بقلم إدوارد جوزيف

حان الوقت أن تضع الأمم المتحدة استراتيجية جديدة لإرساء الاستقرار في ليبيا، وإشراك كافة الطوائف الليبية ووضع ميثاق جديد يعكس توقعات ومطالب الشعب الليبي، ويضمن دعم المؤسسات الدولية الليبية والشفافية على المستويين المحلي والوطني.

إنه على عكس الساسة والعسكريين، إلا أن هناك اتفاقًا ملحوظًا بين غالبية الليبيين على ثلاثة مطالب محددة باعتبارها سبيلًا للخروج من الأزمة الراهنة، أهمها التوزيع العادل للثروة النفطية وضمان الشفافية فيما يخص النفقات الحكومية.

إن آخر المحاولات الدولية لإصلاح الوضع في ليبيا كان مؤتمر باليرمو الذي استضافته إيطاليا منتصف الشهر الماضي، لكن المؤتمر انتهى دون التوصل إلى اتفاق نهائي، ولم يشهد سوى تقدم ضئيل على مستوى مجموعات العمل الخاصة بالأمن والاقتصاد.

الملتقى الوطني

لكن الإنجاز الوحيد الذي خرج به المؤتمر هو الاتفاق حول تنظيم الملتقى الوطني الليبي (المؤتمر الجامع) بداية العام المقبل، على أن يكون المؤتمر تمهيدًا لإجراء الانتخابات الوطنية، المقررة في يونيو 2019.

الدرس المستفاد من مؤتمر باليرمو والمؤتمر الذي سبقه في باريس، هو أن «إجبار الأطراف الليبية المتنافسة على اتفاق، أو على إجراء الانتخابات، أمرغير مجدٍ. فكثير من الأطراف الليبية تستفيد من الوضع الفاسد القائم، وبالتالي لا يوجد حافز يدفعهم للمضي قدمًا نحو الإصلاح أو إجراء الانتخابات».

إن تغير تركيز المبعوث الأممي غسان سلامة على العمل مع القيادات الشعبية للخروج من الأزمة، بدلًا من اقتصار العمل على القيادات العليا، جدير بالثناء. فبدلًا من الالتزام بالوساطة غير المثمرة على المستويات العليا، قرر سلامة وزملاؤه انتهاز الفرصة وإرساء الاستقرار في ليبيا، باتباع نهج أسفل إلى أعلى، لكن التحدي الذي يقف أمام سلامة هو كيفية استغلال طاقة وحماس المشاركين الليبيين وتحويلها إلى خطوات عملية من شأنها المساهمة في إرساء الاستقرار.

هدف الأمم المتحدة هو الاستفادة من تنظيم الملتقى الوطني للضغط على الحكومة الموقتة في شرق ليبيا للموافقة على مشروع الدستور وإقرار القوانين اللازمة لإجراء الانتخابات.

قد يحجم المشاركون من الشعب الليبي عن هذا الاتجاه. كما أن توجيه التركيز إلى الشرق يعزز الشعور بالعزلة في مدن طبرق والبيضاء وبنغازي وغيرها من المدن الشرقية، وهو الشعور الذي فاقم الخلاف بين الحكومتين المتنافستين في المقام الأول.

ميثاق دولي جديد

إن النهج الأفضل هو وضع ميثاق دولي بمشاركة كافة أطياف الشعب الليبي يعكس مطالبهم، ويضمن الدعم للمؤسسات المحلية، فالأمم المتحدة تعي تمامًا أولويات الشعب الليبي ومطالبه، وكيفية تنفيذها، في إشارة إلى جهود مركز الحوار الإنساني، المدعوم من الأمم المتحدة، للتواصل مع أكبر قدر من الليبيين، ونجاحه في التواصل مع حوالي 1.8 مليون ليبي في مختلف المدن والأقاليم.

ونشر مركز الحوار الإنساني، نهاية الشهر الماضي، تقريرًا حول النقاشات التي أجراها في ليبيا، وتوصل إلى أن هناك «اتفاقًا بالإجماع» بين الليبيين فيما يخص السلطة وتوزيع الثروات، وهما من مسببات الصراع الرئيسية، في تناقض صارخ مع زعمائهم من السياسيين.

وأظهر التقرير أن الليبيين لهم ثلاثة مطالب محددة، هي وضع نظام لامركزي فعال، وضمان الشفافية في إدارة المؤسسات الاقتصادية السيادية والثروة الوطنية، والتوزيع العادل للموارد الوطنية.

هناك ضرورة لإيجاد السبل المناسبة لتلبية المطالب الثلاثة مما يضمن إرساء الاستقرار وإنهاء الأزمة السياسية في أسرع وقت.

سلطة لامركزية

إن حل قضية التركيز المكثف للسلطة في طرابلس، وهو أحد مطالب ثورة العام 2011، أمر لا مفر منه، مشيرًا إلى أن الأجسام المحلية هي الهيئات الوحيدة القادرة على توفير الخدمات نظرًا لانهيار مؤسسات الدولة إبان الحرب الأهلية التي اندلعت العام 2014.

إن تركيز الأمم المتحدة على دعم حكومة الوفاق الوطني، سيئة الإدارة، بدلًا من توجيه الدعم الدولي لصالح الإدارة المحلية، رغم اعتمادها بالكامل على اعتراف الأمم المتحدة، حرمت حكومة الوفاق بعض البلديات والمجالس المحلية من الموارد».

بعض المسؤولين الأميركين أقروا بأن فائز السراج تخلى صراحة عن أي مسؤولية لتوفير الدعم المالي للمجالس البلدية، وعمل المجلس الرئاسي نيابة عن بعض المقربين من أعضائه، ومرر قوانين تسمح لبعض الكتل الحزبية بالسيطرة على المجالس البلدية وإقصاء الأقليات والمنافسين».

«تبديد» الثروة النفطية

وفيما يخص الثروة النفطية الهائلة التي تملكها ليبيا، هناك تبديد للثروة النفطية المتراكمة بسبب الفساد، والأجور المدفوعة للعدد الهائل من الموظفين المدرجين على قوائم رواتب القطاع العام، كذلك الأجور المدفوعة إلى المجموعات المسلحة مقابل توفير الحماية والأمن.

إن دفع رواتب إلى المجموعات المسلحة مقابل الأمن ضربًا من العبث، وظهر ذلك جليًا في الاشتباكات الأخيرة التي ضربت العاصمة طرابلس، أغسطس الماضي، حينما اشتبكت مجموعات مسلحة في مواجهات عنيفة سعيًا للسيطرة على مصادر الثروة وموارد الدولة.

هناك صعوبة لتحقيق سلام وأمن دائمين في ليبيا، رغم تعهدات القوى الغربية بتدريب القوات الأمنية الليبية، مع الاستمرار في دفع رواتب لمنتسبي المجموعات المسلحة، وهي مجموعات غير خاضعة لأي نفوذ من الحكومة الليبية.

إن خضوع الدولة لمثل تلك المجموعات، يمثل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق تقدم سياسي. أما قائد الكرامة المشير خليفة حفتر والقوات التابعة له فهو يرفض وضع الجيش تحت قيادة حكومة مركزية في طرابلس تعتمد بدورها على فصائل مسلحة، لها ميول إجرامية ومتشددة. وعندما سيطر حفتر على موانئ الهلال النفطي رفض في بادئ الأمر تسليمها إلى مؤسسة النفط في طرابلس، مبررًا موقفه بمنع الإرهابيين من الاستفادة من العائدات النفطية».

التوزيع العادل للعائدات النفطية

وفي ظل اعتماد الحكومة بنسبة 92% على عائدات النفط، حذر البنك الدولي من أن اضطراب العائدات يعني استنفاد الاحتياطات الأجنبية. كذلك تعاني البنية التحتية للقطاع النفطي حالة من انعدام الأمن، وهي عرضة لاضطرابات الإنتاج والتخريب وهجمات المجموعات المسلحة المتكررة.

إن التوزيع العادل للعائدات النفطية بين الأقاليم والمدن الليبية ينهي الأزمة السياسية، ويمهد الطريق أمام عودة الاستثمارات الأجنبية وإجراء عمليات الصيانة اللازمة لتعزيز الإنتاج وزيادته إلى المستويات الأعلى له.

التوصل إلى اتفاق شامل حول توزيع العائدات النفطية يمثل تحديًا أمام القادة السياسين، إلا أن السبيل للمضي قدمًا هو ضمان درجة أكبر من الشفافية فيما يخص النظام القائم لتوزيع العوائد المالية والنفقات الحكومية، وهو ما يضمن أيضًا تحقيق تقدم على الصعيد السياسي.

استراتيجية جديدة

من الضروري أن تستجيب الأمم المتحدة لمطالب الشعب الليبي، وإعداد استراتيجية جديدة لإرساء الاستقرار في ليبيا، واتباع مسار جديد يشمل ممثلين عن كافة الطوائف والمجالس المحلية والبلدية، مع ضمان الشفافية على المستوى الوطني.

ومن شأن هذا المسار أن يعزز نفوذ وسلطة رؤساء المجالس البلدية والمحلية في ليبيا، وبإمكان هؤلاء كسر الجمود السياسي الراهن عبر كتابة دستور موقت يتسم بالشرعية يكون أساسًا للعملية الانتخابية على المستوى الوطني.

فعلى عكس غالبية القادة السياسيين، إن رؤساء المجالس البلدية يتمتعون بقدر من الشرعية، فجميعهم منتخبون من الشعب نفسه. ونجحت ثلاث بلديات في إجراء الانتخابات هذا العام دون حادث واحد، والتحضيرات قائمة لإجراء الانتخابات في سبعين بلدية أخرى خلال العام المقبل.

وبالمقارنة بين الانتخابات على المستوى الوطني أو مستوى البلديات، تأتي العملية الأخيرة أقل إثارة للخلاف، وتجرى في تواريخ مختلفة، وتتركز حول الخدمات وليس قضايا خلافية مثل الهوية أو نزاع القوة بين الأقاليم.

كما أن رؤساء المجالس البلدية هم الأكثر قدرة على توفير الخدمات للمواطنين، وهم على تواصل مباشر مع الناخبين، ما يجعلهم النماذج المثالية الأقدر على تحديد مطالب المواطنين. ولهذا فعلى الأمم المتحدة تقديم الدعم الكافي للمجالس البلدية، والضغط على المجلس الرئاسي لتحرير الميزانية المقررة لكل بلدية.

كما ينبغي على الأمم المتحدة احترام مطالب الليبيين بضمان الشفافية على المستوى الوطني، والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني لوضع مبادرة للشفافية شاملة هدفها عرض كافة صفقات النفط وخطابات الائتمان والنفقات الحكومية على الموقع إلإلكتروني للحكومة لتكون متاحة للجميع.

ويمكن للبعثة الأممية أيضًا العمل مع ديوان المحاسبة لضمان الامتثال لمبادرة الشفافية، ودعم التحقيق في التحويلات والمعاملات المالية المشبوهة، إلى جانب العمل مع المحاكم الليبية والهيئات القضائية لضمان محاسبة المسؤولين.

وتوصي الأمم المتحدة بتطبيق نظام للتسجيل في ليبيا، تقوم بموجبه المجموعات المسلحة بتوفير البيانات الخاصة بقياداتها ومنتسبيها ومناطق عملياتها ومصادر أسلحتها، لضمان الحصول على الرواتب من الحكومة. ويمكن للفصائل المسلحة التي تبادر بتسجيل كافة المعلومات المطلوبة فرصة الإندماج في قوات غير رسمية برواتب أعلى ومميزات أكبر.

(ترجمة وتلخيص هبة هشام ـ بوابة الوسط)

***

إدوارد جوزيف ـ هو أستاذ مساعد وزميل أقدم في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأميركية للدراسات الدولية

________________

مواد ذات علاقة