بقلم على رمضان أبوزعكوك

من المثير للانتباه لأي مراقب أنه عندما عُقد مؤتمر حول مستقبل بلدنا ليبيا في إيطاليا، المحتل الاستعماري السابق، لم يكن هناك علم ليبي واحد في الأفق.

وهذا لا يعني شيئاً إذا أضفنا إليها الدعوة التي وجهت إلى أمير الحرب الجنرالحفتر، الذي جعل من وجوده القصير في باليرمو استهزاءً بعملية السلام، وبمضيفيه وبضحاياه العديدين في شرق ليبيا.  

لكن الدول الغربية، رغم أخطائها، لا يزال لديها دور تلعبه.  وليبيا يمكن انقاذها. ولكي يحدث ذلك، يجب تهيئة الظروف للديمقراطية بأن تترسخ أقدامها في ليبيا، ولذا يجب اتخاذ موقف من أولئك الذين يظهرون احتقارا لها ومحاسبتهم.

لقد عشت فترة من الزمن تحت نظام القذافي السيء. عندما كنت أدرس بالجامعة الليبية بنغازي في أوائل السبعينيات. وقد تعرضت مثل كثيرين آخرين، للسجن والتعذيب، ومثل العديد من الآخرين فقد كنت أطمح في أن يساعد تدخل الأمم المتحدة وحلف الناتو سنة 2011 في تسهيل وتهيئة الظروف التي من خلالها تبدأ ليبيا الحرة مسيرتها الديمقراطية.

لكن الذي حصل في أعقاب التدخل هو ظهور فراغ في السلطة، مما مكن ملؤه على الفور من قبل عناصر من الدولة العميقة التي أنشأها القذافي.  وظهرت شخصيات طالما عملت في سلطة القذافي عملت على استغلال الفرصة للاستيلاء على السلطة.  

كانوا معروفين لأي شخص يعمل في مجال السياسة الليبية: فـ خليفة حفتر، كان من العناصر التي شاركت في انقلاب القذافي في سبتمبر 1969. ومصطفى عبد الجليل – كان وزير عدل القذافي. ومحمود جبريل – كان من رجال القذافي، وكثيرين غيرهم.  

والأمر الذي كان واضحًا هو أن القوى الغربية المتدخلة ربما ساعدت في إخراج القذافي من السلطة، ولكنها تركت أيضًا مساحة مكنت للعناصر القذافية أن تهيمن علي البلد باسم آخر، وهي مساحة استطاع فيها الأيديولوجيون السابقون الذين ازدهروا خلال فترة حكمه من الدخول فيها.

والآن، وبعد سبع سنوات عجاف، يتم التحكم على مساحات شاسعة من الهلال النفطي، قلب البلاد الاقتصادي، برجل لا يؤمن بالديمقراطية أو بالحرية–  كما يسيطر على شرق ليبيا،  وهو رجل لا يؤمن إلا بالسيطرة العسكرية على البلاد، وبأي ثمن، وهو المدعو خليفة حفتر، الرجل الذي عرفته منذ أكثر من 20 عاماً.  

وبمساعدة من الخارج استطاع أن يضع المدن الكبرى شرق ليبيا: بنغازي ودرنة تحت السيطرة الخانقةوتحت ادعائه بأنه يناضل في سبيل حرية، في مواجهة قوي التطرف مثل تنظيم الدولة ومحاربة ما يسميه الإرهاب‘.  ولكن  البطولة الحقيقية كانت لسكان درنة، وليست لحفتر، فقد استطاعوا هزيمة تنظيم الدولة وطرد عناصره من مدينتهم.

ومن المعروف والمؤكد أن العشرات من المركبات التابعة لتنظيم الدولة التي هزمت في درنة وأجليت منها قد سافرت لأكثر من 800 كيلومتر عبر المناطق التي كانت تحت سيطرة حفتر أثناء انسحابهم إلى سرتوحفتر لم يوقفها أو يطلق عليها رصاصة واحدة.  

وفي الواقع إنه قام في بتشديد الحصار على درنة مدينة أصهاري، وبخنقها ثم بالدخول إليها، حيث قتل المئات من السكان المدنيين، بمن فيهم الأطفالوفي الوقت الذي يدعي فيه حفتر أنه يناضل من أجل الحرية، فإنه يحض ميليشياته التي يطلق عليها الجيش الوطني الليبيلتنفيذ عمليات القتل خارج نطاق القانون‘. 

وقد رأينا عندما استولت ميلشياته على بنغازي، كيف كان أفرادها يمثلون بجثث مقاتلي المعارضة. وهؤلاء هم من الرجال الذين اتهمتهم هيومن رايتس ووتشبارتكاب جرائم حرب؛ ولا تزال بنغازي ودرنه تحت الحصار، وقد قصفت الأحياء السكنية بالمدافع، ويعيش سكانهما على حافة كارثة إنسانيةولا يمكن لأي متابع ذو ضمير تجاهل هذه الجرائم.  

ومن العجيب أن يجد الإنسان مجرم الحرب هذا يتلقى الدعوة للجلوس مع رؤساء الدول المنتخبة ديمقراطيا، هذا الرجل الذي تحول لحظة سقط من منظومة العاملين للقذافي إلى متعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.  وكيف أصبح بعد ذلك يستقبل من مؤسسات دولية.  

فكيف يمكن أن يعتقد الشعب الليبي في قبول نتائج مثل مؤتمر باليرمو.  أو كيف يقبل أعضاء منتخبون من مجلس الدولة” (المؤتمر الوطني العام السابق) وأعضاء من مجلس النواب، الجلوس إلى جوار قاتل وسفاح، ومع عنصر متمرد على شرعية الدولة ولا مصلحة له في السلام؟

ويجب على الغرب أن يستيقظ. فحفتر ليس صديقاً لهم وهو ليس صديقاً لليبيا، وكل جزء يمكن أن يعطيه شرعية يجعل من الصعب تسليط الضوء على ما تقوله المؤسسات القانونية في ليبيا عن جرائم الحرب الذي ارتكبها حفتر وميليشياته.

وحفتر كان على مدى أربعة عقود، موجودًا على هامش السلطة. وهو الآن يرى فرصة لأخذها لنفسه بالقوة.  ويدعي أنه يؤمن بالانتخابات الحرة، بينما تصرفاته ونظرته وسلوكه تقول عكس ذلك تماما. ولدى الولايات المتحدة على وجه الخصوص الكثير لتكسبه إذا ما قررت أن تجعل ليبيا مثالا جيدا للتغيير الناجح.  

فبعد الدعم الفاتر للديمقراطية التي انبثقت في ليبيا من الدول الغربية بعد إزالة القذافي، هناك حاجة للقيادة الأمريكية لجعل هذا التحول الديمقراطي ممكنًا.  فليبيا بحاجة ماسة إلى مساندة المجتمعات الديمقراطية في العالم لوقف تدخل مصر، والإمارات وقوى الشرق الأوسط الأخرى في الشؤون الداخلية.

ويتوق الشعب الليبي إلى الانتقال السلمي وإلى بناء حكومة مدنية ديمقراطية، تتيح لليبيين التمتع بموارد بلدهم. وقد لعبت الولايات المتحدة دورا محوريا في نجاح الثورة الليبية سنة 2011، وقد حان الوقت لمساعدة ليبيا على النجاح الآن.

فالديمقراطية هي الحل، والجنرالحفتر يقف عقبة في طريق هذا التحول. ويجب ألا يكون هناك مزيد من الحكم العسكري في ليبيا: كما يجب أن يتم انتخاب الهيئات التنفيذية والتشريعية من قبل الشعب من خلال العملية الدستورية الشرعية.

ولتحقيق النجاح للانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2019 فإنه يجب على مجلس النواب أولا الموافقة على اصدار قانون الاستفتاء على مسودة الدستور، والتي من شأنها دعم النتائج. ولكي يتم الاستفتاء بنجاح، تحتاج ليبيا إلى ضمان أمن وسلامة البلاد من الجهات الدولية الفاعلة، لجعل حفتر عاجزًا عن التأثير في العملية الديمقراطية.

وبعد ذلك، وعندها فقط، يمكننا البدء في إجراء انتخابات في المناطق التي تتمتع بأقصى درجات الأمن، مثل طرابلس، والمناطق الأخرى بعد ذلك.  وستكون عملية بطيئة وأحيانًا محبطة.  ولكن ما دام لدينا دعم وتطمينات قوية من الغرب، بأن يوضع مجرم الحرب تحت السيطرة. فإن الديمقراطية في ليبيا ستظل في وضع يسمح لها بأن تزدهر وتنتشر وأن تتجذر في جميع أنحاء البلاد.

***

علي رمضان أبوزعكوك هو وزير الخارجية السابق للحكومة الليبية التي أعقبت القذافي. وهو رئيس المجلس الليبي الأمريكي للشؤون العامة (لاباك) بواشنطن.

***

The Hill المقالة نشرت بصحيفة في واشنطن بتاريخ 21 نوفمبر 2018

______________

مواد ذات علاقة