بقلم كليف ستافورد سميث

من المحزن أن نقول إن الولايات المتحدة أخبرتنا أشياء متنوعة بشأن إساءة معاملة المعتقلين في سجن أبو غريب وغيره، لقد علمنا أيضًا بقصة حزينة أخرى عن تفاصيل مهمة بشأن أكبر قصة تعذيب لم نعلمها كاملة: قصة ابن الشيخ الليبي.

لسوء الحظ فالأخطاء الناجمة عن التعذيب تظهر بدرجات متفاوتة، عندما تعذب وكالة الاستخبارات المركزية أحدهم للاعتراف الخاطئ بجريمة ما فإن الرجل يعاني مرتين، أولهما بسبب إساءة المعاملة والتعذيب، وثانيهما عندما يُحبس المرء في ثقب أسود مثل غوانتنامو مع 40 رجلًا آخر لتستمر معاناتهم في هذا السجن الكوبي سيء السمعة.

ومع ذلك هناك جانب أكثر سوادًا لهذه الأسرار، فبعض المعلومات الاستخباراتية التي أدلى بها المعتقلون تحت التعذيب استُخدمت لتغيير سياسات الحكومة وبدء الحرب أيضًا.

قبل عدة سنوات أخبرني أحد موكليني في غوانتنامو شاكر عامر ما يعرفه عن الليبي، كان شاكر محتجزًا في قفص بقاعدة باغرام الجوية بأفغانستان عندما نقلوه إلى نفس الغرفة المحتجز بها الليبي، وهناك رأى شخصًا يعتقد أنه عميل بريطاني حاضرًا في أثناء التعذيب.

تابوت مغلق من أفغانستان إلى مصر

بعد فترة قصيرة في أوائل 2002 رآهم شاكر يحملون تابوتًا للخارج، واتضح أن الليبي بداخله لكنه ما زال على قيد الحياة وفي طريقه لمصر، حيث كلفت الولايات المتحدة عميلها المخلص الرئيس حسني مبارك بمهمة تعذيبه وصعقه بالكهرباء.

 أعرب بعض عملاء وكالة الاستخبارات عن شكوكهم بشأن تلك المعلومات

لم يكن من المستغرب أن يقول الليبي ما تود الولايات المتحدة سماعه بأن صدام حسين متحالف مع تنظيم القاعدة – ومؤخرًا تمكنت من الاطلاع على تقارير رُفعت عنها السرية من غوانتنامو حيث اعترف أحد المعتقلين تحت التعذيب بأن رجال صدام يطورون أسلحة دمار شامل.

عندما أدلى الليبي باعترافاته أول مرة، أعرب بعض عملاء وكالة الاستخبارات عن شكوكهم بشأن تلك المعلومات، لكن ذلك لم يمنع الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش من استخدامها في خطابه في أكتوبر/تشرين الأول 2002، أو يتحدث عنها وزير الخارجية كولين باول في خطابه سيء السمعة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في فبراير/شباط 2003.

وهكذا فتلك المعلومات الاستخباراتية المستخرجة تحت التعذيب لم تتسبب فقط في بقاء الليبي بالسجن، لكنها ساهمت بشدة في اتخاذ القرار بغزو العراق في العام الذي يليها، ونحن جميعًا نعلم الكارثة التي حلت بعد ذلك.

لكن ماذا حدث لضحايا التعذيب؟ في الـسنوات الأولى بعد أحداث 11 من سبتمبر/أيلول كنت أعمل على مشروع حاولت فيه أن أتتبع ما حدث لبعض الأشخاص المشهورين الذين اعتُقلوا في الحملة المسماة بـالحرب على الإرهاب“.

سجون أمريكية سرية

على الرغم من ظهور 760 سجينًا في غوانتنامو، فلم تظهر أي من الأسماء المشهورة لمدة طويلة، وسمعنا شائعات تقول إن الولايات المتحدة تمتلك سجونًا سرية مبعثرة بين المغرب وحتى بولندا.

في سبتمبر/أيلول 2006 ظهر عدد من المعتقلين المشهورين في كوبا ومن بينهم خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 من سبتمبر كما يقولون لكن ابن الشيخ الليبي لم يكن من ضمن الوافدين الجدد.

بعد ذلك علمنا ما حدث له، فقد أرسلوا الليبي إلى بلده ليبيا، وفي مارس/آذار 2004 كان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يصافح القذافي في خيمة بالصحراء، أما الليبي فقد كان هناك يواجه التعذيب وسوء المعاملة، وبضربة حظ تمكنا من الوصول إلى طريقة نرسل بها الخطابات إليه ونتسلم منه خطاباته، لكن هذا الباب لم ينفتح كثيرًا فقد أعلن القذافي أن الليبي مات منتحرًا.

لكن المشاهدين الساذجين فقط من يقتنعون بتلك الرواية، الحقيقة فقط أن هذا الرجل المسكين وضعوه في التابوت ثم إلى قبر حقيقي هذه المرة، لكن وفاته أثارت مشكلة، فلو أنه تعرض لمحاكمة حقيقة مرة واحدة لتسبب في إحراج الكثير من المسؤولين الكبار.

لقد علمنا أن الولايات المتحدة كانت مخطئة بشأن معظم الحقائق الأساسية، مثل إدارته لمعسكر تدريب القاعدة في أفغانستان، فهو لم يكن حتى داعمًا لأسامة بن لادن في حملته الإرهابية على مستوى العالم، كان هدفه فقط تحرير بلاده.

الأهم من ذلك أن تعذيبه لم يؤد كما في الحالات الأخرى – إلى محاكمة زائفة في محكمة الكنغر (محكمة صورية) بخليج غوانتنامو، لكنه تسبب في حرب كارثية كلفت مئات آلاف الأرواح وأدت إلى مزيد من الفوضى في الشرق الأوسط، لذا كان لا بد من اختفاء الليبي وكان القذافي مستعدًا للقيام بتلك المهمة.

من البديهي ألا نتعلم دروس التاريخ حتى نعلم ما حدث بالفعل، لكن عندما يتعلق الأمر بسوء إدارة من الحكومة فإن الحقيقة تبدو ساطعة مثل أشعة الشمس، ومع ذلك فهناك الكثير من القوى العظمى التي ترغب في إخفاء أسرارها القذرة، من بلير إلى بوش وغيرهم.

في الحقيقة بينما شكك البريطانيون بعض الوقت في تلك المعلومات وقالوا إن الأمريكان شبه المتحضرين بالغوا في تعذيبهم وترحيلهم للمعتقلين، إلا أن الاكتشاف الأخير بشأن معاملة الليبي وضع مسمارًا آخر في نعش هذه الكذبة، لقد كانت بريطانيا تعلم جيدًا ما يحدث حتى إنها سعت للاستفادة من القضية بإرسال محققين في غرفة تعذيب الليبي.

وفي النهاية فالحقيقة الكاملة ستنكشف فقط عند إجراء التحقيق القضائي الكامل الذي طال انتظاره، على النقيض من ذلك يقول بلير إن تحرير المعلومات كان أسوأ زلة في محاكمة فترة عمله، فقد كان يرغب في أن يتخذ المسؤولون قراراتهم بسرية تامة.

لكن ربما عندما تنكشف الحقيقة الكاملة، سوف يرى بلير أن التعذيب واستخدام معلومات استخباراتية جاءت نتيجة التعذيب لبدء حرب كارثية، هو الخطأ الأكبر حقًا.

***

ترجمة حفصة جودة من المقال الأصلي باللغة الانجليزية على موقع ميدل إيست آي

***

كليف ستافورد سميث ـ محامي دولي لحقوق الإنسان

__________

مواد ذات علاقة