بقلم علي عبداللطيف اللافي

أعلن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج الأحد الماضي (06 أكتوبر 2018) تعديلاً وزارياً طال حقائب الداخلية والمالية والاقتصاد والرياضة والشباب.

وذلك بتكليف “علي عبد العزيز العيساوي” بمهام وزير الاقتصاد والصناعة خلفاً للوزير السابق “ناصر الدرسي”، وتكليف “فتحي علي باش أغا” بقيادة وزارة للداخلية خلفاً للعميد “عبد السلام عاشور”، بالإضافة إلى تكليف “بشير أبوعجيلة محمد القنطري” رئيساً للهيئة العامة للشباب والرياضة، خلفاً لــ”زياد قريرة”، و”فرج عبد الرحمن عمر بومطاري” بوزارة للمالية خلفاً لـــ”أسامة حماد”…

ولكن هل يمكن اعتبار هذا التعديل استباق لتغيير الرئاسي وجزء من السلطة التنفيذية أم أن تطورات مهمة بناء على مفاهمات غير معلنة بين أطراف ومكونات ومقدمات لم ينتبه لها البعض نتاج تسارع الوقائع على الأرض، قد دفعت للتعديلات خاصة بعد تحديد موعد اولي للمؤتمر الدولي حول ليبيا المنتظر عقده يومي 12-13 نوفمبر القادم وحديث عن ترتيبات لعقد المؤتمر الوطني الجامع؟،

فما هي حيثيات وتفاصيل وكواليس هذه التغييرات الحكومية خاصة في ظل الحديث عن تغييرات أخرى قد تشمل وزارات “الخارجية” و”الحكم المحلي” ووزرات أخرى؟

أولا: معطيات أساسية لفهم كنه التغيير المفاجئ

أولا فكرة تغيير جزء من السلطة التنفيذية ليست مفاجئة بل هي محور نقاشات واتصالات منذ أشهر، وجرى الحديث عنها منذ أسابيع في إطار اقتناع أغلب الأطراف بضرورة تغييرات في حد أدنى في السلطة التنفيذية (الرئاسي – الأعلى للدولة – النواب – الحكومة)، مع الغاء محلي غير معلن وتهميش دولي ومحلي وواقعي لحكومة الثني المعروفة بالحكومة المؤقتة في البيضاء.

مطلب تغيير الاجسام التنفيذية أو بعضها بدأ منذ لقاء “المشري/عقيلة صالح” في الرباط في الأسبوع الأول من أبريل 2018 وتطور ذلك في كل المفاوضات والحوارات (جولات الحوار في تونس نهاية 2017/ بداية 2018) وأيضا خلال لقاءات الضاحية الشمالية للعاصمة منذ أسابيع.

بدأت المفاوضات حول تغيير الاجسام التنفيذية وسط تجاذب من البداية على الشكل وأن الأجسام يجب ان يشملها التغيير، وكما أوضحنا في تقارير سابقة ومقالات ودراسات منشورة لعدد من المتابعين فان كل الأطراف ومُشغليها الإقليمين والدوليين قد ناورت عمليا لكي يتم التغيير بما يخدم أهدافها ولا يقع المس بممثليها وأتباعها الحاليين في تلك المؤسسات.

تبين لجميع المتابعين أن التغييرات المتفق عليها من حيث المبدأ والمختلف على تفاصيلها وتوقيتها وآليات تنزيلها تتأطر تحت مرامي وأهداف تفاصيل خطة مساعدة المبعوث الأممي “ستيفان ويليامز” والموسومة بالخطة ب (يمكن مراجعة تفاصيلها من خلال تقرير “أتلنتيك كاونسل” ، والذي انجزه الباحثان الليبيان “محمد فؤاد” و”عمادالدين المنتصر.

طغى خلال الأسبوعين الماضيين الحديث عن تغيير تركيبة الرئاسي بينما كانت المؤثرات والفاعلية تتجه نحو تغيير الحكومة، وهو ما يضعنا امام احتمالات ثلاث:

الاحتمال الأول مناورة تكتيكية للسراج لكسب المعركة وقطع الطريق امام خارطة طريق ابعاده من المشهد السياسي، وهناك دور مختلف على حجمه لشخص علي الترهوني ( اليساري السابق والليبرالي الحالي) في هذا الصدد، ويمكن ان يكون الترهوني واجهة لطرف بعينه للتأثير على السراج وتوجيهه أو بحثا منه على التموقع من جديد، ومعلوم أنه ظهر بشكل مفاجئ للجميع في لقاء باريس.

الاحتمال الثاني تغير المعطيات بشكل سريع دراماتيكي في تماه مع رؤية أطراف إقليمية ودولية تسعى للبقاء فاعلة في كل السيناريوهات الممكنة على الأرض وفي المشهد السياسي المتحول والمتطور من حيث الوقائع ومن حيث الأطراف المؤثرة.

الاحتمال الثالث تغير استراتيجي والاقرب تكتيكي لأحد الأطراف الدولية والاقرب هنا المقاربة الامريكية بظلال إيطالية، لان الطرفين يختلفان مع المقاربة الفرنسية في سرعة اجراء الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما جعلهم يُغيرون قناعتهم انه اذا تغير الرئاسي فالفترة الانتقالية ستطول اما اذا تم تغيير في تركيبة الحكومة، فالانتخابات ستقع سريعا (مارس 2019)، مما سيخدم الاستراتيجية الامريكية لاحقا الباحثة في احد خياراتها عن استقرار المنطقة الشمال افريقية للتفرغ للشرق الأوسط وازماته المتفجرة او منتظر تفجرها خلال الأشهر المقبلة.

وسط غلبة منطق التجاذبات غاب التساؤل الحقيقي والموضوعي، وهو من يطبخ للسراج قراراته ومن يقترح عليه الأسماء؟،

وبالتوازي مع ذلك ظهر جليا أن السراج سبق له أن ربط فعله السياسي بتعهدات سابقة مع دول غربية وبالأمريكيين بالأساس (زيارته لواشنطن والتي استغرقت يومها أكثر من أسبوع هو والوفد للمرافق له – ولقاءه بالسفراء السبع ثم انفراده بالسفير الأمريكي في منتصف أغسطس الماضي – ولقائه منذ أسبوعين مع قائد الافريكوم في تونس).

كما لابد من التساؤل حول زيارته للسعودية في الأسبوع الأول في يونيو الماضي لمدة يومين ثم مغادرته لتونس (أي مقر الإقامة المؤقتة للسفراء الممثلين لبلدانهم لدى ليبيا)، ويومها تم الحديث عن لقاء وساطة نظمه السفير الليبي السابق في السعودية المدعو عبدالباسط البدري، بين حفتر وعدد من شخصيات مصراتة وأساسا النواب المقاطعين من بينهم وزير الداخلية الجديد فتحي بشاغا والتساؤل هنا حول العلاقة بين زيارة السراج للسعودية وذلك اللقاء؟

ثانيا: هل السراج ومستشاريه وحلفائه ناوروا أم أنجزوا اتفاقات؟

السراج اقرب للتكنوقراط ولا تجربة ولا قدرة له على المناورة السياسية ولا يمكن له قطع هذه الخطوة إلا بسند داخلي قوي ورضى إقليمي ودولي على ما اقدم عليه في وقت حرج وحذر في ليبيا اليوم خاصة بعد الاشتباكات الأخيرة وتعقيدات ما يجري على الأرض.

وكل قوته الحالية سياسيا هي أنه محل رضى والتقاء عديد الأطراف محليا وأيضا على المستويين الإقليمي والدولي، وبالتالي فالتغيير خطوة محبوكة بسند ورضا الفاعل الحقيقي القادر على مواجهة المعترضين ومن ثم ترويضهم وتمرير الامر والاذن بالخطوة التالية، وبناء على ذلك نجزم ان التغييرات وبغض النظر عن المعطيات والتفاصيل اللاحقة لأن ما أعلن عنه هو خطوة أولية في التغييرات وبالتالي فإما أنه تم بعيدا عن الأضواء وعبر وبعد الاتفاق مع جهة قوية على تغيير  الحقائب والأسماء، أو أنه تمت المناورة بحبكة ودقة لإسقاط تغيير الرئاسي أو ارجائه لأهداف محددة أيضا.

يبقى سيناريو تغيير الرئاسي قائما ويظهر أن ذلك صعب ولكنه وارد ولكن الثابت أن السراج في تلك الحالة سيكون رئيسا للحكومة الانتقالية واسعة الصلاحيات، ولكن كل الامر في ظل الحراك الحالي والتوازنات الحالية مجرد فرضية صعبة التنزيل.

هناك تسريبات تتحدث عن تراجع الفاعلين الكبار والرئيسيين في مجلسي “الأعلى للدولة” و”النواب” عن فكرة تغيير تركيبة الرئاسي من حيث الكم ومن حيث الأسماء بناء على نصيحة مفادها أنكم إذا غيرتم “الرئاسي” وأتيتم بحكومة انتقالية واسعة الصلاحيات فإنكم ستعرفون مصير “التأسيسي” التونسي سنة 2014 أثناء فترة عمل حكومة مهدي جمعة (ملاحظة: كان دور المجلس التونسي محوريا خلال فترة 2011-2013 بينما اقتصر دوره خلال فترة جمعة على دور بروتوكولي مع انجاز صياغة نهائية للدستور والتوصل الى وفاق وطني).

وبناء على ذلك عاد خالد المشري (الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للدولة) من احدى زياراته وهو قد غير قناعاته بإنجاز تغيير حكومي بدلا عن تغيير “الرئاسي” وتشكيلة حكومة انتقالية واسعة الصلاحيات، والسؤال هل فك المشري ارتباطاته مع محاوريه من مجلس النواب، أم أنهم أيضا وبناء على خلافات عقيلة – حفتر الصامتة والتعتيم عليها إعلاميا، قد اصطفوا مع خيارات السراج ولكن بعقلية وواجهة المواراة (مقولة “نحن معك في السر ولكننا صامتون في العلن”)…

ثالثا: معطيات وكواليس التغيير الحكومي الأخير

في البداية لابد من التأكيد أن تغييرات أخرى سيعلن عنها في الأيام القادمة على غرار تغيير كل من وزير الحكم المحلي وأيضا تغيير وزارة الخارجية بل أن مصادر مطلعة تتحدث في الأخير عن تغيير كل الحقائب التي لم يشملها تغيير الاحد الماضي.

الثابت وبغض النظر عن وجود مفاهمات سابقة للتغيير فان التعديل الوزاري مفاجئ، وهو يصبّ عمليا في إطار كواليس الصراع بين الأطراف الليبية لإقصاء بعضها البعض، في وقت تنتظر البلاد والمجتمع الدولي من هذه الأجسام السياسية تحركاً من أجل تمهيد الطريق للوصول إلى انتخابات تخرجها جميعها من المشهد المأزوم.

رابعا: القراءات وردود الأفعال

فور الإعلان عن التعديلات، شنّ عدد من أعضاء مجلسي الدولة والنواب هجوماً حاداً على القرار، معتبرين أنه يدخل في إطار الإجراء الاستباقي للسرّاج، قبل اتفاق المجلسين على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي الذي تناط به مهمة تشكيل حكومة جديدة حيث أكد النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للدولة، فوزي العقاب، أن “التعديل الوزاري خادع، وهو كلعبة القبعة والأرنب للساحر”، بل وأشار في تدوينة عبر حسابه الرسمي أن “الأزمة في المجلس الرئاسي لا في الحكومة، سواء في هيكلته وآلية اتخاذ قراره، أو لأنه عائق أمام إنهاء الانقسام السياسي، فيما الحكومة مسؤولة عن عجزها في القيام بمهامها، وهي ليست مسؤولة عن الانقسام السياسي”.

أما عبد السلام نصية (رئيس لجنة الحوار المنبثقة عن مجلس النواب) فقد أكد أن إعلان السرّاج يمثل “محاولةً لقطع الطريق أمام جهود إيجاد سلطة تنفيذية موحدة”، لافتاً إلى أن “المرحلة الصعبة الحالية تتطلب من الحكومة أن تكون لكل الليبيين، وأن تبسط سيطرتها على كل البلاد”، كما علق على شكل التعديل الجديد بالقول أنها  “حكومةً على رقعة جغرافية معينة، وهي استمرار لتكريس الانقسام”، في إشارة إلى أن الوزراء الجدد ينتمون لغرب ليبيا حصراً.

وكان نصية والعقاب قد التقيا مطلع الأسبوع الماضي رئيس البعثة الأممية غسان سلامة، لاطلاعه على استئناف جهود المجلسين لإعادة تشكيل السلطة التنفيذية، من خلال تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، يناط بها توحيد المؤسسات قبل الوصول إلى مرحلة الانتخابات.

كما يرى بعض المحللين أن السراج أراد من خلال تعيين شخصيات مثل باشاغا والعيساوي، وهما شخصيتان سياسيتان قويتان، حشد موالين جدد له، ليشكل اصطفافاً جديداً ضد معارضيه في مجلسي الدولة والنواب، وهنا لابد من التأكيد ما  يمثله باشاغا في مصراتة التي يتحدر منها، والتي يمثل طيفاً سياسياً وعسكرياً واسعاً فيها، أما العيساوي فهو دبلوماسي سابق، ويمتلك علاقات متينة مرتبطة بسفراء وشخصيات سياسية بارزة خارج ليبيا، لا سيما في الولايات المتحدة.

بينما يرى بعض المتابعين أن “مجلسي النواب والدولة مثلا طرفي الأزمة في البلاد، وفشلت البعثة الأممية في حملهما على توافق حول الاتفاق السياسي”، متسائلاً في هذا الإطار “ما الذي جمعهما الآن بالذات، وجعلهما يتفقان على إسقاط الرئاسي بحجة أنه يمثل حجر عثرة أمام توحيد المؤسسات المفضية للانتخابات؟”.

كما لابد من الإشارة ً أن البعض يؤكد وجود صراعات في كواليس الأزمة الليبية وتحدث منذ فترة وربما تسرب منها اتفاق إسقاط السراج، وهو ما يبدو أن الأخير قد نجح أو سينجح في إفشاله.

كما لابد من الإشارة الى ان بعض المحللين والمتابعين يرون أن ذلك الصراع وسرعة وتيرته مرتبطان بعلاقة استباق لانعقاد مؤتمر باليرمو الذي سيقرر شكل المرحلة المقبلة من قبل الأطراف الدولية، والذي يسعى مجلسا الدولة والنواب إلى تغييب السراج عنه بعد إسقاطه.

في المقابل، وبحسب أستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد، يرى أن “خطة السراج تبدو محكمة من خلال تعيين شخصية قوية كباشاغا المرتبط بعلاقات وطيدة بالتشكيلات المسلحة في طرابلس، ما يسهل عملية إخلائها منها وفرض الترتيبات الأمنية، كما أنه سعى من خلال تعيين العيساوي، للتواصل مع الخارج بالاشتراك مع زميله السابق محمد سيالة، وزير الخارجية، الذي لا يزال خارج البلاد في جولة على عواصم الدول الكبرى.

ويرى الحداد أخيراً أن تصريحات مسؤولي مجلسي الدولة والنواب تعكس إحباطا كبيراً، إذ إنه “لو كانت لديهم إمكانية للإطاحة بالسراج حالياً، لما تسابقا على وسائل الإعلام للتنديد بخطوته”، مرجحاً أن تصطدم جهود المجلسين بالفشل، لا سيما بعد ترحيب البعثة الأممية بالوزراء الجدد.

الخلاصة

ان التغيير ليس جزئيا لان السراج سيواصل التغييرات في حكومته والمؤسسات التابعة لها، وصعب ان يكون مجرد خطوة تكتيكية قام بها لوحده أو بنصيحة ورؤية بعض مستشاريه فقط، ومع ذلك يجب التأكيد على التالي:

ـ أن ثوار فبراير التابعين لمدينة بنغازي من خصوم الكرامة موجودون في فلسفة التغيير وتسمية العيساوي احدى ملامحها.

ـ أن السراج قد التقى بهؤلاء الوزراء الجدد في اشهر سابقة بل ان منهم من قابله وعرض عليه الوزارة منذ سنة أو أكثر على غرار العيساوي.

ـ أن مجموعة المجلس الانتقالي قد عادت بقوة للحكومة وخاصة في الحقائب المالية

ـ أن عقلية ابعاد وجوه مقربة ومحسوبة وقريبة من حزب العدالة والبناء قد تم وأدها وتكريس العكس رغم أنه مطلب اماراتيمصري متكرر منذ 2014، حيث طلب بها محمد بن زايد السراج في أحد اللقاءات اثناء الحديث عن سفير ليبي في الامارات ابعاد الاخوان كشرط للتعاون المباشر.

________________

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية

مواد ذات علاقة