هدّد المشير خليفة حفتر بنقل الحرب إلى الجزائر، بعدما اتهامها بالتوغل في الأراضي الليبية. وقال حفتر، في تجمع عقده مع أتباعه في بنغازي، إن “الجزائريين استغلوا أوضاع الحرب في ليبيا، وأرسلوا قواتهم إلى الداخل“، دون أن يعطي تفاصيل كثيرة عن تاريخ وخلفيات هذه العملية.
وأضاف قائد “الجيش الوطني الليبي“: “قمت على الفور بإرسال اللواء عبد الكريم إلى الجزائر قصد التحادث مع المسؤولين هناك عن هذا الأمر، وأوضحنا لهم أن هذا العمل لا يمت بأي صلة للأخوة“.
وأكد المشير حفتر أن “السلطات الجزائرية قدمت اعتذارا للطرف الليبي، وأضحت أن العملية فردية وستنتهي في ظرف أسبوع واحد“.
وقرأت العديد من الأوساط في خطاب خلفية خفتر تصعيدا جديدا في العلاقة بينه وبين السلطات الجزائرية، خاصة أن تصريحه وصل إلى حد استعمال أسلوب التهديد بـ“نقل الحرب إلى الاتجاه الآخر” في إشارة واضحة للجزائر.
ومقابل هذه التطورات الأخيرة، لم يصدر عن الطرف الجزائري أي موقف رسمي حيال ما جاء على لسان المشير حفتر، عكس بعض الأحزاب السياسية التي طالبت توضيحا رسميا.
وكان المشير خليفة حفتر قد زار، شهر ديسمبر من العام الفارط الجزائر، والتقى خلالها مع وزير خارجيتها، عبد القادر مساهل.
ونقلت وسائل إعلام محلية، وقتها، تصريحات إيجابية للأخير بخصوص الدور الذي تلعبه الجزائر في حل الأزمة الليبية.
الخلفيات والتطورات
ردا على هذه المستجدات، يقول اللواء الجزائري المتقاعد، عبد العزيز مجاهد، إنه “لا يمكن قراءة هذا التصعيد الخطير بناء على ما أدلى به المشير خلفية حفتر بمعزل عن التطورات السريعة التي يشهدها الملف الليبي في الأشهر الأخيرة“.
ويفيد مجاهد، في تصريح لـ“أصوات مغاربية“، بأن “جميع الشواهد تؤكد محاولات أطراف فاعلة في الملف الليبي، خاصة الطرف الفرنسي، إقحام الجزائر بشكل ميداني في الحرب الدائرة في ليبيا، وهو الموقف الذي ترفضه الجزائر“.
“المشير حفتر يريد أن يقوم بدور الوكيل عن سياسة فرنسا، بهدف جر الجزائر إلى الساحة الليبية، فلم يجد وسيلة أخرى سوى توجيه الاتهام لها، وهو مخطئ في جميع حساباته“، يردف المسؤول العسكري الجزائري السابق.
وعن حقيقة تدخل عسكري للجيش الجزائري في الأراضي الليبية، يوضح اللواء المتقاعد مجاهد: “لا يمكن بأي حال من الأحوال تصديق ما جاء على لسان المشير خليفة حفتر لاعتبارات عديدة، أهمها أن الدستور الجزائري يمنع الجيش من أي نشاط خارج حدود البلاد، وهذه عقيدة راسخة بالنسبة لنا“.
وبخصوص خلفيات عدم صدور أي بيان رسمي من قبل السلطات الجزائرية يكذب صحة اللقاء الذي يكون قد جري بينها وبين ممثل المشير حفتر، يقول مجاهد: “هناك أيضا مبدأ قار في الدبلوماسية الجزائرية أنها لا تتعامل إلا مع الدول ومع المسؤولين الرسميين“.
“خليفة حفتر لا يملك الإجماع حتى داخل الساحة الليبية، وغير معترف به من قبل العديد من الأطراف هناك، فكيف إذن نطلب من السلطات في الجزائر أن تصدر بيانا رسميا بشأن ما قال؟“، يتساءل المتحدث ذاته.
قراءات متعددة
أما الأستاذ في العلوم السياسية والمحلل الليبي، نصر أبو كنف، فيربط بين تصريحات المشير خلفية حفتر وبين المواجهات المسلحة الساخنة التي شهدتها مدينة طرابلس في المدة الأخيرة.
ويقول أبو كنف بهذا الخصوص: “هناك خطاب جديد ينتشر في الساحة الليبية بخصوص تسوية الأزمة الأمنية في طرابلس لا يخدم مصالح الجهة الشرقية التي تخضع لسيطرة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر“.
ويشير نصر أبو كنف، في تصريح لـ“أصوات مغاربية“، إلى أن “ما قاله المشير حفتر يعد أمرا منطقيا بحكم أنه ظل يتحفظ على جميع الحلول التي قدمتها الجزائر للأزمة في ليبيا، على عكس ما يبديه من انفتاح مع حلفائه التقليديين مثل الإمارات ومصر“.
أما الناشط السياسي المقرب من حكومة الوفاق الوطني، إسماعيل السنوسي، فيقول، في تصريح لـ“أصوات مغاربية“، إن “ما قاله المشير خليفة حفتر لا يعبر عن حقيقة ما يجري على أرض الواقع“.
“صحيح أنه يسجل على الجيش الجزائري قيامه باتخاذ إجراءات عسكرية لافتة على الحدود الليبية بهدف مراقبة الجماعات المتطرفة، وأيضا نشاط الهجرة غير الشرعية، لكن لم يسبق له أن توغل في الأراضي الليبية منذ بداية الأزمة” يستطرد المتحدث.
ويضيف المتحدث ذاته قائلا: “الجزائر وكل بلدان المغرب العربي لها موقف مشرف ومحايد مما يجري في ليبيا، وكلها ترحب بالحل السلمي والوفاق بين الليبيين“.
***
حزبان جزائريان يستنكران تصريحات حفتر
طالبت أحزاب سياسية جزائرية الحكومة بتقديم توضيحات بشأن تصريحات الجنرال الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، والتي أكد فيها توغل الجيش الجزائري داخل التراب الليبي، وهدد بنقل الحرب إلى الحدود الجزائرية، فيما وصف حزب سياسي هذه التصريحات بـ”الاستفزازية”.
وقال رئيس حركة “مجتمع السلم” (أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر)، عبد الرزاق مقري، في تصريح مكتوب: “المطلوب جزائريًا توضيح ما حدث للرأي العام، وما هي الإجراءات السياسية والدبلوماسية التي ستتخذها السلطات عندنا للرد على هذه الإهانة”.
وانتقد مقري تطاول حفتر على الجزائر، وقال: “لم يجد العسكري حفتر، المسنود مصريًا وإماراتيًا، أي حرج في توجيه تهديده للجزائر بسبب دخول عسكريين جزائريين، حسب قوله، التراب الليبي. إنها جرأة غير مسبوقة من هذا الانقلابي الليبي الذي سلم بلاده لقوى أجنبية مجرمة تعيث في البلاد العربية فسادًا، جُرأة لا يمكن للجزائريين أن يتحملوها وأن يقبلوها”.
وكان حفتر قد اتهم، في كلمة خلال لقائه مع أعيان محليين في ليبيا، الجيش الجزائري باستغلال حالة الحرب في ليبيا للدخول إلى الأراضي الليبية، مشيرًا إلى أنه يراقب كل تحرك في التراب الليبي، وزعم أنه أوفد مبعوثًا عنه إلى السلطات الجزائرية لإبلاغها احتجاجه على ذلك، وقال إن الجزائر اعتذرت واعتبرت ذلك “فعلًا معزولًا”.
واعتبر مقري أن تصريحات حفتر هي تعبير عن “تراجع الثقل الإقليمي” للجزائر، وأضاف: “لو كان يفقه في أعراف السياسة والدبلوماسية، ولو كان يقيم وزنًا للجزائر ويهابها؛ ما كان له أن يظهر عدوانيته، وأن يسترجل علينا أمام قومه، وبالصورة والصوت، بعدما ما تمت تسوية الحادث مع السلطات الجزائرية، حسب ما ذكر هو نفسه”.
من جهتها، دانت “حركة البناء الوطني” تصريحات حفتر الأخيرة، ووصفها في بيان تلقى “العربي الجديد” نسخة منه، أنها “تصريحات مستفزة للجزائريين، ومهددة للاستقرار في بلادنا بشكل غير مقبول، ومتجاوزة للأعراف وعلاقة حسن الجوار”، مضيفًا أنها تأتي “في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر والمجموعة الدولية إلى استقرار الوضع، وبذل الجهود ودعم مبادرات التسوية السياسية وتحقيق المصالحة وتفعيل مؤسسات الدولة الليبية وجمع الأشقاء الليبيين وإنهاء كل الصراعات الدموية”.
وأكد البيان أن حركة البناء الوطني “ترفض وتستهجن هذه التصريحات، وتؤكد متانة الجبهة الداخلية تجاه أي تفكير عدواني ضد الجزائر، أرضًا وشعبًا ومؤسسات، وتدعو الأشقاء في ليبيا إلى تطويق مثل هذه التصريحات الشاذة والاتجاه نحو ما يجمع ويوحد لا ما يفرق ويزيد من معاناة الشعب الليبي الشقيق”.
وحتى اللحظة، لم ترد وزارة الخارجية الجزائرية على هذه التصريحات، ورجح متابعون لمواقف الدبلوماسية الجزائرية أن الجزائر قد لا تصدر ردًا على تصريحات حفتر، لكون تصريحاته لا تصدر من طرف رسمي ليبي تعترف به الدولة الجزائرية، التي تتعاطى في موضوع الحدود والتفاصيل الرسمية مع حكومة المجلس الرئاسي المعترف بها دوليا، برئاسة فائز السراج.
***
ناشطون جزائريون يسخرون من تصريحات حفتر
لم يأخذ الجزائريون على محمل الجد تصريحات الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر التي هدد فيها بنقل الحرب إلى الحدود الجزائرية، واتهم الجيش الجزائري باستغلال حالة الحرب الراهنة في ليبيا للتوغل في الأراضي الليبية، واعتبروا أنها “مجرد تصريحات عبثية”.
وتفاعل النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مع التهديدات المزعومة لحفتر، معتبرين أنه يجهل حقيقة القوة العسكرية الجزائرية القادرة على “تأديبه” سياسياً وعسكرياً، محذرين من أن يكون حفتر بصدد نقل رسالة سياسية من طرف ما أو محاولة استدراج الجزائر.
وتساءل الناشط السياسي، رضوان بن عطاء الله، “ماذا يريد حفتر من الجزائر؟”، مشيراً إلى أنه “لعل حفتر أخطأ التقدير بتصريحاته الأخيرة ضد الجزائر، واعتقد وهماً أن الجزائر تمر بمرحلة ضعف لظروف داخلية، لكنه تناسى أو غفل أن الجزائر لا يستفزها ولا يستدرجها ولا يحركها تصريح فالجزائر موقفها مبدئي وواضح، لا تتدخل في شؤون الغير ولا تقبل من الآخر أن يتدخل في شؤونها الداخلية”.
بدوره، علق الباحث يحيى جعفري على تصريحات حفتر قائلا “قوات حفتر هي تشكيل من المجرمين القتلة، مؤيد بالفتوى الوهابية والمال الخليجي والسلاح الصهيوني، وهو بالفعل تهديد قائم وخطر حقيقي والمعطيات الجيوسياسية في صالحه كخنجر يزداد سمية كل يوم، والواجب هو التضييق عليه وخنقه في المهد بالطرق الممكنة كتنظيم وتوجه نشأ على خلفية التأسيس لحالة عداء وانتقام بين بلدين (الجزائر وليبيا) ظلا يحكمهما على مدار التاريخ الجوار الحسن والتعاون المثمر والأخوة الجامعة”.
وكان حفتر قد اتهم في كلمة خلال لقائه مع أعيان محليين في ليبيا الجيش الجزائري باستغلال وضع الحرب في ليبيا للدخول إلى الأراضي الليبية، مشيرا إلى أنه يراقب كل تحرك في التراب الليبي، وزعم أنه أوفد مبعوثا عنه إلى السلطات الجزائرية لإبلاغها احتجاجه على ذلك، وقال إن الجزائر اعتذرت، واعتبرت ذلك فعلا معزولاً.
ووصف محمد العابث، حفتر، بأنه “غبي ليبيا الذي يهدد الجزائر وهو الذي لا يملك حتى جيشا، ويمكن محوه بأعوان الحماية المدنية”، معتبرا أن تصريحات حفتر “رسالة من أميركا إلى الجزائر والورقة هي الجنوب الجزائري”.
وكتب عبد النور ابن الناصر معلقا على تصريحات حفتر “هذا اللواء الليبي لم يَرَ طائرات الإمارات والطائرات المصرية تقنبل الشعب الليبي، ولم يشاهد الجيش المصري يخترق الحدود الليبية، ولم يشاهد التشاديين الذين يجندهم في صفوف قواته، ولم يشاهد الطائرات الفرنسية تقصف بنغازي، فقط رأى الجزائر التي تحمي حدودها، وتنأى بنفسها عن الصراع في ليبيا وعلى الأقل لم تصرح أنها تساند طرفا على آخر، بل وتسعى إلى الوفاق بين جميع الأطراف ولم يكن الشعب الليبي عدوا للشعب الجزائري،
والجزائر يا حفتر لم تطمع في يوم من الأيام في شبر من ليبيا أو دولة أخرى، ولم تهدد دولة من دول الجوار، ولكنها لا تقبل من مرتزق مثلك يهدد بلد الشهداء”
_____________