بقلم ليزا واتانابي

لأسباب ليست بغريبة، تركز الاهتمام على الجماعات الجهادية في ليبيا . ومع ذلك، تدعي ليزا واتانابي أن اللاعبين الإسلاميين الآخرين يستحقون مزيدًا من المراقبة نظرًا للدور الذي يمكنهم أن يضطلعوا به في تشكيل مستقبل هذه الدول.

وللمساعدة في معالجة هذه الفجوة، تطرقت واتانابي في عملها إلى:

1) جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، التي قطعت شوطا كبيرا في قبول القواعد والمبادئ الديمقراطية.

 2) المزيد من الجهات الفاعلة السلفية المحافظة، مثل الجهاديين السابقين.

 3) السلفيون في حالة الركود، الذين يتجنبون عادة المشاركة في الساحة السياسية ويرفضون المقاومة المسلحة ضد الأنظمة الإسلامية السنية، وأكثر من ذلك.

الجزء السادس

الأحزاب السلفية (حزب الوطن وحزب الأمة الوسط)

الخلفية والأهداف

كما هو واضح، فإن هؤلاء المقاتلين القدامى في الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، الذين دخلوا الساحة السياسية في أعقاب سقوط نظام القذافي، قد انشقوا إلى حزبين سياسيين رئيسيين، أحدهما أكثر اعتدالا من الآخر.

وكما ذكر آنفا، استقال بلحاج، الزعيم السابق للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، من المجلس العسكري للثوار في طرابلس من أجل المشاركة في الانتخابات البرلمانية سنة 2012 كمرشح لحزب الوطن الذي قام بتأسيسه.

ويتألف الحزب الأول من مجموعة واسعة من الشخصيات، بعضها ليس متطرفا إسلاميًا، حيث نجد رجال أعمال وأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين وبعض الليبيين الليبراليين، الذين شاركوا في أنشطة المجتمع المدني خلال فترة الانتفاضة .

وعلى عكس تركيبة أعضائه المتنوعة، يقدم حزب الوطن نفسه كحزب سياسي يملك قاعدة واسعة ذات مرجعية إسلامية، وبناء على ذلك، يقول الحزب إنه يقبل بالدولة المدنية، وأنه لن يعتمد تعاليم الدين الإسلامي في تشريع القوانين.

أما الحزب الثاني، ألا وهو حزب الأمة الوسط، فكان أكثر تحفظا من الأول. وقد تأسس الحزب سنة 2012 على يد سامي الساعدي، وهو أحد نواب بلحاج وقائد سابق في اللجنة الدينية للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا.

وقد تبعه عدد كبير من المقاتلين القدامى في الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا (الحركة الإسلامية الليبية للتغيير) وانضموا إلى حزبه، مما جعل وسائل الإعلام المحلية تطلق اسم “الجناح السياسي للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا” على الحزب.

ومن بين هؤلاء نجد خالد الشريف، وهو أحد نواب بلحاج، بالاظافة إلى قائد وعضو بارز في الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا وهو شقيق المقاتل المخضرم في تنظيم القاعدة أبو يحيى الليبي، فضلا عن الدوادي. وتماشيا مع أجندته التي تتميز بكونها محافظة، يسعى حزب الأمة الوسط إلى تطبيق الشريعة في ليبيا، وبالتالي، فهو لا يقبل بفكرة الدولة المدنية .

التحالفات وطنيا

على المستوى الوطني، يرتبط حزب الوطن بالعديد من الجهات الفاعلة البارزة، بما في ذلك العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين وزعيم حزب الوطن علي الصلابي (كان الحزب يعرف سابقا باسم التجمع الوطني، حيث لا ينبغي الخلط بينه وبين حزب بلحاج “حزب الوطن”).

وقد شكل كل من بلحاج وعلي الصلابي علاقات وثيقة، خاصة عندما ساعد الصلابي في الإفراج عن بلحاج وغيره من أعضاء الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا من السجن في منتصف العقد الأول من القرن الحالي.

وخلال الانتفاضة، تم إثبات أن هذه العلاقة كانت حاسمة بالنسبة لدور بلحاج العسكري، لا سيما أثناء سيطرة المتمردين على طرابلس. ومن المعروف أيضا أن هناك شخصيات رئيسية أخرى في الحزب لها علاقة بعلي الصلابي، بما في ذلك إسماعيل القريتلي، وهو صحفي في قناة الجزيرة، كان قد عاد من المملكة المتحدة إلى ليبيا سنة 2002، وشارك علي الصلابي في تأليف كتاب .

وبفضل تركيبة أعضائه وتوجهاته الأيديولوجية، تمكن حزب الوطن من إيجاد قضية مشتركة مع جماعة الإخوان المسلمين، الذين يتواجد أغلب أعضائها داخل هذا الحزب. وقد تحالف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين خلال الحرب الأهلية الليبية كجزء من تحالف فجر ليبيا.

وكجزء من هذا التحالف، كان بإمكان حزب الوطن الاعتماد على الدعم الذي يقدمه تحالف كتيبة درع ليبيا وجماعة الإخوان المسلمين، الذي يشمل أيضا كتيبة ثوار طرابلس، الذي كان بلحاج قائدا فيها .

ومن الطبيعي أن يحتوي حزب الأمة الوسط على شخصيات ليبية محافظة سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.

وقد أتيحت الفرصة للقايد، باعتباره عضواً في المؤتمر الوطني العام وكذلك يتبع كتلة الوفاء لدماء الشهداء، أن يقيم علاقات مع شخصيات محافظة في داخل المؤتمر الوطني العام، وخاصة مع النواب المستقلين أصحاب الميول السلفية.

لقد كانت تلك الكتلة البرلمانية نفسها متحالفة بالفعل مع حزب العدالة والبناء الليبي.

فضلا عن ذلك، من المرجح أن يرتبط رئيس الحزب ذاته، سامي الساعدي، بعلاقات مع رجل الدين الليبي وصاحب النفوذ في الأوساط الدينية في ليبيا، الصادق عبد الرحمن الغرياني. ويعد الغرياني أول رئيس لدار الإفتاء في ليبيا، وتفيد بعض التقارير بأن له علاقة بالإخوان المسلمين .

التحالفات دوليا

أشارت بعض التقارير الإخبارية أن حزب الوطن الليبي تربطه علاقة قوية بدولة قطر، ومن المحتمل أنه يتحصل على أموال منها . ومن الممكن أن يكون للساعدي وحزبه، الأمة الوسط، نفس العلاقات. في الحقيقة، ظهر اسم الساعدي في قائمة الإرهاب التي أصدرها مجلس النواب الأمريكي، الذي قام بنشر القائمة السوداء للإرهابيين القطريين أو من تربطهم علاقة بقطر، وقد يشير ذلك إلى وجود اتصالات بينه وبين قطر .

محاور النفوذ وطنيا

خلال الانتخابات البرلمانية في سنة 2012، تحالف السياسيون المستقلون مع الأحزاب، وقد أدى ذلك إلى هزيمة نكراء لحزبي الوطن والأمة الوسط في الانتخابات. فقد عانى حزب الوطن من هزيمة ساحقة، حيث فشل في الحصول على أي مقعد في المؤتمر الوطني العام. وطال الأمر السياسي المرموق، عبد الحكيم بلحاج، الذي فشل في الحصول على مقعد في دائرته الانتخابية رقم 13 في مدينة طرابلس.

وقد يعود السبب في تراجع أداء الحزب إلى علاقة بلحاج بعلي الصلابي، وكذلك بسبب فضيحة تأثير دولة قطر على الحزب . في المقابل، كان حزب الأمة الوسط أفضل حالاً، حيث استطاع الحصول على مقعد واحد في المؤتمر الوطني العام، وقد حصل على ذلك المقعد، عبد الوهاب قايد، الذي استغل هذا المقعد أحسن استغلال.

فخلال فترة عضويته في المؤتمر الوطني العام، ترأس قايد كتلة “لوفاء لدماء الشهداء السلفية. وتمتعت هذه الكتلة بالتحالف مع حزب العدالة والبناء بنفوذ واسع داخل المؤتمر الوطني العام. علاوة على ذلك، انتخب عبد الوهاب محمد قايد رئيساً للجنة الأمن القومي في المؤتمر الوطني العام .

محاور النفوذ دوليا

خلال انتخابات سنة 2012، سلط الإعلام العالمي الأضواء على بلحاج وحزبه، حزب الوطن، حيث كان هذا الحزب من الداعمين للعملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة في ليبيا، بالإضافة إلى أنه شارك فيها فعّلياً. وكان العالم ينظر لحزب الوطن نظرة أكثر إيجابية من حزب الأمة الوسط، الذي كان معارضاً بشدة لبنود المصالحة .

***

السلفيون المغالون (المداخلة)

الخلفية والأهداف

يعد غالبية السلفيين المدخليين في ليبيا من أتباع منهج الشيخ السعودي، ربيع بن هادي المدخلي. ويتجنب هذا التيار المشاركة في الديمقراطية البرلمانية، وفي الوقت ذاته، لا يفضل المقاومة المسلحة. ويعتقد هذا التيار أن الولاء للحاكم مطلقاً، كما يغالون في العبادات الدينية.

وفي تسعينات القرن الماضي، دأبت الحكومة السعودية على الترويج لأفكار التيار المدخلي داخل المملكة بهدف تشويه حركة “الصحوة”، المتأثرة بأفكار جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك لتشويه السلفية الجهادية.

ومع مرور الوقت، انطفأ بريق هذا التيار على المستوى المحلي، وحتى المؤسسة الدينية في السعودية نأت بنفسها عنه، بيد أن الحكومة السعودية ترى فيه التيار المناسب بسبب دعمه المطلق للحاكم الجالس على كرسي الحكم في المملكة. ولعل أبرز دليل على الدعم الحكومي المستمر لهذا التيار، أنه ما زال يحظى بمكانة عالية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، التي تمولها الحكومة .

لقد نما التيار المدخلي حتى خارج المملكة، وامتد إلى ليبيا. وقد دعم القذافي بنفسه هذا التيار في التسعينات من أجل التصدي لنفوذ الإخوان المسلمين في ليبيا وكذلك التصدي للجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا. ومع الوقت، أصبحت الحركة تستقطب عدداً أكبر من الليبيين في البلاد .

وآنذاك، لعب الساعدي القذافي دور الوسيط بين المدخليين والحكومة الليبية . ولم يتأصل التيار المدخلي في ليبيا في فترة حكم القذافي فحسب، حيث ما زال أتباع التيار ينتشرون في الأجهزة الأمنية في ليبيا إلى الآن . ومع بداية الثورة في سنة 2011، طالب شيوخ المداخلة في ليبيا أتباعهم بعدم المشاركة مع الثوار والتزام بيوتهم، مؤكدين أن المشاركة في أي احتجاجات ستؤدي إلى الفتنة.

وبناء على ذلك الإعلان، لم يشارك بالفعل العديد من أتباع التيار المدخلي في الثورة إلى جانب المحتجين، إلا أن بعضهم شارك في الاحتجاجات التي اندلعت في طرابلس في 20 من شهر آب / أغسطس سنة 2011.

وبعد مقتل القذافي، كوّن المداخلة تشكيلات مسلحة لمكافحة الفواحش في البلاد، التي سعت لفرض تعاليم التيار المدخلي.

وقد قاموا بهدم الأضرحة والمساجد التابعة للصوفيين، لأنهم لا يؤمنون بتقديس الأشخاص، على خلاف ما يفعله الصوفيون وأتباع المذهب المالكي السائد. ومع اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا، أخذ المداخلة صف المعارضة في الصراع وانضموا لهم. كما انضم بعض المدخليين إلى تحالف فجر ليبيا، واتجه البعض الآخر إلى الانضمام إلى تحالف كرامة ليبيا .

واتسعت دائرة تحالفاتهم، حيث تحالفوا مع المؤتمر الوطني العام المدعوم من الأمم المتحدة، وقد أدى تحالفهم مع الجيش الوطني الليبي إلى زيادة نفوذهم في البلاد.

البقية في الجزء السابع

***

ليزا واتانابي ـ كبير البحاث بقسم الدراسات الإنسانية، والاجتماعية والسياسية، معهد الدراسات الأمنية بزيورخ. تختص بقضايا شمال أفريقيا والمتوسط الأوروبي

***

ترجمت هذه الدراسة ونشرت بموقع ليبيا الخبربعنوان الجهات الاسلامية: ليبيا وتونسعن الأصل التي نشرها مركز الدراسات الأمنية، خلال شهر حزيران/ يونيو 2018. ونعيد نشر الجزء المتعلق بليبيا فقط

_________________

مواد ذات علاقة