعاد بعض أعضاء الجماعة إلى ليبيا في أوائل الثمانينات وعملوا على إعادة تشكيل أسس الحركة من جديد على المستوى الداخلي، إلا أن ذلك تسبب في إعدام وسجن بعضهم. وعلى الرغم من القمع الذي مارسه النظام خلال الثمانينات والتسعينات، تابعت الحركة العمل بصفة سرية، حيث تعزز نفوذها من خلال ترويج قطر لجماعة الإخوان المسلمين من خلال قناة الجزيرة والمواقع المشهورة التابعة للجماعة على الإنترنت، التي كان أغلبها مرتبطاً برجل الدين البارز يوسف القرضاوي ، المقيم في قطر.

في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تغير موقف الحركة من النظام نتيجة لمبادرات الإصلاح التي قادها سيف القذافي، والتي كانت تهدف إلى تحييد قوى المعارضة في ليبيا من خلال اعتماد سياسة الخيار المشترك.

بناءً على ذلك، طرحت الحكومة الليبية مقترحاً يقضي بوضع أسس المصالحة مع الإسلاميين، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، مقابل اعترافهم بالنظام ونبذ العنف ومراجعة أهدافها بشكل رسمي.

من جهتهم، قبل الإخوان المسلمون النظر في مقترح نجل القذافي، وهو ما أدى إلى استبدال المعارضة النشطة لنظام القذافي بتعاون ضمني معه، وهو ما تضمن إشادتهم بجهود الإصلاح التي يقوم بها سيف . وعلى الرغم من المصالحة بين الحركة والنظام، إلا أن وجودها داخل ليبيا ظل محدودا .

عندما نشبت الثورة الليبية، وقع تشتيت قادة حركة الإخوان المسلمون، حيث اختار بعض كبار الشخصيات المكوث في ليبيا، في حين ارتأى العديد منهم مغادرة البلاد. واجتمع القادة الذين فروا خارج البلاد في مركز ثقافي إسلامي في مدينة زيوريخ السويسرية يومي 30 و31 كانون الثاني/ يناير من سنة 2011، وذلك لمناقشة حيثيات “يوم الغضب” الذي كان مقرراً في وقت لاحق، حيث تم التخطيط لعقده في السابع عشر من شهر شباط/ فبراير على أمل أن يسير المواطنون الليبيون على خطى نظرائهم التونسيين والمصريين وينادوا برحيل القذافي. وعندما تسارعت وتيرة الاحتجاجات، التقى قادة الحركة في سويسرا في 19 شباط/ فبراير، ليتوصل الجميع إلى استنتاج مفاده ضرورة الوقوف إلى جانب المحتجين .

بعد ذلك، أمرت قيادة الإخوان المسلمين أعضاءها المتمركزين في الخارج إلى تجهيز أنفسهم للعودة إلى ليبيا. وتلقى الأعضاء الآخرون الذين بقوا في ليبيا تعليمات بالمشاركة في الانتفاضة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. وبشكل ملحوظ، ساهمت الحركة في دعم إنشاء المجلس الوطني الانتقالي لتمثيل القوى الثورية، التي ستحكم ليبيا في الفترة الانتقالية مباشرة، سياسياً. وفي الوقت ذاته، سعت إلى تعزيز وجودها المحلي المحدود، من خلال تنظيم وتوزيع المساعدات وإنشاء المنابر الإعلامية الموالية لها.

بعد مقتل القذافي في تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2011، عادت شخصيات بارزة من جماعة الإخوان المسلمين إلى ليبيا، وتوجهت الحركة نحو إنشاء هيكل تنظيمي لتعزيز وجودها على المستوى المحلي. وانتخبت الجماعة بشير الكبتي مسؤولا عاما في ليبيا. وقد عاد الكبتي إلى ليبيا خلال الانتفاضة بعد قضاء 33 سنة في المنفى في الولايات المتحدة الأمريكية.

في وقت لاحق، عين مجلس الشورى التابع للحركة، اللجنة الاستشارية، نائبين للمراقبين العامين وأميناً عاما، وأنشأ لجنة تنفيذية وعددا من الإدارات الأخرى .

بعد مضي عدة أشهر، في آذار/ مارس من سنة 2012، أعلنت الجماعة عن إنشاء حزب العدالة والبناء، وتم تعيين محمد صوان، الذي كان مسجوناً أثناء فترة حكم القذافي واضطلع بمنصب رئيس مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين في السابق، رئيساً للحزب.

وعملت الحركة على تقديم الحزب على أنه مستقل عنها تنظيمياً ومفتوح لكل من يرغب في الانضمام إليه، كما أعلن الحزب نفسه عن أنه سيعتمد الشريعة الإسلامية مصدرا وحيدا للتشريع.

ومع ذلك، أفاد الحزب أن الدولة يجب أن تظل مدنية، مما يوحي ببوادر الفصل بين الدين والدولة. وقد يكون هذا الغموض ناجماً عن رغبة الحزب في كسب قدر من القبول على المستويين المحلي والدولي، بينما يعمل في الوقت ذاته على استقطاب قاعدة دعم محلية محافظة .

التحالفات وطنيا

منذ بداية فترة ما بعد الثورة، حظي الإخوان المسلمون بدعم عضو الإخوان السابق ورجل الدين النافذ، علي الصلابي. وفي البداية، شاركت الحركة في التجمع الوطني الذي قاده الصلابي، والذي سعى إلى جمع الإسلاميين تحت لواء حركة شاملة ذات توجه قومي ذو مرجعية إسلامية.

ومع ذلك، أدت الاختلافات الداخلية إلى انسحاب الإخوان من التجمّع الوطني، وهو ما سمح لها بأن تنأى بنفسها عن الجهاديين داخل التجمع، ولا سيما الأعضاء السابقين للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا‎ ، التي كان ينظر إليها على أنها مهمة لكي تحظى الحركة بالقبول على المستويين الدولي والمحلي .

خلال الفترة الانتقالية الأولية، كان الإخوان المسلمون يمتلكون ممثلين داخل المجلس الوطني الانتقالي، الذي اضطلع بتسيير شؤون البلاد قبل إجراء الانتخابات في سنة 2012. وبين غياهب هذا المجلس، توصل الإخوان المسلمون إلى إيجاد قضية مشتركة بينهم وبين الأعضاء الآخرين الذين يعتقدون أن تعاليم الدين الإسلامي يجب أن تكون المصدر الأول للتشريع.

ومن بين هؤلاء الحلفاء الجدد يمكن تبين العديد من الأسماء البارزة، على غرار علي العيساوي، نائب رئيس اللجنة التنفيذية للمجلس الوطني الانتقالي، وجلال الدغيلي، وزير الدفاع داخل المجلس، فضلا عن أنور الفيتوري، الذي كان مسؤولا عن قطاع النقل والاتصالات.

لم يحظ حزب العدالة والبناء بأكبر عدد من المقاعد داخل أول برلمان ليبي، الذي يعرف باسم المؤتمر الوطني العام، إلا أن ذلك لم يمنعه من ممارسة نفوذ كبير على المسار التشريعي. وقد تجلى ذلك من خلال تشكيل التحالفات مع النواب المستقلين، خاصة أولئك التابعين لكتلة الوفاء لدماء الشهداء السلفية، والتي كان يقودها النائب الوحيد الذي سبق له الانتماء للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، عبد الوهاب محمد قايد، عن حزب الأمة الوسط الليبي، فضلا عن سكان مصراتة الذين كانوا مؤيدين لمحمد صوان .

عندما ظهر انشقاق في صلب المؤتمر الوطني العام، الذي تحول إلى حرب أهلية في منتصف سنة 2014، انضم حزب العدالة والبناء إلى السلفيين الموالين لكتلة الوفاء لدماء الشهداء ونواب المؤتمر الوطني العام، الذين كانوا يمثلون التجمعات والقبائل التي لعبت دوراً مهماً أثناء الثورة.

وتمكنت جميع الأطراف المجتمعة من تكوين تحالف فجر ليبيا، وتضمنت الكتائب العسكرية التي دعمت هذا الائتلاف السياسي الفضفاض قوات درع ليبيا في غرب البلاد، والتي تتألف بشكل رئيسي من كتائب مصراتة.

بهدف التصدي لعملية الكرامة التي أطلقها حفتر في شرق ليبيا، قامت الكتائب المتحالفة مع الإخوان المسلمين، بما في ذلك كتيبة شهداء 17 فبراير، وكتيبة راف الله السحاتي، التي تم تأسيسها على يد قدماء الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا وشقيق علي الصلابي، إسماعيل الصلابي، جنباً إلى جنب مع تنظيم أنصار الشريعة، وذلك لتشكيل ائتلاف يدعى “مجلس شورى ثوار بنغازي”، ترأسه القائد البارز في جماعة الإخوان، وسام بن حميد.

التحالفات دوليا

بدا أن حزب العدالة والبناء يمتلك صلات متعددة مع أحزاب إسلامية أخرى، على غرار حزب حركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في تركيا. ومن جهتها، تمتلك حركة الإخوان المسلمين في ليبيا علاقات متعددة مع فروع الحركة في البلدان الأخرى، حيث تمتعت بصلات تاريخية وطيدة مع حركة الإخوان في مصر. نتيجة لذلك، ولدت هذه الروابط الدولية، خاصة تلك التي تجمعها بالإخوان في مصر، دعاية سلبية لحزب العدالة والبناء، وهو ما انعكس على نتائج الانتخابات البرلمانية لسنة 2012.

ودفع هذا الأمر هذه الحركة إلى التقليل من شأن علاقاتها مع غيرها من حركات الإخوان المسلمين والادعاء بأن علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية هي أيديولوجية بحتة .

وفي الواقع، شهدت الاجتماعات الداخلية بين الإخوان المسلمين الليبيين عدة محادثات حول ما إذا كان ينبغي للحركة أن تفصل نفسها عن نظيراتها خارج حدود البلاد.

أفادت العديد من التقارير أن منظمة الإخوان المسلمين مقربة من الجهات الفاعلة في قطر وتركيا. ومن المعروف أن العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين الليبية، علي الصلابي، يتمتع بعلاقات قوية مع العائلة المالكة القطرية، فضلا عن صلاته الوطيدة بيوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يقطن في قطر في الوقت الحالي.

وذهبت تقارير أخرى للقول إن الصلابي عمل على توجيه المساعدات القطرية نحو الكتائب المسلحة في ليبيا خلال الثورة، على غرار كتائب مصراتة التي تنشط تحت راية الإخوان المسلمين وكتيبة شهداء 17 فبراير. وأفادت بعض الأنباء أن تركيا قدمت الدعم لهذه الكتائب، كما يُزعم أن الدعم التركي والقطري استمر خلال الحرب الأهلية .

البقية في الجزء الثالث

***

ليزا واتانابي ـ كبير البحاث بقسم الدراسات الإنسانية، والاجتماعية والسياسية، معهد الدراسات الأمنية بزيورخ. تختص بقضايا شمال أفريقيا والمتوسط الأوروبي

***

ترجمت هذه الدراسة ونشرت بموقع ليبيا الخبربعنوان الجهات الاسلامية: ليبيا وتونسعن الأصل التي نشرها مركز الدراسات الأمنية، خلال شهر حزيران/ يونيو 2018. ونعيد نشر الجزء المتعلق بليبيا فقط

_________________

موقع الدراسات الأمنية

مواد ذات علاقة