بقلم علي عبداللطيف اللافي

تتطور الساحة الليبية بشكل سريع على كل المستويات وخاصة في المجالين السياسي والعسكري الميداني في الجهات الثلاث ( الشرق – الغرب – الجنوب)، ورغم تعقد المشهد وتشابك تفاصيله المُتعددة إلا أن الذهاب للحل السياسي أصبح أمرا واقعا في رؤية جميع الفُرقاء.

الجزء الثالث

النقطة الخامسة: في العلاقة برئيس الحكومة الانتقالية القادمة ستحدث إشكالات منهجية إذا ما تم تثبيت هذه التركيبة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر نورد هنا بعض تلك الإشكالات:

أ‌ من الصعب ان يكون رئيس الحكومة من خارج مدينة طرابلس إذا ما ثبتت التركيبة المتداولة، وهنا لابد من التأكيد أن أبرز الأسماء المرشحة في هذه الحالية هو “مصطفى أبو شاقور”، لأنه اسم مقبول عمليا ولن يقع الاعتراض عليه من أي مكون من المكونات بشكل عام.

ب‌ بعض الأسماء المُقترحة للحكومة لن تُقبل عمليا للعمل مع اسمي “عبد الرحمان العبار” أو “فتحي بشاغا” وخاصة مع الأول لأمور مبدئية لا جهوية والأمر سيحدث أيضا للبعض الأسماء الأخرى التي قد تعوضهما، والعوامل هنا قد تكون مبدئية وسياسية وحتى شخصية أو مرتبطة بالانتماء للمدن او الموقف من شخصيات مؤثرة أخرى موجودة في المشهد.

ت‌ من الصعب ان يقبل الفريق المُسمى في التركيبة العمل لفترة مختصرة خلال الفترة القادمة ويبدو ان مدة ست أشهر أو ثمان أشهر صعبة القبول من طرف التركيبة المسماة او حتى من طرف رئيس الحكومة، وبناء على ذلك فمن المنتظر إعادة النظر في التركيبة خلال الأيام القادمة او بالأحرى عند تسمية رئيس الحكومة او الاتفاق عليه.

النقطة السادسة: التركيبة الحالية غير مصطفة اقليميا من زاوية أنها لن تصطف مثلا لا مع حفتر ولا ضده ولا ضد المحورين الاقليمين (“القطري – التركي” و”المصري الاماراتي – السعودي”)، وبالتالي ستكون أقرب لقضايا ليبيا والليبيين وهي تركيبة مقبولة وبغض النظر عن إمكانية تغيير أحد الأسماء فانه يجب الحفاظ على هذه السمة لما فيها من إيجابيات كثيرة واستتباعات مهمة لليبيين وثورتهم ومسارهم المستقبلي.

ثالثا: مُعطيات ومحاذير محددة في المآلات والاستتباعات

طبعا من الواضح أن التركيبة أولية وليست نهائية وهي مرتبطة بالمسارات الثلاث التي تتبعها البعثة الأممية للدعم في ليبيا وسيلعب عامل “الزعامتية دورا مهما في تجسيدها من حيث الفكرة الأساسية ( تغيير الرئاسي فقط) إضافة الى القبول بهذا الاسم أو ذاك لان الشخصية الليبية تقودها عواما ثلاث رئيسية تجسدت عبر العقود الماضية كرستها اربع عقود من الاستبداد ومنطق الفرد الحاكم الواحد والحزب الواحد والفكرة الواحدة، وهي عوامل القبيلة والغلبة والغنيمة ولفهم المآلات والاستتبعات القادمة على خيار التركيبة المتداولة وعلى كل العملية السياسية في ليبيا وجب التأكيد على المعطيات والمحاذير التالية والتي يبقى للليبيين وحدهم تحديدها عمليا وميدانيا عبر مؤسساتهم وفعلهم الميداني والسياسي والاجتماعي، وهي حسب رأينا:

أ‌ يجب الانتباه لدور بعض اللوبيات العالمية المرتبطة بالشركات العابرة للقارات والتي تتدخل في الشأن الليبي عن طريق فاعلين محليين وحتى اقليميين وأيضا الحد من توجيه لوبيات الاعلام التلفزي والالكتروني والممولين لعديد المواقع والتي بثت وتبث الفتنة بين الليبيين، ذلك أنه لا قيمة لحل سياسي تتواصل بعده ممارسات تنتهك السيادة الليبية بشكل فج من طرف دول مجاورة أو أطراف إقليمية معلومة والتي طالما قصفت طائراتها المدن والاحياء الليبية …

ب‌ يجب ابعاد وجوه سياسية ارتبطت بالأزمة الراهنة وتجنب أن يكون لها موقع سياسي مباشر تنفيذيا في الحكومة الانتقالية أو في تركيبة المجلس الرئاسي إذا ما تم فعلا تغيير بعض الممثلين أو حتى كل التركيبة أو حتى كل الاجسام التنفيذية، مع حق أولئك (أي الذين سيتجنب تعيينهم) الدستوري في خوض الاستحقاقات الانتخابية القادمة ما لم يُدينهم القضاء الليبي في جرائم ثبت ارتكابها سواء في حق بعض أو كل الليبيين أو في حق أموال الدولة الليبية.

وهنا وجب الحذر من أن يسقط الليبيون في مطب الاستئصال والاقصاء الذي انتهجته الدولة المصرية بعد انقلاب 03 يوليو/جويلية 2013، ومع ذلك فان استبعاد سياسيين وتّروا الأجواء حتى سياسيا فقط هو مطلب مرفوع من قطاعات واسعة في دوائر المجتمع المدني الليبي على غرار المطالبة باستبعاد كل رؤساء الحكومات السابقين المرتبطين بالأزمة منذ سنة 2014 من عضوية الحكومة والرئاسي.

ت‌ نجاح المرحلة الانتقالية القادمة يتطلب العمل على إدانة واضحة وعملية لكل أشكال الاصطفاف الإقليمي والذي طالما مورس في مصر وتونس وليبيا بشكل سافر وواضح للعيان والهدف في ليبيا في المرحلة المقبلة ولا شك هو الاستقرار والذي من شروطه الأولية والأساسية هو تجنب مستنقعات التجاذب الايديولوجي والاصطفاف الإقليمي المباشر.

ث‌ بعض الفاعلين وهم كثر يُروجون لمنطق أن الدستور يجب أن لا يُمر بحُجة وجود نواقص عديدة، وذلك في الحقيقة إصرار منهجي وعملي على تمرير اجندات إقليمية ودولية لا تريد لليبيا ان تستقر ولا ترى فيها الا مرمى لنهب الثروات النادرة والهائلة، وحتى لو سلمنا جدلا بان ذلك وجهة نظر فإنها يجب أن تمر عبر المؤسسات والاحتكام للتصويت داخل قاعات المؤسسات السيادية والتشريعية والقبول بالأحكام القضائية عند تقديم البعض لاعتراضات قانونية وإدارية لا عبر التحرك اللوجستي، ومعلوم أن البعض يسعى لذلك عبر جولات مكوكية من خلال ممارسات سياسية انتهازية…

ج‌ تجنب مغالطة الراي العام الليبي عبر ترويج معطيات واسطوانات مشروخة على غرار ترويج البعض أنه مدعوم أجنبيا بين القوى الفاعلية دوليا لم تربط في أي دولة مصير مصالحها بشخص أو مكون من المكونات، وإذا ما كنا صرحاء فان تلك القوى تربط نفسها بكل المكونات الفاعلة والقوية ميدانيا ثم تترقب الفعل في البلد المستهدف، ومن يستطيع فرض نفسه على الأرض تربط نفسها به بأشكال تختلف حسب البلد وحسب الطرف وحسب الآليات الممكنة، ثم تتعامل معه وفقا لسياقات الواقع والمصالح في انتظار رسم سياساتها وفقا للمتغيرات لا وفقا لهوية الأشخاص والأحزاب.

ح‌ القول أن الوحيد القادر على انقاذ ليبيا هو سيف القذافي هو قول غير موضوعي ولا واقعي (ويعبر عن حنين طفولي للماضي) وبغض النظر عن الموقف منه فإن الثابت أن الوضع الصحي للرجل لا يُمكنه من لعب أي دور سوى إمكانية لعب دور دعم معين للمصالحة الوطنية ودون ذلك هو مزايدة وتلويح بورقة (محروقة) وضغط ضمن السياقات للتأثير في الراي العام الليبي.

مع التذكير أنه مطوب للجنائية الدولية وهو أمر له اعتباراته، مع التأكيد على ضرورة تجنب اقصاء أي طرف كان خارج أحكام الدستور وقرارات المحاكم الليبية واحترام القانون الدولي.

خ‌ التأكيد المستمر أنه لا يمكن البتة خوض أي استحقاقات خارج الأسس الدستورية أيضا تحت أي مبرر من المبررات لان ذلك يعني آليا عودة الاستبداد من الشباك وهو أيضا استدعاء ثانية لخياري “القذافي2و”سيسي ليبيا” بعد انهيارهما منذ أكثر من سنتين بشكل تام.

د‌ لابد من تعميق النقاش حول القانون الانتخابي الأفضل لليبيا خلال خوض الاستحقاقات القادمة، ذلك أن الاقتصار على القوائم الحزبية في ليبيا أمر غير ممكن لطبيعة المجتمع الليبي والعوامل الثقافية والحضارية وطبيعة المسار السياسي منذ الاستقلال، وبالتالي لابد من المزج بين القوائم الفردية والحزبية على غرار انتخابات 2012 مع بعض التغييرات الضرورية والتي يتفق عليها الليبيون من خلال المؤسسات الشرعية والمعترف بها دوليا…

رابعا: من أجل عقل سياسي ليبي يتجاوز الوقائع والحياثيات ويبني للتوافق والمستقبل

بغض النظر عن التركيبة المشار اليها أعلاه (شلقم – بشاغة – العبار) والتي تم تداولها منذ 29أيلول/سبتمبر الماضي صحيحة أم لا، وهل سيتم تعديلها جزئيا أو كليا، فان الثابت أنه يجب المسارعة في بناء توافق ليبي – ليبي خاصة بعدما تبين أنه لا يمكن لأي طرف من فرقاء الصراع، حسم الخلاف لصالحه ميدانيا، كما تبين أن كلفة عدم التوافق والذهاب للحل السياسي مكلفة جدا على ليبيا والليبيين بل وعلى المنطقة المغاربية.

كما أن قراءة دقيقة للوضع السياسي والدولي تؤكد ان الفعل السياسي الأمريكي خاصة وفي الغرب عموما خلال الأشهر والسنوات القادمة قد يرجحان ويدفعان نحو دعم التوافق السياسي في ليبيا بسبب سقوط خيارات التوتير في شمال افريقيا واستبعاد خطة تكريس البحث عن “قرضاي ليبيا” ، لأن المؤشرات والقراءات الاستراتيجية تؤكد أن الأمريكيين بل والغربيين سيتفرغون لمسار شرق أوسطي معقد ومتشابك خلال المرحلة القادمة.

بمعنى أن الغرب يسعى إلى دعم فعلي وعملي للاستقرار السياسي في منطقة جنوب المتوسط بشكل عام وفي ليبيا بشكل خاص لأنهم في حاجة لتأمين النفط في المنطقة أمام تصاعد حدة الازمة مع ايران وباقي المنطقة الشرق أوسطية إضافة لأسباب أخرى داعمة ليس المقام هنا مقام تفصيل لحيثياتها وأبجدياتها

واضافة لذلك وجب التذكير والتأكيد أن النجاعة لأي فعل سياسي وخاصة بالنسبة لأي دولة نامية تعيش مرحلة انتقالية سياسيا واجتماعيا مثل ليبيا هو في حسن الربط بين العوامل المؤثرة إقليميا ودوليا وفي تجنب الهزات الاجتماعية وفي تجنب التجاذب في بناء مؤسسات الدولة كما أن اقتناص فرصة تظافر العوامل للتوظيف المرحلي والاستراتيجي أمر مهم في الفعل السياسي.

واضافة لذلك تأكد لجميع الفاعلين السياسيين والعسكريين الليبيين خلال السنتين الماضيتين أنه لا يمكن الحديث عن حل منهجي وعملي في ليبيا إلا عبر جلوس الفرقاء السياسيين والاجتماعيين على طاولة الحوار للتوافق وتقديم مصلحة ليبيا والليبيين، ذلك أن ليبيا ليست أي دولة بل أنها دولة محورية في الفعل التاريخي من خلال موقعها بين شرق الأمة ومغربها وأيضا من حيث امتداداتها متوسطيا وافريقيا واطلالتها على الصحراء وبفضل ثرواتها الباطنية الهائلة والنادرة بكل المقاييس.

ومن المؤكد أن ترتيب الحل السياسي في هذه الظروف الذاتية والموضوعية سيعيدها بسرعة للفعل والتطور والنمو بل سيحولها بفضل مكتسبات ثورة فبراير الرمزية إلى لاعب إقليمي مؤثر ومهم واستراتيجي.

ذلك أن افريقيا استراتيجيا هي محور التاريخ وهي محور الفعل والحضور الاستراتيجي المستقبلي.

وفي الأخير لابد من التأكيد أن تغيير السلطة التنفيذية مهما كانت المؤسسة التي سيشملها وبغض النظر عن الأسماء المعنية رغم أهمية الأسماء ورمزيتهاولكن الأهم هو سرعة الإنجاز والوعي باللحظة التاريخية للمرور سريعا في خوض الاستحقاقات الانتخابية على أسس دستورية ثم الالتفات للبناء المستقبلي على أسس العدالة والديمقراطية من اجل فعل ليبي مستقبلي مرتبط بآفاق القارة والأمة.

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

___________

المصدر:رؤية ليبية ، العدد 16 بتاريخ 7 اكتوبر 2018

مواد ذات علاقة