بقلم عائد عميرة

أيام قليلة تفصل الفرقاء الليبيين عن مؤتمر باليرمو المزمع عقده في 12 و13 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ بحضور مختلف الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي، مؤتمر يأتي بعد أشهر من مؤتمر باريس الذي قال الأليزيه حينها إنه يحمل في طياته الحل للأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات، إلا أنه زاد الوضع تعقيدًا أكثر مما كان عليه.

فهل سيكون مؤتمر باليرمو شبيهًا للذي سبقه؟

أم ستنجح روما فيما فشلت فيه باريس؟

حضور كبير

تحرص روما على حضور ممثلي الأطراف الليبية الـالذين سبق أن شاركوا في لقاء باريس نهاية مايو/أيار الماضي، وخلال الأيام الماضية استقبلت العاصمة الإيطالية هذه الأطراف، بدءًا برئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ثم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، يليه رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح فرئيس مجلس الدولة خالد المشري، بالتزامن مع زيارة للمبعوث الأممي غسان سلامة.

إلى جانب ذلك، تأمل الحكومة الإيطالية التي يقودها جوزيبي كونتي في مشاركة مختلف الأطراف الدولية المتدخلة في هذا الشأن، وقال كونتي إنه يتوقع مشاركة رفيعة المستوى من جانب الشركاء الإقليميين والأوروبيين والدوليين، مثل الولايات المتحدة وروسيا، كدليل على تماسك المجتمع الدولي لتجاوز الأزمة الليبية.

خلال زيارته لتونس أمس الجمعة، رأى كونتي أن العنصر الأساسي لنجاح المؤتمر هو بالطبع مشاركة واسعة من الجهات الفاعلة الرئيسية في ليبيا، من منظور الملكية الليبية الكاملة لهذا الحدث وللعملية السياسية بصفة عامة.

وإلى حد الآن لم يتبين بعد حجم التمثيل الدبلوماسي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وبريطانيا، فيما تأكد حضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تسعى بدورها إلى وضع حد للأزمة الليبية التي ساهمت في ارتفاع أعداد اللاجئين القاصدين السواحل الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.

تأجيل الانتخابات والترتيبات الأمنية أبرز المحاور

هذا المؤتمر من المنتظر أن يبحث تأجيل موعد إجراء الانتخابات إلى العام المقبل والاتفاق على موعد محدد لها، بالإضافة للاتفاق على الإطار القانوني لإجراء الانتخابات، وسبق أن توصل الفرقاء الليبيين في باريس إلى اتفاق لإجراء الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وسبق أن ألمحت أطراف دولية عدة لصعوبة إجراء الانتخابات في ظروف أمنية وسياسية عصيبة تواجهها ليبيا، وإلى الآن لا يوجد تصور لقانون الانتخابات في البلاد، وما إذا كانت ستتم على أساس فردي أو على شكل قوائم حزبية، فضلًا عن أن مجلس النواب الذي يعمل بالتشريع لا يستطيع أن يسن قانونًا للانتخابات في ظل استمرار تهديدات مجلس الدولة له بالطعن على القوانين في حال تضمنها تقسيم ليبيا إلى 3 دوائر انتخابية.

تعتبر هذه الانتخابات إن تمت الثالثة في البلاد بعد الثورة، ففي 7 من يوليو/تموز 2012 شهدت ليبيا انتخابات المؤتمر الوطني الليبي، وبعدها انتخابات مجلس النواب عام 2014، غير أن تلك الانتخابات لم تعزز سوى الانقسام والفرقة في البلاد، ولم تساهم في وجود مؤسسات تتمتع بمصداقية من جميع الأطراف والقوى السياسية هناك.

إلى جانب مسألة الانتخابات، من المرتقب أن يتضمن جدول أعمال المؤتمر بحث الوضع الأمني في البلاد، ويعتبر الوضع الأمني في ليبيا أحد أبرز عوائق الوصول إلى حل للأزمة، فالسلاح منتشر في كل مكان والميليشيات تسيطر على معظم أرجاء ليبيا، في ظل غياب الدولة المركزية وعجز حكومة الوفاق الوطني عن بسط نفوذها في كامل أنحاء البلاد بعد قرابة سنتين من توليها الحكم.

سيناقش الحضور أيضًا الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، خاصة أن الخلافات المستمرة بين السلطات المالية في شرق ليبيا وغربها قد زادت من أزمات الليبيين الذين تراجعت قدرتهم الشرائية في ظل تدهور الدينار ونقص السيولة، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة.

انتظارات قليلة

لا يأمل الليبيون كثيرًا من مؤتمر باليرمو، فمثله مثل غيره، فقد اعتادوا المؤتمرات الدولية والإقليمية التي تقول إن الهدف منها إيجاد حل لأزمة بلادهم المتواصلة وفق قول البعض منهم، في هذا الشأن يقول الناشط السياسي الليبي فرج المجبري الحل بيد الليبيين، وما حدث في بداية فبراير/شباط 2011 خير دليل، قبل أن يُجهض مشروع التغيير والعودة إلى مربع أشد تيهًا مما كان عليه في عهد القذافي“.

وأوضح الناشط الليبي في حديثه لنون بوست عدد المؤتمرات خصوصًا خارج الوطن إنما هي للمزيد من إطالة عمر الأزمة ومزيد من التفكيك وفق ما تريد الدول المتصارعة على إدارة الملف الليبي الذي صار مرتهن بالكامل لبرغماتيات تلك الدول“.

المجبري أضاف مؤتمر باريس لم يحقق مآربه، ومجرد عقد مؤتمر باليرمو دليل على ذلك، وفي تصوري لن يكون إلا مواصلة وامتداد لمؤتمر باريس ولو في آليات التفكيك الذي ذكرت، لكن أمريكا وإيطاليا التي تمثلها ستكون ضد تمدد مشروع الكرامة العسكري لذلك فإن حفتر ما بين خيار الإبعاد وانتهاء دوره أو القبول بالحل السياسي الذي لا يجيد مفاتيح إدارته ولا الدول الداعمة له أقصد الدول العربية“.

أكد محدثنا أن الساسة في بلاده مسلوبو الإرادة وهم بيادق تتقاذفها مصالح الدول الراعية، أما الشعب فقد عاد لمربع التكيف مع أوضاع أقل وطأة من ناحية العيش دون معاناة ولو كلفه ضياع سيادة الوطن، لكن يبقى الخوف من عودة انتفاضة كانتفاضة الربيع العربي واردة وليست بعيدة“.

بدوره عبر الإعلامي الليبي علاء العماري عن خشيته من أن تمدد هذه المؤتمرات الأزمة الليبية ولا تحلها، فيضع كل مؤتمر دولي خطة من سنة أو سنتين وفي النهاية لا تفي الأطراف الليبية بمخرجات المؤتمر، وتستفيد من بقائها في السلطة كل تلك الفترة ولا يجني عواقب ذلك إلا الشعب الذي ملهم.

وأضاف في حديثه لنون بوست الليبيون لا يأملون في الوقت الآني إلا توحيد المؤسسات لإنهاء المشكل السياسي والأمني والاقتصادي، إضافة إلى المضي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية يستبدلون بها الساسة الحاليين الذين لم يرحلوا منذ 2012″.

فرص النجاح أكبر

لإن وافق علاء العماري ما ذهب إليه الناشط فرج المجبري، فإنه كان أكثر منه أملًا، ففي حديثه لنون بوست يقول العماري: “وفق تصريحات المسؤولين الإيطاليين فإن مؤتمر باليرمو يختلف عن مؤتمر باريس، فروما تقول إنها تسعى لإجراء انتخابات بعد مصالحة وطنية جامعة، وأرى أن هذا المؤتمر له فرص نجاح أكبر من مؤتمر باريس، ومنها أن روما بدأت الاستعدادات مبكرًا وبدأت جولات مبدئية للأطراف كافة ثم دعتهم اليومين الماضيين إلى روما، وذلك سيزيد من فرص تقارب وجهات النظر بين الفرقاء، على عكس مؤتمر باريس الذي كان فجأة دون استعدادات مبكرة“.

وأوضح الإعلامي الليبي باريس ليست طرفًا محايدًا حتى تدخل كوسيط بين الأطراف الليبية، كما أثبت ذلك الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند حين أعلن سقوط طائرة فرنسية تقل جنود من بلاده في مدينة بنغازي شرق ليبيا“.

تُتهم فرنسا بالوقوف إلى صف خليفة حفتر على حساب رئيس الوزراء المعترف به أمميًا فايز السراج الذي تسيطر قواته على العاصمة الليبية طرابلس وعلى غرب البلاد، رغم ادعائها الحياد والوقوف على مسافة واحدة بين جميع الفرقاء الليبيين، وهو ما أضعف قدرتها على قيادة جهود الوساطة بين الأطراف الليبية.

وأكد العماري في تصريحه إذا كانت هناك نوايا صادقة من الأطراف الليبية فسيكون تنفيذ ما سيتفق عليه في مؤتمر باليرمو أمرًا سهلًا، ولكن ما جعلهم لا ينفذون مخرجات اتفاق باريس قد لا يجعلهم ينفذون ما سيأتي في اتفاق باليرمو“.

أبرز العقبات للوصول لحل ينهي الأزمة الليبية

عدم الوصول إلى حل للأزمة الليبية يرجعه فرج المجبري إلى غياب الوعي لدى الليبيين وعدم فهم التوازنات وتحقيق أقل خسائر، وبقاء الساسة الفاشلين في الحكم واستمرار عبثهم، فضلًا عن غياب الوطنيين عن المشهد السياسي في البلاد.

بدوره أرجع علاء العماري سبب تواصل الأزمة إلى خليفة حفتر الذي يسعى لحسم الأمور لصالحه عسكريًا، فهو من يرفض مشروع الدستور لاحتوائه مواد تمنع من يتقلدون مناصب عسكرية من الترشح للانتخابات التشريعية والبرلمانية، ويرفض الانتخابات معتبرًا أن الجيش هو الحل، وفق قول العماري.

وأوضح الإعلامي الليبي في ختام حديثه الحل بيد الليبيين وحدهم، فيجب عليهم أن يجتمعوا فيما بينهم داخل الأراضي الليبية، لبحث سبل الخروج من أزمتهم المتواصلة منذ سنة 2011، فهم الوحيدين القادرين على ذلك“.

رغم ضعف انتظارات الليبيين من مؤتمر باليرمو وما سيخرج عنه، فإنهم يأملون أن يتوصل مختلف الفرقاء السياسيين والعسكريين في بلادهم إلى حل في أقرب وقت، ينهي أزمتهم التي أثقلت حياتهم وأرجعتها كابوسًا يصعب العيش معه طويلًا.

***

عائد عميرة ـ محرر صحفي في نون بوست

___________

مواد ذات علاقة