بقلم علي عبداللطيف اللافي

تغيرت خارطة المشهد الليبي منذ لقاء باريس بين مختلف أطراف الصراع في نهاية شهر مايو الماضي، وعمليا تغيرت التحالفات سياسيا واجتماعيا وعسكريا في المناطق الثلاث (الجهتان الشرقية والغربية والجنوب).

الجزء الثاني

واقع التيارات الفكرية والسياسية ورهاناتها في باليرمو

أولا: الإسلاميون

ـ الاخوان وحزب العدالة والبناء، يتحركون هذه الأيام حول ضرورات المرحلة وتم عقد جلسات ماراتونية خلال الأيام الماضية جرت خلالها نقاشات حول رهانات المرحلة ويقوم كل من احمد السوقي (المراقب العام) ومحمد صوان (رئيس حزب العدالة والبناء) بعقد لقاءات مكثفة مع نظرائهم في التكتلات والأحزاب السياسية، وأيضا مع أهم الفاعلين في الحزب والجماعة حول رهاناتهم في المؤتمر الدولي، وتحديد استراتيجيا للمرحلة القادمة وخاصة الاستعداد المرحلي للاستحقاقات القادمة.

ـ حزب الوطن: يجمع جميع المتابعين أن فعل الحزب خلال المرحلة الماضية قد تطور سياسيا واجتماعيا وبالتالي جاهزيته للاستحقاقات الانتخابية القادمة، ومعلوم أن العديد من الفاعلين السياسيين يتواصلون مع قيادة الحزب.

ـ القوى الموسومة بالمحافظة: والمقصود هم أنصار المفتي وبعض الغاضبين من الاخوان والقيادات السابقة للمقاتلة، وهي أطراف مرتبكة في قراءة المرحلة ولم تستطع الاستفادة من التطورات الأخيرة ويقتصر كل فعلها على انتقاد فعل الاخوانوحزبي “العدالة والبناء” و”الوطن“”.

ـ التيارات الصوفية: هناك إعادة تشكل وبروز وبحث عن توظيف المرحلة على غرار نشاط ما يعرف بـ مجلس التصوف السني، ولكن قابلية التوظيف من طرف قوى إقليمية أمر معروف من خلال أنشطة فكرية وبحثية موجهة.

ثانيا: الليبراليون

ـ حزب محمود جبريل: تدور داخله نقاشات عديدة وتجاذب حول العلاقة بالإسلاميين ولعل تصريحات جبريل منذ أسابيع ثم نص القيادي “إبراهيم قرادة” تعبير مهم على ذلك، ولا شك أن جبريل وبعض قياديين قد وعوا بطبيعة الرهانات المستقبلية والمآلات المنتظرة لمؤتمر “باليرمو”، ولكن مشكلة جبريل في التزاماته السابقة مع قوى إقليمية على غرار علاقاته مع الاماراتيين وعدم قدرته على تجاوز منطق التنظير السياسي للفعل المرحلي والميداني، واضافة الى كل ذلك في تعدد الدغمائيين في المجلس الوطني والمؤسسة التنفيذية لحزبه، وربما لهذا السبب عمد الى بعث لافتات حزبية مرتبطة به حسب ما يروج في الصفحات الاجتماعية الليبية.

ـ الجبهة الوطنية: هذا الحزب في تطور من حيث الخطاب السياسي نتاج نهله من تجربة جبهة الإنقاذ، ولكن تعوزه القدرة على الحضور اللوجستي والميداني نتاج أن عناصره القيادية كانت معارضة راديكالية في الخارج وتحملت تبعات فترة غيابها وانقسام جبهة الإنقاذ أكثر من مرة، ومطلوب من الحزب اليوم حسن القراءة للواقع السياسي والاجتماعي في ليبيا قبل وبعد مؤتمر “باليرمو”.

ـ تجمع الوطنيون الاحرار: بعد خطوات ملموسة في التوفيق داخله بين أنصار التيار المحافظ وبين الليبراليين القريبين منه، تراجع دوره وانحسر اشعاعه خلال الفترة الماضية نتاج حسابات سياسية في محيطه القيادي وخوفهم من تغير موازين القوى في هذا الاتجاه أو ذاك.

ـ بعض مكونات أخرى: هناك حذر في الاصطفاف وفي ابداء المواقف السياسية خلال الفترة الماضية، وهو ما قلّص من تواجد أحزاب وتكتلات صغرى في الحياة السياسية ما بعد اشتباكات طرابلس الأخيرة، وهو أمر منتظر تواصله قبل وبعد المؤتمر الدولي.

ثالثا: أنصار القذافي

أنصار القذافي (أو أنصار النظام السابق) لم ولن يكونوا يوما وحدة متكاملة من حيث الرؤى والتوجه والولاء أو من خلال رؤيتهم لمستقبل ليبيا، وبعض أنصار القذافي يرون في قراءتهم للوضع الحالي أنه يمكن ترتيب الأمور لصالح سيف القذافي، وفي هذه النقطة بالذات ينقسم أنصار القذافي إلى طرفين،

الأول يرى في سيف منقذا للبلاد

والطرف الثاني يرى في ذلك تكتيكا أوليا في طريق عودة نظام القذافي باعتبار أن الغرب في تحليلهم طبعا ليس له أي إشكال مع سيف بل هو ورقة غربية قديمة، 

الطرف الثالث من أنصار القذافي فهو يرى في نجاح الحكومة القادمة سبيلا أن تسترد بعض قبائل محسوبة عليهم حقها وانه لا يجب معاملتها بناء على قربها السابق من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، وهؤلاء يرون أن المصالحة الحقيقة هي في بناء جديد يدفن آلام الماضي، 

والخلاصة أن أنصار القذافي مُشتتون ومُختلفون وقوتهم بشرية ومادية لوجستية، وأنه لا أمل لأنصار القذافي في إفشال التوافق الليبي رغم هامش قوة مقتدر ولكنه نسبي على إرباك الحكومة ما بعد مؤتمر “باليرمو”، و الأكيد أيضا أن قطاعات واسعة من أنصار القذافي مؤمنة حاليا بما قاله رجل المخابرات القوي في عهد القذافي عبدالله السنوسي لقبيلة المقارحة سنة 2015 في سجنه “عهد القذافي انتهى وولى ولن يعود وعليكم القبول بذلك والمشاركة في المسارات الجديدة.

المشهد الليبي الداخلي في أفق المؤتمر الدولي

بغض النظر عن التجاذبات وصعوبة المهمة بالنسبة للسراج أو من سيخلفه على رأس الحكومة الانتقالية بعد مؤتمر “باليرمو”، وبالنسبة للبعثة الأممية وتعقد تفاصيل المشهد الليبي ومفرداته العديدة والمتعددة في أفق عقد المؤتمر الدولي،  فإنه يمكن التأكيد على أن نجاح التوافق الليبي أمر محسوم بينما عمل الحكومة سيعرف صعوبات عدة ومزالق عديدة وتحديات كبرى وعوائق لا تحصى ستسعى أطراف عدة إقليمية وربما دولية إضافة إلى أطراف في الداخل الليبي، إلى العمل على توسيعها وتضخيمها، حيث أن تلك الأطراف ستلعب كل ما بقي لها من أوراق لإفساد المشهد الجديد غداة المؤتمر الدولي وخلط الأوراق و إعادة الأمور للنقطة الصفر، أو ربما أعقد مما كان عليه الوضع في صائفة 2014.

ولكن من الأكيد أيضا أن تطورات المشهد الإقليمي وطبيعة الموقع الجغراسياسي لليبيا وقربها ومن السواحل الأوربية وطبيعة التحديات الاقتصادية في دول الجوار الليبي ستدفع الجميع نحو الدفع لإنجاح عمل حكومة ما بعد مؤتمر “باليرمو” بل ومساعدتها في تنفيذ برامجها وإجراء انتخابات تغلق باب الصراعات الميدانية والعسكرية.

ولكن السلطة التنفيذية والانتقالية الجديدة ستجد بل أنها ستكون أمام تحديات جسيمة على المستوى الأمني وبناء وقيادة المؤسسات السياسية والعسكرية وترتيبات الحدود مع الدول المجاورة والعمل على إنهاء الصراع في الجنوب (أساسا بين التبو والطوارق)، ولكن أمل الشركات العابرة للقارات في الاستثمار في ليبيا ورغبة عديد العواصم الكبرى في إعادة النشاط لسفاراتها في طرابلس من أجل الظفر بعقود لكبرى شركاتها في المستقبل.

وفي الأخير فان مستقبل ليبيا بعد 13 نوفمبر/تشرين الأول المقبل سيكون واعدا من أجل عودة الوئام بين الليبيين حتى يتمكنوا من إجراء مصالحة شاملة وعادلة تدفن آلام الماضي وتوقي الصعاب عبر تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تنهي المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة تقنع الجميع في الداخل والخارج وتكون منطلقا لإعادة بناء المؤسسات الدستورية وحتى يهنأ الليبيون كل الليبيين بغض النظر عن أحزابهم وقبائلهم ومدنهم وانتماءاتهم الفكرية والمذهبية والسياسية.

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي تونسي مختص في الشؤون الافريقية

______________

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية

مواد ذات علاقة