بقلم علي عبد اللطيف اللافي

نشرت صحيفة «رؤية ليبية» الإلكترونية، في عددها الثالث عشر الصادر الإثنين، تقريرًا بحثيًا أعده خبيران ليبيان لمركز الأبحاث الأمريكي المعروف، مكتب أبحاث «الأتلانتك كاونسل» ، ومقره العاصمة الأمريكية واشنطن.

وقد أكد الباحث محمد فؤاد (المقيم في العاصمة الإيطالية روما)، لـ»القدس العربي» بخصوص التقرير أنه لاقى تقدير كل المتابعين الغربيين باعتبار أنه قدم تشخيصًا للوضع الليبي وتفاصيل لم تنشر سابقًا حول ما سمي في الأوساط الديبلوماسية المهتمة بالشأن الليبي بالخطة «ب» التي تتولى متابعتها مساعدة المبعوث الأممي غسان سلامة، والتي اعتبرت محور الاتصالات والمشاورات منذ تعيينها في بداية تموز /يوليو الماضي.

وفي مقدمة التقرير، يؤكد الباحثان أن ليبيا تمر اليوم بــ»أسوأ مراحل تاريخها منذ ثورة 2011»، وأنها لم تتحول إلى دولة فاشلة واحدة فحسب، بل إلى ثلاث دول فاشلة يتزاحم عليها المسلحون والفاسدون والانتهازيون ينهشون خيراتها ويذلون مواطنيها

ويوضح التقرير أنه على تلك الخلفية المحزنة، قدمت المندوبة الجديدة للمبعوث الأممي السيدة ستيفاني وليامز خطتها السرية الخطة «ب» لمعالجة فشل خطة طريق غسان سلامة الذي لم يحقق تقدمًا يذكر طوال فترة ولايته

ويؤكد الباحث أن غسان سلامة لجأ فعلاً إلى خطة وليامز، حيث أشار إليها في إحاطته أمام مجلس الأمن منذ أيام، وخاصة عندما قال مهددا: «فإذا لم يتم تشريع قانون (الانتخابات) قريباً، فإننا لن نستمر في هذا النهج، فثمة سبل أخرى لتحقيق التغيير السياسي على نحو سلمي وسوف نتبناها دون تردد، وبكل حماس بالتأكيد».

ويؤكد التقرير أنه «على الرغم من الدعم الدولي المتوقع، لا بد لوليامز من التعامل مع أخطاء وتجاوزات في خطتها قد تؤدي إلى فشلها… «.

وبخصوص تفاصيل الخطة «ب»، يؤكد الباحثان أنها تعتمد «على تشكيل وانعقاد مؤتمر وطني يقوم باتخاذ خطوات حاسمة رسمتها له وليامز بدقة، سيبدأ المؤتمر عند انعقاده بمطالبة مجلس الأمن بسحب الاعتراف من كل الأجسام السياسية في ليبيا المستمدة لشرعيتها من القرار الأممي رقم 2259» .

ويؤكد محمد فؤاد أن التقرير يشير إلى أن «المؤتمر الوطني الجديد جاء بتوجيه مجلس الأمن لعدم إجراء انتخابات رئاسية في الظروف الراهنة لانعدام الأمن وانتشار النزاعات، ما سيؤدي للمزيد من الانقسام».

ويضيف الباحث الليبي في تأكيده للقدس العربي حول التقرير أن الخطة تعتمد على «على أن تلوِّح الولايات المتحدة بعصاها في وجه كل الأطراف محذرة من مغبة عرقلة الخطة ومطالبة الجميع باحترام نتائج الانتخابات. وسترسم اللمسات النهائية على خطة وليامز في اجتماع روما المخطط له في شهر نوفمبر لهذه السنة

وجاء في نص التقرير أن «من الاستعدادات الخفِّية التي تقوم بها وليامز هي التواصل مع بعض الحقوقيين والنشطاء الليبيين للتصدي لأي تشريع يصدره برلمان طبرق ومن شأنه عرقلة الخطة «ب»، وتقوم وليامز كذلك بمحاولة ترويض مليشيات طرابلس

كما أكد التقرير البحثي أن وليامز تتحرك على عدة محاور لضمان نجاح الخطة «ب»، إلا أن هناك عثرات وأوجه قصور لا بد لها من تداركها إن أرادت أن يكتب لخطتها النجاح، وهي حسب التقرير عثرات خمس:

أولى العثرات هي محاولة احتواء وتعاون مع مليشيات طرابلس، وهي مليشيات متغولة تعتمد في نجاحها وقوتها وإيراداتها على غياب الأمن والاستقرار.

أما العثرة الثانية فهي أن اعتماد الخطة «ب» على قوانين الانتخابات الحالية سيؤدي إلى رفضها من قبل المدن والمناطق المتضررة من تجاوزات هذا القانون، وأكد سياسي ليبي في تصريح لـ«لقدس العربي» أن التقرير مهم لأنه طرح الحلول بعد عرضه العثرات المنتظرة وخاصة في هذه النقطة حين أكد في نصه إنه لا بد «لهذه الخطة من وضع خارطة طريق لإقرار دستور، ويكون هذا عن طريق تعيين لجنة فنية دولية مصغرة تقوم بتعديل دستور 1963 والإعداد للاستفتاء عليه السنة المقبلة».

وبخصوص العثرة الثالثة فتتمثل في الإصرار على القيام بعملية انتخابية موَّحدة في كل أنحاء البلاد، وكما أنذرت جهات مختصة عدة كــ»هيومن رايتس واتش»، فإن المناطق التي ترزح تحت الحكم العسكري أو يصعب فيها الانتخاب بحرية لا يمكن أن تكون جزءًا من عملية الانتخاب..».

وفي هذا الخصوص أكد الباحث محمد فؤاد لـ»القدس العربي» أن التقرير أوصى باعتماد أطروحة الانتخابات التزايدية التي تقدم بها زميله الباحث عماد الدين المنتصر عبر التأكيد أن تعقد الانتخابات أولاً في المناطق التي ينطبق عليها الحد الأدنى من المعايير الدولية، ويتشكل البرلمان الجديد من هؤلاء الأعضاء المنتخبين بغض النظر عن عددهم، ويكون لهذا البرلمان الجديد كافة الصلاحيات التشريعية والسيادية ويمارس مهامه المعتادة، ومنها تشكيل حكومة.

أما العثرة الرابعة، فحسب الباحثين الليبيين، لن تنجح الخطة «ب» ما لم يُكبح جماح المشوشين الإقليميين، ولا بد من وضع حد للمحاولات الفرنسية لتشكيل حكومة موالية لباريس ولأبو ظبي، ولن تنجح الخطة «ب» بدون تعقب ومحاسبة الفاسدين من السياسيين والعسكريين والمليشيات، ويكون تجميد أرصدتهم من أولويات المجتمع الدولي.

كما يؤكد نص التقرير أن «الممولين للميليشيات والمحركين للقلاقل والاضطرابات كمصر والإمارات العربية المتحدة اللتين انتهكتا مرارًا حظر توريد السلاح لليبيا، فيجب أن يواجهوا عقوبات صارمة لا تحابي أحدًا

أما العثرة الخامسة والأخيرة التي يؤكدها التقرير فهي «أن على المجتمع الدولي أن يعي تمامًا أن طائفة المداخلة تمثل تهديدًا وجوديًا للدولة الليبية، يجب على المملكة السعودية أن تجفف سبل دعم هذه الفرقة التي تتخذ من السعودية مهدًا ومركزًا روحيًا لها.

وإن تطَّلَب الأمر، فعلى المجتمع الدولي أن يدعم عملًا عسكريًا ليبيًا ضد هذه الجماعة المتطرفة المُمعنة في الفساد والإجرام

وفي ختام التقرير، يؤكد الباحثان أن الخطة «ب» لا تحقق جل أهداف ثورة فبراير لأنها تصنع جسمًا هجينًا من الثوار وأتباع القذافي والمتهمين بجرائم حرب وإبادة، ولن تحقق خطة وليامز إلا نوعًا من الاستقرار والديمقراطية الاستعراضية التي لا تتأصل فيها الحريات أو الحقوق، لكن مع عجز أنصار الديمقراطية والحرية والثورة عن تقديم البديل، فليس لهم إذًا إلا تجرع كأس وليامز المُرة.

______________

مواد ذات علاقة