بقلم جمال جوهر

في مطلع العام الحالي رصدت أطراف محلية ودولية، آلية قتالية روسية الصنع من ترسانة أسلحة القذافي، مخصصة لمواجهة الدبابات، وتحمل صواريخ يصل مداها إلى 6 آلاف كيلومتر.

حصل ذلك إبان اشتباكات دارت بين ميليشيات مسلحة بمحيط مطار معيتيقة الدولي في العاصمة الليبية طرابلس، في واحدة من المعارك الاستعراضية الكاشفة لحجم ونوعية السلاح الذي تستخدمه القوى المتناحرة، وتحتكم إليه عند أول خلاف لتوسّع نفوذها على الأرض، وتزيد من حصيلة الدم.

الجزء الثاني

مبادرات منذ 2012

هذا، وأعلن في عموم ليبيا عن مبادرات عدة لجمع السلاح بداية من عام 2012، انطلقت أولاها بمدينتي طرابلس وبنغازي تحت شعار «أمن بلادك بتسليم سلاحك» برعاية من أجهزة الدولة الحاكمة وقتها.

وفي فبراير (شباط) 2013 وضعت الولايات المتحدة مع ليبيا خطة سرية تقضي بتوفير برنامج مخصص لشراء الأسلحة، وتحديداً الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات والمقدّر عددها بعشرين ألف صاروخ، وهذا الأمر لم يحدث.

ثم في يوليو (تموز) 2014 قدم البرنامج الليبي للإدماج والتنمية ، الذي عرف بعد تأسيسه بـ«هيئة شؤون المحاربين» استراتيجية مفصلة لجمع السلاح، بالتعاون مع المنظمة الدولية للعدالة الانتقالية.

وما يجدر ذكره هنا، أنه سبق لصحيفة «روسيسكايا غازيتا» الكشف عن أن اشتباكات العاصمة التي وقعت بين الميليشيات في محيط مطار معيتيقة استخدمت فيها آلية قتالية روسية الصنع مخصصة لمواجهة الدبابات في الحروب، تعرف باسم «كريزانتيم إس» تحمل صواريخ مداها 6 آلاف متر. وأشارت إلى أن ليبيا حصلت من روسيا في عام 2013 على 10 آليات من النوعية نفسها».

كذلك، قالت الصحيفة، إن ليبيا حصلت على أربع قواذف صواريخ «كريزانتيم إس» و150 صاروخاً خلال حكم القذافي، لافتة إلى أن «آليات (كريزانتيم إس) تستطيع العمل حتى في ظروف انعدام الرؤية، ويمكن توجيه صواريخها بشعاع الليزر أو عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي».

وعددت الصحيفة مميزات آليات «كريزانتيم إس» فقالت إنها تستطيع السير فوق الطريق المعبدة بسرعة 70 كيلومترا في الساعة، وتزن 20 طنًّاً، وتستطيع الانطلاق على سطح الماء بسرعة 10 كيلومترات في الساعة.

لا ثقة بين الليبيين

عودة إلى مسألة تفكيك السلاح، وأمام تزايد دعوات تفكيك سلاح الميليشيات وجمعه من أيدي الأفراد لصالح الدولة، استبعد المُبشر، حدوث ذلك، معتبراً أن الأمر «صعب جداً لانعدام الثقة بين الليبيين».

غير أن العقيد الطاهر الغرابلي رئيس «المجلس العسكري بصبراتة» (المنحل) ذهب إلى ضرورة التمييز بين الميليشيات، وذهب إلى أن الميليشيات المسلحة هي من استحوذ على السلاح من أيدي قوات القذافي أثناء اندلاع ثورة 17 فبراير، ومنذ ذلك الوقت لم تجد حكومة جادة قادرة على تطويع الميليشيات، واحتوائها دون تفرقة أو تمييز».

وقسّم الغرابلي الميليشيات في حديثه إلى «الشرق الأوسط» قائلاً، إن «منها ميليشيات خيّرة تستخدم سلاحها في الدفاع عن الدولة الليبية، والتصدي لموجات الهجرة غير الشرعية، والمخربين وغيرهموهذه يجب التعامل معها بمهنية. وهناك في المقابل، ميليشيات مسلحة عبارة عن عصابات تمارس السرقة والسطو على المواطنين، وتهرّب الوقود وتتاجر في البشر، وهذه يجب نزع الشرعية عنها والتعامل معهم بقوة وحسم».

ولام الغرابلي على «حكومة الوفاق» والأمم المتحدة، معتبراً أن حكومة المجلس الرئاسي «فشلت ولم تستطع قراءة الأحداث منذ دخولها طرابلس قبل أكثر من سنتين، كما لم تتمكن من إدارة الأمور بشكل سلسل يجتذب جميع الليبيين»، متابعاً «لقد قرّبت منها ميليشيات غير منضبطة ولا تتعامل مع المواطنين بالقانون، ومنحتها الشرعية، مثل (قوة الردع الخاصة) وغيرها، ويجب تطهير وزارة الداخلية منها، في حين استبعدت البعض الآخر»، كما أن البعثة الأممية أدارت الأزمة «بشكل غير محايد».

الغرابلي يفضّل إبقاء الوضع على ما هو عليه الآن، شارحاً «أعتقد اقتراح نزع السلاح غير ممكن في الوقت الحاليالعسكريون في شرق وغرب البلاد، ليسن لديهم الكفاءة أو القدرة المطلوبة لتنفيذ هذه المهمةويمكننا دمج الميليشيات الخيرة في (قوة احتياط) لمكافحة الهجرية، يكون تعاملها بعيداً عن المواطنين». ويخلص إلى القول «يجب تطهير وزارة الداخلية (بحكومة الوفاق) من الميليشيات، والاكتفاء بالاعتماد على الشرطي المتدرب خريج كلية الشرطة فقط».

جدير بالإشارة، أن رئيس «المجلس الرئاسي» فائز السراج بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي حل «المجلس العسكري بصبراتة»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأمر أن تؤول كل الوثائق التي بحوزته إلى غرفة عمليات محاربة تنظيم داعش في صبراتة. ورأى الجيش الوطني أن الأسلحة والذخائر المنتشرة في البلاد ليست في يد القبائل والعشائر، وإنما يحوزها الخارجون عن القانون و«الميليشيات المتواجدة بالمنطقة الغربية، وبخاصة في مصراتة وطرابلس».

وقال إنه تمكن من تقليل وجود الأسلحة خارج المعسكرات بشكل كبير، وأن هناك توجهاً عاماً للتعامل مع تلك النوعية إمّا بالشراء أو القضاء، داعياً إلى سنّ مجلس النواب قانوناً يحرّم حمل السلاح خارج المؤسسات الشرعية للدولة.

ولكن حكومة السراج التي تمارس أعمالها منذ سنتين في العاصمة لم تحرز أي تقدم في هذا المجال، باستثناء تحذيرات أطلقتها وزارة الداخلية، نهاية الأسبوع الماضي، من أن «انتشار السلاح في البلاد يهدد بإراقة المزيد من الدماء، ويمتد هذا التهديد على الصعيدين الإقليمي والدولي، في ظل تنامي العناصر الإرهابية العابرة للحدود». وقالت الحكومة إن «الرصاص العشوائي لا يزال يسقط مزيد الضحايا في البلاد، على الرغم من التحذيرات المتكررة منها، بالإضافة إلى الحملات التوعوية، حيث تحولت كثير من المناسبات الاجتماعية إلى أحزان، نتيجة الاستعمال الخاطئ لهذه الأسلحة الفتاكة».

وهو ما دعا عبد المنعم الحر، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، إلى المطالبة «بالإبقاء على السلاح الثقيل والمتوسط داخل المعسكرات الرسمية للجيش، والعمل على تقنين الخفيف منها بالتراخيص وضبط العمل بها من خلال القانون».
أيضاً اكتفت الحكومة بالقول «إن أصوات كثيرة نادت بجمع السلاح، وإعادته للدولة والاتجاه نحو التنمية والإعمار، ودعوة المواطنين كافة لتسليم أسلحتهم، والانخراط في بناء الوطن والنهوض به، وهذا لا يتأتى إلا بالعمل على توفير فرص عمل للشباب، ووضع سياسات تنموية ترعى هذه الشريحة المهمة والاهتمام بها، وتوجيههم نحو العلم والمعرفة».

لكن عبد الرحمن الشاطر، العضو في المجلس الأعلى للدولة، يرى أن الموضوع أكبر وأعقد من أن تقوم به دولة واحدةمضيفاً «الموضوع ليس جمع قمامة يُوكل لشركة، وعليه فإن جمع السلاح يعد أولوية الأوليات التي يطالب بها الشعب الليبي».

وتابع الشاطر لـ«الشرق الأوسط» معلقاً «هذا إجراء لم يحظ بالاهتمام الفعلي طيلة سنوات ما بعد انتصار انتفاضة فبراير، لكنه يمثل تحدياً كبيراً للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وأعتقد أنها لن تكون قادرة على تنفيذ جمع السلاح المنتشر بشكل مرعب لأنها لا تملك لا القدرة ولا الكفاءة ولا الخبرة ولا الوسائل اللازمة».
وأشار الشاطر إلى أن مجلس الأمن هو «صاحب الاختصاص، وهو من يملك تشكيل فرق فنية، ومن يملك معاقبة من لا يمتثل لتسليم سلاحه، فمافيا السلاح التي دأبت على شرائه طيلة السنوات الماضية لا يردعها رادع.

وتقرير الخبراء التابع لمجلس الأمن رصد هذه الانتهاكات حتى على مستوى دول». وانتهي الشاطر إلى القول إن «الانفلات الأمني نتيجة متوقعة لانتشار السلاح خارج سلطة الدولة، وقد جرّ المجتمع الليبي إلى ما يعانيه من فرقة وانقسام وعدم القدرة على إنتاج موقف موحد يجمع شتات البلاد ويدفع إلى تحقيق استقرار، وبالتالي فلا حرج في الاستعانة بالتجارب التي خاضتها الأمم المتحدة في دول أخرى عانت ما تعانيه ليبياوأرى ضرورة تكليف البعثة الأممية بهذه المهمة والتعاون معها بشكل مطلق».

______________

مواد ذات علاقة