بقلم ليزا واتانابي

لأسباب ليست بغريبة، تركز الاهتمام على الجماعات الجهادية في ليبيا . ومع ذلك، تدعي ليزا واتانابي أن اللاعبين الإسلاميين الآخرين يستحقون مزيدًا من المراقبة نظرًا للدور الذي يمكنهم أن يضطلعوا به في تشكيل مستقبل هذه الدول.

وللمساعدة في معالجة هذه الفجوة، تطرقت واتانابي في عملها إلى:

1) جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، التي قطعت شوطا كبيرا في قبول القواعد والمبادئ الديمقراطية.

 2) المزيد من الجهات الفاعلة السلفية المحافظة، مثل الجهاديين السابقين.

 3) السلفيون في حالة الركود، الذين يتجنبون عادة المشاركة في الساحة السياسية ويرفضون المقاومة المسلحة ضد الأنظمة الإسلامية السنية، وأكثر من ذلك.

الجزء الثالث

محاور النفوذ على المستوى الوطني

بسبب حملات النظام المتعاقبة على منظمة الإخوان المسلمين، لم يتمكن قادة المنظمة من بناء قاعدة دعم واسعة خلال فترة حكم القذافي، وهو ما دفعهم للمبادرة بالعمل على ذلك طوال فترة الثورة وخلال الفترة الانتقالية المبكرة، بغية تعزيز صلاتهم في ليبيا.

وفي سنة 2011، أنشأ الإخوان المسلمون منظمة خيرية تدعى نداء الخير، وهي جمعية تعنى بتوزيع المساعدات القادمة من دول الخليج بالتنسيق مع عدد من المنظمات الخيرية في ليبيا. وساهمت هذه المنظمة في توسعة القاعدة الجماهيرية للإخوان المسلمين في البلاد، كما ساعدت الروابط التي شكلتها مع المؤسسات الخيرية المحلية على زيادة أهمية الحركة في البلاد.

علاوة على ذلك، أسست الجماعة عدة وسائل إعلامية، على غرار قنوات شباب ليبيا و أسد ليبيا ، لنشر رسالتها بين صفوف الشعب الليبي.

عندما أصبح المجلس الوطني الانتقالي الجهة الحاكمة في ليبيا، تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من تعزيز نفوذها داخله بشكل كبير، حيث كانت حوالي خُمس مقاعد المجلس خاضعة لسيطرة أعضاء الجماعة.

ويشمل هذا القسم الكبير من المجلس الانتقالي الليبي عددا من المقاعد الحكومية بموجب سياسة اللجان التنفيذية، التي كانت بمثابة الوزارات، والتي أشرف عليها عبد الرحيم الكيب. وشهدت هذه اللجان وجود الأستاذ السابق في جامعة بنغازي، عبد الله شامية، وتم تعيينه وزيراً للاقتصاد، وذلك بعد أن قضى سنوات طوال في السجن خلال فترة حكم القذافي.

بالإضافة إلى ذلك، شغل سالم الشيخي، الذي كان منفياً في بريطانيا، منصب وزير الشؤون الدينية .

مثّل حضور ممثلي جماعة الإخوان المسلمين داخل المجلس الوطني الانتقالي طريقة للتأثير على التطورات في البلاد بطرق من شأنها أن تساعد على تعزيز قوة الحركة في المؤسسات العامة الناشئة في ليبيا، لا سيما تلك المتعلقة بالأمن.

واستغلت جماعة الإخوان حضورها في المجلس الوطني الانتقالي للدفع بقوة لإنشاء هياكل أمنية موازية يمكن من خلالها دمج الألوية المرتبطة بالإخوان في المؤسسات الأمنية في البلاد.

من جهته، ساعد عبد الرزاق العرادي، وهو عضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الوطني الانتقالي، في إنشاء اللجنة الأمنية العليا، التي تم اعتبارها في الأصل بمثابة قوة شرطة موازية تتكون من أعضاء الكتائب المسلحة.

واقتصرت مهام اللجنة في البداية على تنظيم الأمن في مدينة طرابلس، لتتوسع بعد ذلك إلى مدن أخرى. وكانت اللجنة الأمنية تنشط تحت إشراف وزارة الداخلية، لكن الواقع مختلف، حيث أشرف عمر الخضراوي، عضو جماعة الإخوان، وكيلاً وزير الداخلية الليبي، كما يضم الجهاز القيادي للوزارة الكثير من أعضاء الجماعة، مثل فوزي ونيس القذافي، نائب رئيس اللجنة الأمنية العليا في بنغازي .

كما كان هناك هيكل أمني ​آخر موازي أقيم في ظل المجلس الوطني الانتقالي وهو درع ليبيا، الذي تم التسويق له على أنه جيش احتياطي. لقد ضم كتائب قوية، أغلبها مقربة من جماعة الإخوان المسلمين. وقد شكلت كتائب مصراتة، الموالية للإخوان المسلمين، العمود الفقري لقوة الدرع المركزية وقادت قوة درع ليبيا الغربية.

وضمت قوة درع ليبيا الشرقية عناصر من كتيبة شهداء 17 فبراير وكتيبة راف الله السحاتي، وكلتاهما لها صلات قوية بالإخوان المسلمين.

خلال هذه الفترة، عمل الإخوان المسلمون أيضًا على زيادة نفوذهم في المجالس المحلية التي تم إنشاؤها لتشرف على المدن المحررة أثناء الانتفاضة. فهيمنت الحركة على المجلس العسكري في طرابلس، وهو مجموعة من الكتائب التي استولت على طرابلس من قبضة القوات الموالية للقذافي، فضلا عن المجلس المحلي ببنغازي.

كما كان لها تأثير كبير على مجلس مصراتة المحلي . بالإضافة إلى أن إنشاء دار الإفتاء (المغلقة الآن)، وهي السلطة الدينية المسؤولة عن تفسير الشريعة الإسلامية، أدى في الوقت ذاته إلى تعزيز نفوذ الإخوان المسلمين. كما ورد أن أحد أبرز علماء الدين ورئيس هذه الهيئة، الصادق الغرياني، على صلة بهذه الجماعة .

على الرغم من أن حزب العدالة والبناء لم يفز بتعددية في الانتخابات البرلمانية لسنة 2012، إلا أنه شغل خمسة مناصب وزارية في أول حكومة للمؤتمر الوطني العام تحت إشراف علي زيدان، بما في ذلك الحقائب المتعلقة بالنفط والكهرباء والإسكان والاقتصاد والرياضة، بالإضافة إلى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء.

في كانون الثاني/ يناير سنة 2014، استقال هؤلاء الوزراء من الحكومة في محاولة لإضعاف زيدان، الذي كان ضمن تحالف القوى الوطنية. بعد نجاحه في إجبار زيدان رحيل، وجد حزب العدالة والبناء في النهاية رئيس وزراء أكثر ملاءمة في أحمد معيتيق، حليف الإخوان المسلمين، الذي تم تعيينه في أيار/ مايو من سنة 2014 .

لم يكن الحزب قادراً فقط على ممارسة نفوذه على حكومة أحمد معيتيق، بل كان قادراً أيضاً على السيطرة على المؤتمر الوطني العام نتيجة للتحالفات التي بناها مع المستقلين، والتي أثبتت أنها أكثر تماسكاً من تلك التي يتمتع بها غير الإسلاميين في المؤتمر الوطني العام، ما منح حزب العدالة والبناء نفوذا أكبر في الهيئة الإدارية.

في شهر أيار/ مايو من سنة 2013، تمكن حزب العدالة والبناء وحلفاؤه من تمرير قانون العزل السياسي، الذي منع المسؤولين المنتمين إلى عهد القذافي من المشاركة في الشؤون السياسية لمدة 10 سنوات. وقد أضعف هذا التشريع خصمهم، أي تحالف القوى الوطنية ذو الميول القومية، بإجبار عدد من نوابه على الاستقالة .

عندما انتهت ولاية المؤتمر الوطني العام في منتصف سنة 2014، وعقدت انتخابات جديدة لانتخاب مجلس النواب خلفا له، فاز حزب العدالة والبناء بمقاعد أقل من تلك التي حصدها في سنة 2012. وخوفا من رد فعل عنيف قد يستهدف الإسلاميين، رفض الحزب وحلفاؤه التنازل عن السلطة لصالح مجلس النواب ومواصلة عقد جلسات ضمن المؤتمر الوطني العام.

في سياق الحرب الأهلية التي تلت ذلك، انحازت الكتائب التي كانت لها صلات بجماعتي الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء، للمؤتمر الوطني العام.

هذه الكتائب بما فيها كتائب مصراتة التي شكلت الجزء الأكبر من قوات درع ليبيا، ودرع ليبيا الشرقية كجزء من مجموعة رئيسية، تنضوي تحت لواء ما يسمى بمجلس شورى ثوار بنغازي، الذي يضم أيضًا كتيبة شهداء 17 فبراير وكتيبة راف الله السحاتي اللتين تربطهما صلة بالإخوان المسلمين.

تعد غرفة عمليات ثوار ليبيا، التي تم إنشاؤها في سنة 2013 من قبل المؤتمر الوطني العام لتفعيل وظائف القانون والنظام في طرابلس وفي وقت لاحق في بنغازي، قريبة هي الأخرى من جماعة الإخوان المسلمين، وانضمت أيضًا إلى تحالف فجر ليبيا .

على الرغم من أن الإخوان المسلمين فقدوا الكثير من نفوذهم منذ ذلك الحين، إلا أن العملية السياسية للأمم المتحدة التي أدت إلى الاتفاق السياسي الليبي قد وفرت لها فرصة لاستمرار نفوذها في العديد من الهيئات الإدارية المنشأة بموجب الاتفاق.

ويضم المجلس الأعلى للدولة، الذي يعمل على اعتباره هيئة استشارية لحكومة الوفاق الوطني، بعض السياسيين في حزب العدالة والبناء، بالنظر إلى أنه يتكون من مجموعة من السياسيين الذين تم انتخابهم ضمن المؤتمر الوطني العام في سنة 2012.

ويعد الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، أيضا عضوا في حزب العدالة والبناء.

في الأثناء يشعر السياسيون في مجلس النواب بعدم الارتياح إزاء نفوذ الإسلاميين في المجلس الأعلى للدولة، الأمر الذي أدى إلى مناقشات حول تركيبته، وكان لها تداعيات واضحة.

تتمتع جماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء حاليًا بحلفاء داخل مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك أحمد معيتيق، الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي، وعبد السلام كاجمان، العضو في هذا المجلس.

ومن المرجح أن يؤدي التغلب على الجمود الحالي في العملية السياسية في الأمم المتحدة إلى تعديلات على الاتفاق السياسي الليبي. ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى تخفيض عدد أعضاء مجلس الرئاسة من تسعة إلى ثلاثة أشخاص فقط، الأمر الذي يعني، على الأرجح، أنه سيكون هناك في المستقبل عدد أقل من الأعضاء الذين قد تتداخل أجنداتهم مع جماعة الإخوان المسلمين.

على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين لا تسيطر على أي كتائب في حد ذاتها، إلا أن تأثيرها يمكن تعزيزه أيضًا من خلال صلاتها بالكتائب التي تتمتع بنفوذ لدى حكومة الوفاق الوطني.

وينطبق الأمر بشكل خاص على كتائب مصراتة التي شكلت معظم قوات درع ليبيا. وفي حين أن هذه الكتائب لا تضم عددا كبيرا من أعضاء الإخوان المسلمين، إلا أنه على الأغلب سيكونون متعاطفين مع الحركة بسبب تحالفهم معها في إطار ائتلاف فجر ليبيا .

ومنذ ذلك الوقت، حاربت هذه الكتائب تحت راية حكومة الوفاق الوطني من أجل طرد تنظيم الدولة من مدينة سرت في سنة 2016، وما زالوا للآن موالين لتلك الحكومة.

لا يزال يتعين تحديد هيكل قوات الأمن المستقبلية في ليبيا، فمن الممكن دمج هذه الكتائب في جيش ليبي موحّد في المستقبل، نظراً لأهميتها وكوسيلة لتحفيزهم على حلّ بعض المسائل العالقة.

في حال تحقق هذا الأمر، فقد يوفر ذلك للإخوان المسلمين الدعم من داخل الهياكل الأمنية المستقبلية في ليبيا.

في طرابلس، تمتلك جماعة الإخوان المسلمين أيضاً زخما من خلال روابطها مع المجلس العسكري طرابلس. أما في الشرق، فقد منحتها روابطها مع مجلس شورى ثوار بنغازي بعض التأثير على الأرض ، على الرغم من أن المجلس قد دمر إلى حد كبير.

محاور النفوذ على المستوى الدولي

استفاد الملف الدولي لحزب العدالة والبناء من التغطية الإيجابية التي حظي بها من خلال قناة الجزيرة. في سياق الحرب الأهلية، كان هناك كتائب لها صلات بجماعة الإخوان المسلمين، مثل قوات درع ليبيا سابقا وغرفة عمليات ثوار ليبيا.

لقد مكن دعم الأمم المتحدة لحكومة الوفاق الوطني، التي يدعمها غالبية المجتمع الدولي، في الحفاظ على أهميتها السياسية على المستوى الدولي. كما حظي شركاؤها في قوات درع ليبيا سابقا بتغطية إعلامية إيجابية وإطراء دولي للدور الذي لعبوه في القتال الذي قادته الأمم المتحدة ضد تنظيم الدولة . وقد يرفع هذا من الأصوات الداعية إلى دمجهم في الجيش الليبي المستقبلي.

البقية في الجزء الرابع

***

ليزا واتانابي ـ كبير البحاث بقسم الدراسات الإنسانية، والاجتماعية والسياسية، معهد الدراسات الأمنية بزيورخ. تختص بقضايا شمال أفريقيا والمتوسط الأوروبي

***

ترجمت هذه الدراسة ونشرت بموقع ليبيا الخبربعنوان الجهات الاسلامية: ليبيا وتونسعن الأصل التي نشرها مركز الدراسات الأمنية، خلال شهر حزيران/ يونيو 2018. ونعيد نشر الجزء المتعلق بليبيا فقط

_________________

مواد ذات علاقة