بقلم عبد الرحمن الشاطر

فُتحت جبهة جديدة للصراع في ليبيا كانت ملامساتها الى وقت قريب خفيفة من سياسيين ومواطنين يطالبون بتغيير المجلس الرئاسي وحكومته على خلفية تردي الخدمات بشكل عام.

الجديد في الأمر هو تنادي أعضاء من مجلسي النواب والدولة لسحب الثقة منه. مطالبين بالعودة للحوار فيما بين الجسمين للاتفاق على تقليص المجلس الرئاسي الى ثلاثة أعضاء وفصل الحكومة عنه.

في تقديرهم أن هذا هو أقصر الطرق للخروج من الأزمات التي تتفاقم على الدولة والمواطن. وفي تقديري أن هذا لن يكون حلا وانما زيادة في تعقيد المشهد الليبي للأسباب التالية:

أولا: أتصور أن المجلس الرئاسي سيقاوم بشتى الطرق مسألة سحب الثقة منه مستندا الى الشرعية التي يكتسبها من المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالدرجة الأولى.

ثانيا: لا ثقة لي في مكتب رئاسة مجلس النواب أن لا يستغل هذا الموقف ليفرض شخصيات موالية له لا يمكن الوصول معها الى تفاهم أو حل كما حدث عند تشكيل المجلس الرئاسي وبذلك نكون قد عدنا الى المربع الأول. واستبدلنا أسماء بأسماء ويبقى الوضع على ماهو عليه وبأزمات جديدة.

ثالثا: ما آلت اليه أمور الدولة الليبية وما تسبب من انقسامات وما خلق من دويلات داخل الدولة وما تم لأمراء السلاح والحرب من الهيمنة وخضوع أجهزة الدولة بكافة مستوايها لابتزازهم . أمر اشترك فيه الجميع.. النواب والدولة (المؤتمر الوطني العام سابقا ) والرئاسي. ولا يحق لأي منهم أن يدعي أنه لم يساهم في ذلك.

رابعا: اذا كان التوجه مخلصا لانقاذ البلد مما هي فيه فعلينا أن نفكر خارج المثلث الذي عجز طيلة السنوات الماضية أن يحقق ما يدعيه ويطالب به.

أنا لا أريد أن أفت في عضد الأعضاء الذين يرون بضرورة تغيير المجلس الرئاسي في أسرع وقت ممكن .. فبارك الله في اجتهادهم .. ولا أريد أن يفهم أنني أدافع عن هذا المجلس فرأيي فيه كررته في عدة مناسبات وفي عدة مقالات وتغريدات مع احترامي لمن أعرفهم شخصيا من أعضائه. فنحن أمام قضية وطن لا تخضع للمجاملات.. فالاختلاف في الرأي مطلوب.. هذه هي الممارسة الديمقراطية الصحيحة.

في تقديري أن الاخلاص للوطن والواجب الملقى على عاتق من انتخبهم الشعب سواء في المؤتمر الوطني العام الذي أصبح مجلس دولة أو في مجلس النواب بعد رحلة من السنوات من تقلد مهامهم عليهم بشكل جماعي أن يعيدوا الأمانة الى أهلها .. الى الشعب الذي انتخبهم ليقولوا له: لقد حاولنا ولم نوفق هذه أمانتكم ردت إليكم.

الصراع في ليبيا كما تبين واضحا وجليا بأنه صراع نفوذ من قبل شخصيات معدودة على أصابع اليدين حصريا يعرفهم الجميع ويمتلكون قوة السلاح والاعلام ويتلقون الدعم المالي والعسكري من الخارج . ولا يمكن لهؤلاء أن يفرطوا في الغنيمة والسلطة التي استحوذوا عليها بسهولة أو طواعية.

وبالتالي فان تحييد هؤلاء لا يتم الا سلميا بتسليم الأمانة الى الشعب ليمارس على مسؤوليته اعادة تشكيل المشهد السياسي بانتخاب مجلس نواب جديد من مائتي عضو وعلى أساس ثلاثة عشر دائرة انتخابية ويمنح مجلس النواب الجديد مدة أربع سنوات كدورة برلمانية واحدة غير قابلة للتجديد أو التمديد ويتولى خلال الشهر الأول من أول جلسة له اختيار حكومة لدورة برلمانية واحدة غير قابلة للتجديد أو التمدديد وتتحول الى حكومة تسيير أعمال لحين الانتهاء من انتخاب مجلس تشريعي دائم .

وفي الشهر الثاني يتولى اختيار رئيس تشريفي للدولة بصلاحيات محدودة جدا ولدورة برلمانية واحدة غير قابلة للتجديد أو التمديد ولا يحق له الترشح للانتخابات الرسمية لرئاسة الدولة.

ثم يتفرغ المجلس الى مشروع الدستور الذي حظي بجدال واسع ومتشعب للنظر فيه وقد تم ابعاد الشخصيات التي مارست ضغوطا كبيرة أثناء صياغته.

أتصور أن هذا المقترح يحتاج الى تجويد وتقنين وهي مهمة رجال القانون وما أتصوره هو أن انتخاب مجلس نواب جديد بمدة زمنية معقولة سيحقق ثلاثة أمور هامة:

الأول: المستفيدون من الارتباك والفوضى السياسية وهم المساهمون في خلقها وتغذيتها سيسقط في أيديهم وسيصلون إلى إدراك (انتهت اللعبة). واذا كان لديهم مزيدا من الاصرار على لعب دور سياسي فالانتخابات القادمة مفتوحة لكل مواطن ليبي.

الثاني: انهاء الانقسام في مؤسسات الدولة واشاعة الأمل لدى أفراد الشعب بأن المرحلة الدائمة قد بدأت وعليهم الانصراف الى أعمالهم لتحقيق استقرار نفسي لهم ولأسرهم.

الثالث: تجنب الطعون في مشروع الدستور التي ستنهال على المحكمة العليا. أخشى من عيوب في ما يصبوا اليه أعضاء مجلسي النواب والدولة من سحب الثقة من المجلس الرئاسي للأسباب التالية:

أولا: مراعاة الجانب القانوني لسحب الثقة. فقد مرت بنا هذه التجربة أيام المؤتمر الوطني العام ولم نتمكن من توفير النصاب القانوني لاقالة علي زيدان. يومها أصدرنا بيانا أعلنا فيه فشلنا في توفير 120 صوتا المطلوبة.

ثانيا: المجلس الرئاسي لن ينصاع لهذا الاجراء وسيجد أكثر من حجة وسبب للدفاع عن نفسه.

ثالثا: هذا الطرح يُعشّم الناس العاديين بأن اقالة المجلس الرئاسي ستفتح أبواب النعيم أمامهم. وما يدرينا لعنا ندخل في مماحكات تزيد الأوضاع تعقيدا وسوءا.

رابعا: سيقول الكثير من أبناء هذا الشعب ولماذا لا ترحلون ثلاثتكم فأنتم الأجسام الثلاثة من أسباب تدهور الأمور. منذ حوالي سنة وأنا أدفع بضرورة انتخاب مجلس تشريعي جديد وضرورة خروج الأجسام الثلاثة من الساحة في مشهد ديمقراطي يقول أننا بدأنا في وضع عربة الدولة على الطريق الصححيح وبارك الله مساعي من حاول فأصاب أو أخطأ فذلك ما سيقيمه التاريخ عندما يكتب بعيدا عن الانفعال والسطحية.

وببقى السؤال الأهم وهو كيف نصل بليبيا الى مرحلة التهدئة لنبدأ في المرحلة الدائمة.

أنا أعوّل على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في شخص رئيسها الدكتور غسان سلامة أن يستأنس بالأفكار الايجابية ويطورها لمصلحة استقرار البلد وليس الأفراد لنكتب في تاريخنا أنه جاءنا مبعوث أممي منا والينا شعر بآلامنا وحقق لنا معجزة الاستقرار.

ويبقى لي رجاء أوجهه لكافة الشباب في هذا الوطن الغالي ممن يأنس في نفسه الكفاءة ولديه غيرة على الوطن ويحمل رؤية وأفكارا بناءة أن يقتحم الانتخابات القادمة ويدخل معركة بناء الوطن ليس بالمدفع و الهاوزر ولكن بالرأي والعمل الديمقراطي السليم .

فما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك. ليبيا في حاجة الى دماء جديدة بأفكار جديدة.

وتبقى لي ملاحظة يستوجب الادلاء بها في هذا المقام وهي أن الدخول في انتخابات رئاسية فقط عملية انتحارية محققة وسوف تؤدي الى تنصيب شخصية ما حولها خلاف كبير سيقتنص الفرصة ويستغل المنصب ليؤسس دكتاريته.. هذا ان لم يتسبب في تفكيك الدولة رسميا و هذا ما لا نريده ولا نتمناه ولو في أحلام اليقظة.

***

 عبد الرحمن الشاطر ـ عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا
____________

مواد ذات علاقة