بقلم محمد عمران كشادة

لقد كان موقف الجزائر واضحا  منذ تفجر ثورة 17 فبراير في عام 2011م،  فهي  ترفض التدخل الأجنبي في الشأن الليبي لأنها تعلم مسبقا ماذا ستكون عواقبه.

وعندما احتدم الصراع في ليبيا بين الفرقاء السياسيين الليبيين وتدخلت اطراف دولية وإقليمية لتغذية الصراع، كان موقف الجزائر ثابتا لم يتغير، لا للتدخل الأجنبي في ليبيا، وأيدت الجزائر الحل السياسي،  ونحن نعلم جيدا بأنه لولا موقف الجزائر الرافض للتدخل الأجنبي والإقليمي في الأزمة الليبية لكان الأذى الذي تعرضنا له من الجارة الكبرى مصر أضعافا مضاعفة مما نراه الآن.

  في 20 فبراير عام 2015م وجّهت الجزائر رسالة قوية إلى النظام المصري، وأعلنت عن رفضها لأي  تدخل عسكري في ليبيا، ورفضها رفع  حظر بيع السلاح إلى ليبيا ، كان ذلك في أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقد في الجزائر بين  وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمضان  العمامرة، ووزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في العاصمة الجزائرية، تصريحات العمامرة كانت واضحة .

وأضاف العمامرة بقوله: “إن التدخل العسكري أو تزويد الأطراف الليبية بالسلاح، أمران لا يشجعان الحل التوافقي المنشود، ونحن لا نؤمن بالحل العسكري، ولا نعتقد أن تصعيد الوضع من خلال التزويد بالسلاح أو إجراءات من هذا القبيل قد يُشجّع على تحقيق التهدئة للتوصل إلى الحل التوافقي الذي ما فتئنا ننشده”.

مصر و الإمارات دعموا مشروع العسكر في ليبيا، فكانوا سببا مباشرا في تأجيج الصراع وسفك الدم الليبي، الجزائر كانت وما تزال أكثر عقلانية في تعاملها مع الأزمة الليبية، لا يمكن لأشقائنا في الجزائر أن يتنكروا لحقائق التاريخ والجغرافيا والعلاقات الأخوية بين الشعبين الليبي والجزائري، 1200 كم من الحدود المشتركة بين ليبيا والجزائر والتي صنعها الاستعمار لم تكن يوما عائقا بين تفاعل الشعوب وتعاونها ومناصرتها لبعضها البعض وقت الحروب والأزمات.

أحداث الثورة الجزائرية العظيمة في عام 1954م  تثبت ذلك، لقد تشكلت لجنة مناصرة الشعب الجزائري في ليبيا ،  وتبرع أعيان ليبيا وكل فئات الشعب الليبي بالمال وكل أشكال المساعدات  لدعم الثورة الجزائرية، كما تبرعت  النساء في ليبيا بالذهب لنصرة الشعب الجزائري في ثورته على الاستعمار الفرنسي، واحتضنت طرابلس مقر قيادة الثورة الجزائرية، وعقدت في طرابلس ثلاثة مؤتمرات لقادة الثورة الجزائرية، وكان السلاح يأتي من مصر ويمر عبر الأراضي الليبية وينقل إلى الجزائر لدعم صمود الثوار.

  لقد جسدت نصرة الشعب الليبي للجزائر صورة مشرقة للتلاحم الأخوي والمصير المشترك.

يوسف مادي أحد رجالات ليبيا الوطنيين وتاجر الاحذية الشهير في طرابلس قدم دعم كبير للثورة الجزائرية، لقد قام ببناء مدارس وبيوت لإيواء أبناء شهداء الثورة الجزائرية في ليبيا، حتى لقبه الجزائرون بلقب بابا يوسف، وكان السفير الليبي في باريس مصطفى بن حليم وبتعليمات من الملك إدريس يقدم دعم سياسي كبير للثورة الجزائرية، وقد بذل جهود كبيرة للافراج على احمد بن بلة ورفاقه من قادة الثورة.

قصص بطولية كثيرة جسدت دعم الليبيين لاشقائهم في الجزائر ،  نحن في ليبيا نشعر بالرضا عن  المواقف التي تتخذها الجزائر تجاه الازمة الليبية، عندما ترفض الجزائر عسكرة الأزمة الليبية وإراقة دماء الليبيين، وعندما تقدم الجزائر الدعم الإنساني لبعض المدن الليبية على الحدود الليبية الجزائرية، كما فعلت في  يناير ونوفمبر عام 2017م، كل تلك المواقف   يسجلها التاريخ وتؤكد بأن الجزائر حكومة وشعبا كانت في مستوى التحديات.

ونتسال اليوم وكلنا ثقة بان الاجابة عندما ينطق بها اشقاؤنا في الجزائر لن تكون مخيبة لآمالنا، نتساءل..

ما هو موقف الجزائر من الصراع الفرنسي الإيطالي على النفوذ في ليبيا؟؛

وهل لدى الجزائر استراتيجية لمواجهة تداعيات وأخطار هذا الصراع؟؛ 

وهل لدى الجزائر إرادة سياسية للتحالف مع الدولة الليبية لمواجهة هذا الصراع ولعبة الأمم الكبرى التي بدات تدق طبول الحرب على الأرض الليبية؟.

الصراع الفرنسي الإيطالي على النفوذ في ليبيا ليس خافيا على أحد، وبدأ يأخذ أبعادا خطيرة، وليست ليبيا وحدها من ستحترق بهذا الصراع الذي سيفتح بلا شك أبواب المنطقة بأسرها أمام  موجة استعمارية جديدة، قمم روما وباريس وباليرمو المتتالية  بشأن الأزمة الليبية،  تؤكد قوة الصراع والتنافس بين إيطاليا وفرنسا على النفوذ في ليبيا، ما أن تعقد قمة في باريس حتى تثير حفيظة ايطاليا ونرى قمة أخرى في روما، إنه صراع النفوذ والاقتصاد والشركات الكبرى العابرة للحدود والقارات.

ومما يؤكد أيضا التنافس  الشديد بين إيطاليا وفرنسا على النفوذ في ليبيا نجد  الإيطاليين، وهم  يلحون باستمرار خاصة في الآونة الأخيرة على حصر المبادرات الرامية لحل الأزمة الليبية في يد البعثة الأممية دون غيرها، وهذا ما ترفضه فرنسا،  مؤكد بأن الايطاليين، هم أيضا  قد أغضبوا فرنسا  عندما احتضنوا مؤتمرا للمصالحة  بين قبيلتي  التبو وأولاد سليمان  في  روما في مارس عام 2017م، لقد تجاهلوا أهمية فزان بالنسبة لفرنسا.

  بل إن الإيطاليين، قد ذهبوا لأبعد من ذلك حين وقعوا اتفاقية  مع النيجر في أبريل عام 2017م،  للحد من ظاهرة  الهجرة غير الشرعية، وقد رصدوا لها حوالي 50 مليون يورو، إنهم يتحركون في منطقة لا تريد فرنسا بأن ينافسها فيها أحد، إفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل الإفريقي، حيث أعادت فرنسا نشر قواتها منذ تدخلها في شمال مالي في يناير  عام2013م، وفي إفريقيا الوسطى في ديسمبر عام 2013م،  هي بلا شك منطقة نفوذ فرنسي بامتياز.

في مطلع يوليو عام  2018م ذكرت صحيفة الجورنال الإيطالية؛ بأن وزيرة الدفاع الإيطالية وجهت تحذيرا للحكومة الفرنسية فيما يخص تدخلها في الشأن الليبي، مشيرة أن الدونا إليزابيتا ترينتا قالت: “أن إيطاليا هي الدولة القادرة على قيادة الدولة الليبية، مؤكدة أن القيادة بيد  إيطاليا فيما يتعلق بالحالة الليبية“.

  وأشارت الوزيرة في تصريحات سابقة على هامش الاجتماع الوزاري بمقر الناتو في بروكسل بأنه؛  هناك التزاما واضحا من قبل إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال الأنشطة الرامية إلى إحلال الاستقرار، لا سيما في مناطق المتوسط ، وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، كما أن إيطاليا ستبقى حاضرة ضمن حلف شمال الأطلسي، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

فإذا كان الصراع في ليبيا قد أدى إلى تداعيات خطيرة على الأمن القومي لكل دول الإقليم خاصة الجزائر التي وجدت نفسها تتحمل عبءً كبيرا لتأمين الحدودين ، خاصة في ظل تنامي الجريمة المنظمة ، وتهريب السلاح ، والهجرة غير الشرعية ،  ونشاط الجماعات الارهابية التي شنت هجوما إرهابيا في يناير عام 2013م على مصفاة عين اميناس في جنوب الجزائر، فإنه بلا شك ستكون هناك  تداعيات كبرى  إذا استمر الصراع في ليبيا  وانهيار الدولة بحيث يشتد التنافس الفرنسي الإيطالي على النفوذ في ليبيا.

إن الأشقاء في الجزائر لا يمكن أن يغمضوا أعينهم  عن ما يجري في ليبيا من صراع وتنافس بين الدول الكبرى، الأمريكيون يقومون ببناء اكبر قاعدة في منطقة الساحل الإفريقي في أغاديس شمال النيجر  وبتكلفة 110 مليون دولار، وموقع بناء القاعدة يؤكد نيتهم منافسة النفوذ الفرنسي في المنطقة، والأمريكيون يعرفون ماذا تعني فزان بالنسبة لفرنسا، نحن في ليبيا ندرك  ماذا تعني فزان بالنسبة  للأمن القومي للجزائر، ولا يمكن أن نواجه بمفردنا هذه الهجمة الشرسة والأطماع للدول الاستعمارية.

نريد من الأشقاء في الجزائر أن يقدموا دعم أكبر للثورة الليبية، ولدينا كثير من التحديات المصيرية التي يجب أن نواجهها معا، خاصة في منطقة الساحل الإفريقي التي تشهد انتشارا كبيرا للقوات الفرنسية وعلى مقربة من حدودنا، وتهدد أمننا القومي في ليبيا والجزائر.

وفي عصر يشهد تطورات اقتصادية هائلة، ومشروعات عملاقة خاصة في مجالات  نقل النفط والغاز، وانشاء السكك الحديدية لنقل البضائع وتنمية التجارة البينية والدولية، مثل مشروع الصين الضخم مبادرة  الطريق والحزام، فإننا بحاجة لتنسيق الجهود مع أشقائنا في الجزائر، والاستثمار في كل المشروعات محليا وإقليميا، وراء حدودنا قارة بكر غنية بالثروات، ويجب أن لا نتركها فريسة سهلة للدول الاستعمارية التي لم تتوقف عن نهب القارة منذ عصر الاستعمار .

***

محمد عمران كشادة ـ صحفي وكاتب من ليبيا

____________

مواد ذات علاقة