بقلم ميشيل كزنز

تعطلت خطط إجراء استفتاء، كان من المقرر تنظيمه في 16 أيلول/ سبتمبر، حول الدستور الجديد في ليبيا، قبل موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في كانون الأول/ ديسمبر، بعد قرار مجلس النواب الليبي بشأن تأجيل التصويت على ذلك مرة أخرى.

وقد كان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، من بين القادة الأربعة الليبيين الكبار الذين وافقوا في آيار/مايو على مسودة الجدول الزمني للانتخابات الذي اقترحه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. ويتمثل الثلاثة الآخرون في كل من فايز السراج، رئيس مجلس الرئاسة المعترف به دولياً في طرابلس، والمشير خليفة حفتر، في شرق البلاد، بالإضافة إلى رئيس مجلس الدولة والعضو في جماعة الإخوان المسلمين، خالد المشري.

ومن أجل ضمان التقيد بهذا الجدول الزمني، يجب على مجلس النواب المصادقة على قوانين تمهد الطريق لإجراء الاستفتاء والانتخابات على حد سواء. وفي هذا الشأن، قال صالح إن قانون الاستفتاء من المقرر أن يُفعّل بحلول نهاية شهر تموز/يوليو تحت ضغط من الأمم المتحدة وفرنسا ودول أخرى.

لكن، لم يحدث ذلك، إذ تم تأجيل القرار لأول مرة إلى 12 آب / أغسطس. أما الآن، وعلى الرغم من ادعاءات المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب الليبي بأن القانون قد حظي بتأييد واسع ومنقطع النظير، إلا أنه قد تم تأجيله إلى ما بعد عيد الأضحى.

ومن المستبعد أن يجتمع مجلس النواب من جديد قبل الثالث من أيلول/ سبتمبر. كما من شبه المستحيل أن يتم إجراء الاستفتاء قبل أسبوعين على الأقل. وفي الحقيقة، يعد هذا بالضبط ما تصبوا إليه ثلة من النواب الذين يتمتعون بالنفوذ داخل المجلس، بما في ذلك، صالح.

وكان قرار إجراء الانتخابات والمقترح الدستوري قد قوبلا بالرفض الشديد من قبل مجلس النواب، وخاصة في شرق ليبيا، حيث عارض عديد النواب عن هذه المنطقة خطط إقامة دولة مركزية. كما أعربت الأقليات العرقية في البلاد، من بينهم الأمازيغ والطوارق والتبو، عن رفضهم لهذه الخطوة، حيث هدد الأمازيغ بمقاطعة أي عملية استفتاء.

ولا يتمتع مجلس النواب بصلاحية تعديل الدستور الجديد الذي وضعته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، بموجب الشروط التي سنها الدستور الليبي الحالي، الذي وقعت المصادقة عليه في خضم ثورة سنة 2011. لكن، بات قرار الموافقة على المستند أو الرفض بين يدي الشعب الليبي. ويقتصر دور مجلس النواب دستوريا على إصدار تشريع يمكّن من إجراء استفتاء بشأنه.

وبعد عجز المعارضين في مجلس النواب عن تعديل الدستور الجديد، حاولوا منع تنظيم الاستفتاء من خلال عرقلة وتأخير الإجراءات القانونية التي ستمكن من سن الدستور الجديد، أو حتى العمل على إفشاله في حال وقعت المصادقة عليه.

وكانت قد قضت إحدى المواد، التي اقترحها المعارضون، والواردة في قانون الاستفتاء المقترح، بأنه يتعين أولا أغلبية تعادل ثلثي السكان في كل من المدن الكبرى الثلاث في ليبيا، ألا وهي طرابلس، وبرقة، وفزان. وإن لم يتحقق الشرط في إحدى هذه المناطق فإنه لن تتم المصادقة على مقترح الدستور. وفي حال تم تمرير قانون الاستفتاء دون تنقيح أو حذف هذه المادة، فإن الدستور الجديد لن يحظى بدعم الأغلبية في برقة دون أدنى شك. وفي جميع الأحوال، ليس هناك ما يضمن سير الأمور بسلاسة في حال استأنف مجلس النواب أعماله في أيلول/سبتمبر.

مع ذلك، ووفقا لما ينص عليه الإعلان الدستوري لسنة 2011، الذي تم بموجبه إجراء انتخابات 2012 و2014، ليست ليبيا بحاجة إلى وضع دستور جديد حتى تتمكن من إجراء الانتخابات، حيث يشرع التعديل الدستوري الذي تم إجراءه سنة 2014، والذي تم بمقتضاه تكوين مجلس النواب، إجراء الانتخابات الرئاسية. لكن، تم تعليق هذا التصويت من قبل مجلس النواب المنتخب، حيث منح نفسه السلطات الرئاسية المنصوص عليها في النسخة المنقحة سنة 2014.

ويقول المحامون إن مجلس النواب قادر ببساطة على إلغاء هذا القرار وإعلان موعد الانتخابات الرئاسية على الأقل. كما أشار البعض إلى أنه يمكن لرئيس مجلس النواب نفسه الإعلان عن ذلك، إلا أن العديدين يعتبرون صالح، على الرغم من ادعاءاته بدعم الانتخابات، أحد أكبر العقبات التي تواجه قانون تنظيم الانتخابات الجديد.

وبالنسبة للقادة الثلاثة الآخرين، كان قد أعرب مشري، من جهته، عن تأييده للانتخابات الجديدة. وفي الحقيقة، يرى مشري، على غرار بقية أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، أن الانتخابات تمثل فرصتهم للوصول إلى السلطة. والأمر سيان بالنسبة لأنصار النظام القديم، الذين يأملون صعود نجل الدكتاتور السابق، سيف الإسلام القذافي، إلى الرئاسة.

وفي ظل اليأس الذي سيطر على الليبيين، ثمة احتمال كبير بأن يحصل القذافي على نسبة جيدة من الأصوات، ما قد يخول له الفوز. ولكن آثار غيابه عن الساحة وعدم ظهوره علنا بعد سنة كاملة من فك أسره، موجة من الإشاعات حول حقيقة إطلاق سراحه أو كونه يعاني من اضطرابات عقلية.

على صعيد آخر، يزعم السراج أنه مساند لقرار إجراء الانتخابات. وقد حرص على إحاطة السلطة الانتخابية للبلاد بالتشجيع المستمر من القواعد الشعبية، وكذلك التمويل والمساعدة في تنظيم الاستطلاعات القادمة. ومع ذلك، على غرار صالح، تدور شكوك حول حقيقة نواياه. ومن المؤكد أن صالح لن يحظى بفرصة إعادة تعيينه كرئيس للحكومة في حال أجريت كل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إذ ستمثل هذه الانتخابات نهاية مسيرته السياسية.

كما يبدو أن حفتر بات مؤيدا للانتخابات أكثر من أي وقت سابق. وفي مقابلة أجريت في مطلع الشهر، قال حفتر إن المؤسسات السياسية الحالية، بما في ذلك مجلس النواب، كانت تمر بعجز.

وفي الحقيقة، تعد الانتخابات الحل الأفضل للأزمة السياسية التي تعيشها ليبيا، فضلا عن حاجتها الماسة إلى رئيس وبرلمان جديد منتخب بحلول سنة 2019. كما أوضح حفتر أن الليبيين كانوا “حريصين” على تفعيل قرار إجراء انتخابات، وقال، منتقداً هؤلاء، دون ذكر أسماء، إنهم عمدوا إلى منعهم من الوصول إلى مراكز السلطة حتى يتمكنوا من البقاء في مناصبهم.

وكان حفتر قد انتقد إيطاليا على وجه الخصوص، وطالب بإقالة السفير الإيطالي بعد تصريح بلاده الداعي إلى تأجيل الانتخابات إلى أن يتحقق الاستقرار في جميع أنحاء ليبيا.

ودون إرادة سياسية قوية، فإنه ليس من المحتمل تأجيل الاستفتاء فقط، بل عدم إجراء الانتخابات في أيلول/ ديسمبر أيضًا.

***

ميشيل كزنز ـ مدير تحرير موقع ليبيا هيرالد

_____________

مواد ذات علاقة