بقلم علي عبداللطيف اللافي

تغيرت خارطة المشهد الليبي منذ لقاء باريس بين مختلف أطراف الصراع في نهاية شهر مايو الماضي، حيث تغيرت التحالفات سياسيا واجتماعيا وعسكريا في المناطق الثلاث.

كما أن ترتيبات الوضع قد تطورت بشكل شبه كُلي بعد اشتباكات طرابلس في نهاية أغسطس الماضي إضافة الى التأثيرات التي احدثتها أنشطة واتصالات وخطط مساعدة المبعوث الاممي والتغيير الحكومي الذي اجراه السراج على تركيبة حكومة التوافق الوطني وأيضا لنتاج مفاوضات مجلسي الأعلى للدولة والنواب، فما هي رهانات المكونات السياسية في المؤتمر ومآلاته المنتظرة في ظل واقع دولي واقليمي متقلب ومتطور دراماتيكيا؟

أولا: واقع التيارات الفكرية والسياسية ورهاناتها في باليرمو

1- الليبراليون

أحزب جبريل (التحالف): لا شك أن جبريل وبعض قياديي التحالف قد وعوا بطبيعة الرهانات المستقبلية والمآلات المنتظرة لمؤتمر “باليرمو”، ولكن مشكلة جبريل في التزاماته السابقة مع قوى إقليمية وعدم قدرته على تجاوز منطق التنظير السياسي للفعل المرحلي والميداني، واضافة الى كل ذلك في تعدد الدغماتيين في المجلس الوطني والمؤسسة التنفيذية لحزبه…

بالجبهة الوطنية: وهو حزب تطور من حيث الخطاب السياسي نتاج نهله من تجربة جبهة الإنقاذ، ولكن تعوزه القدرة على الحضور اللوجستي والميداني نتاج أن عناصره القيادية كانت معارضة في الخارج وتحملت تبعات فترة غيابها وانقسام جبهة الإنقاذ في أكثر من مرة، ومطلوب من الحزب اليوم حسن القراءة للواقع السياسي والاجتماعي في ليبيا قبل وبعد مؤتمر باليرمو..

تتجمع الوطنيون الاحرار: بعد خطوات ملموسة في التوفيق داخله بين أنصار التيار المحافظ وبين الليبراليين القريبين منه، تراجع دوره وانحسر اشعاعه خلال الفترة الماضية نتاج حسابات سياسية والخوف من تغير موازين القوى في هذا الاتجاه أو ذاك .

ثبعض مكونات أخرى: هناك حذر في الاصطفاف وفي اتخاذ المواقف السياسية خلال الفترة الماضية، وهو ما قلّص من تواجد أحزاب وتكتلات صغرى في الحياة السياسية ما بعد اشتباكات طرابلس الأخيرة، وهو أمر منتظر تواصله قبل وبعد المؤتمر الدولي.

2- أنصار النظام السابق

انصار النظام السابق، لم ولن يكونوا وحدة متكاملة من حيث الرؤى والتوجه والولاء أو من خلال رؤيتهم لمستقبل ليبيا، وهم اليوم مُشتتون ومُختلفون وقوتهم بشرية ومادية لوجستية، ويمكن الجزم أنه لا أمل لهم في إفشال التوافق الليبي رغم هامش قوة مقتدر ولكنه نسبي على إرباك الحكومة ما بعد مؤتمر “باليرمو”، و الأكيد أيضا أن قطاعات واسعة من أنصار القذافي مؤمنة حاليا بما قاله رجل المخابرات القوي في عهد القذافي عبدالله السنوسي لقبيلة المقارحة سنة 2015 في سجنه “عهد القذافي انتهى وولى ولن يعود وعليكم القبول بذلك والمشاركة في المسارات الجديدة”.

3- الإسلاميون

أالاخوان وحزب العدالة والبناء: وهم يتحركون منذ فترة حول ضرورات المرحلة وقد تم عقد جلسات ماراتونية خلال الأيام الماضية جرت خلالها نقاشات حول رهاناتهم خلال المرحلة القادمة ويقوم كل من احمد السوقي (المراقب العام) ومحمد صوان (رئيس حزب العدالة والبناء) بعقد لقاءات مكثفة مع نظرائهم في التكتلات والأحزاب السياسية، وأيضا مع أهم الفاعلين في الحزب والجماعة حول رهاناتهم في المؤتمر الدولي، وتحديد استراتيجيا للمرحلة القادمة وخاصة الاستعداد المرحلي للاستحقاقات القادمة.

بحزب الوطن: يمكن التأكيد أن فعل الحزب خلال المرحلة الماضية قد تطور سياسيا واجتماعيا وبالتالي جاهزيته للاستحقاقات الانتخابية القادمة، ومعلوم أن العديد من الفاعلين السياسيين يتواصلون مع قيادة الحزب بما فيهم الأطراف الليبرالية (البيان المشترك للحزب مع تحالف القوى الوطنية حول باليرمو) والقبلية المحسوبة على أنصار النظام السابق…

تالقوى الموسومة بالمحافظة: وهم أنصار المفتي وبعض الغاضبين من الاخوان والقيادات السابقة للمقاتلة، وهي أطراف مرتبكة في قراءة المرحلة ولم تستطع الاستفادة من التطورات الأخيرة ويقتصر كل فعلها على انتقاد فعل الاخوان وحزبي “العدالة والبناء” و”الوطن”، ولعل وجود حمزة أبو فارس في قائمة المدعويين رسالة مبطنة لهم بانهم غير مقصيين.

ثالتيارات الصوفية: هناك إعادة تشكل وبروز وبحث عن توظيف المرحلة على غرار نشاط ما يعرف بمجلس التصوف السني.

ثانيا: المشهد السياسي غداة مؤتمر باليرمو

أ بغض النظر عن التجاذبات وصعوبة المهمة بالنسبة للسراج أو من سيخلفه على رأس الحكومة الانتقالية بعد مؤتمر “باليرمو” والتي من المنتظر ان تنحصر بين رجل الاعمال أسامة عثمان الصيد والسفير الليبي في الأردن محمد حسن البرغثي.

ب بالنسبة للبعثة الأممية وخاصة بعد افادة سلامة مساء الخميس الماضي امام مجلس الامن، وبناء على تعقد تفاصيل المشهد الليبي ومفرداته العديدة والمتعددة غداة المؤتمر الدولي، فانه لابد لها من إعادة قراتها للواقع الليبي على الأرض وخاصة على مستوى حفظ الاستقرار والوقوف على الحياد بين جميع مكنات المشهد السياسي والحضور في مشاغل المناطق الثلاث.

ت يمكن التأكيد على أن نجاح التوافق الليبي أمر محسوم بينما عمل الحكومة سيعرف صعوبات عدة ومزالق عديدة وتحديات كبرى وعوائق لا تحصى ستسعى أطراف عدة إقليمية وربما دولية إضافة إلى أطراف في الداخل الليبي، إلى العمل على توسيعها وتضخيمها، حيث أن تلك الأطراف ستلعب كل ما بقي لها من أوراق لإفساد المشهد الجديد غداة المؤتمر الدولي وخلط الأوراق وإعادة الأمور للنقطة الصفر، أو ربما أعقد مما كان عليه الوضع في صائفة 2014.

ث الأكيد أيضا أن تطورات المشهد الإقليمي وطبيعة الموقع الجغرا – سياسي لليبيا وقربها من السواحل الأوربية وطبيعة التحديات الاقتصادية في دول الجوار الليبي ستدفع الجميع نحو الدفع لإنجاح عمل حكومة ما بعد مؤتمر “باليرمو” بل ومساعدتها في تنفيذ برامجها وإجراء انتخابات تغلق باب الصراعات الميدانية والعسكرية.

ج السلطة التنفيذية والانتقالية الجديدة ستواجه تحديات جسيمة على المستوى الأمني وبناء وقيادة المؤسسات السياسية والعسكرية وترتيبات الحدود مع الدول المجاورة والعمل على إنهاء الصراع في الجنوب (أساسا بين التبو والطوارق.

ح أمل الشركات العابرة للقارات في الاستثمار في ليبيا ورغبة عديد العواصم الكبرى في إعادة النشاط لسفاراتها في طرابلس من أجل الظفر بعقود لكبرى شركاتها في المستقبل، سيكون عاملا مهما ورئيسيا في الدفع نحو خارطة سياسية وامنية لإجراء الاستحقاقات الانتخابية قبل نهاية ربيع 2019 .

خلاصة

مستقبل ليبيا بعد 13 نوفمبر/تشرين الأول المقبل، لن يكون الا واعدا من أجل عودة الوئام بين الليبيين حتى يتمكنوا من إجراء مصالحة شاملة وعادلة تدفن آلام الماضي وتوقي الصعاب عبر تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تنهي المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة تقنع الجميع في الداخل والخارج وتكون منطلقا لإعادة بناء المؤسسات الدستورية وحتى يهنأ الليبيون كل الليبيين بغض النظر عن أحزابهم وقبائلهم ومدنهم وانتماءاتهم الفكرية والمذهبية والسياسية.

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي تونسي مختص في الشؤون الافريقية

_____________

المصدر: المغاربي للدراسات والتحليل

مواد ذات علاقة