بقلم خالد الفرجاني

يعتقد كثير من الناس أن مشكلة ليبيا تتلخص في الأزمة السياسية والانقسام والإرهاب وتأخر توحيد المؤسسات واعتماد الدستور وغير ذلك من المشاكل التي تتصدر عناوين الأخبار ومقالات الكتاب ومنشورات نشطاء ليبيا على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الحقيقة مختلفة بشكل كامل.

مشاكل ليبيا كثيرة جدا، تسبب نخرا في قواعد البلد وأساسات الدولة والقاعدة الشعبية العريضة من الناس، وهذا الأمر خطير جدا يهدد مستقبلنا ومستقبل الأجيال المقبلة، ولكن للأسف لا توجد رغبة حقيقية على المستويين الشعبي والرسمي لإيجاد حل لهذه المشاكل كما أن دور النخب والقادة المجتمعيين غائب أيضا في هذا الإطار، وسوف أحاول في هذه التدوينة أن أسلط الضوء على بعض هذه المشكلات سالفة الذكر.

المشكلة الثقافية

ثقافتنا في ليبيا بحاجة إلى علاج بالتأكيد، وأنا أتحدث هنا مثلا عن ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر، وثقافة التعايش والمنطق، هذه الأمور نفتقر إليها بشكل كبير جدا، وللأسف فنحن نبالغ في ثقافة الكراهية والعنف والمبالغة والعواطف، وهو أمر سلبي آخر.

مشاكلنا الثقافية في ليبيا تحتاج جهدا كبيرا، في الأوساط الاجتماعية وعلى مستوى القادة المجتمعيين، مثل الخطباء والشخصيات العامة، والنخب ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتم تقليص الآثار السلبية للممارسات الخاطئة وتجاوزها وتوجيه الناس نحو الثقافة الصحيح وتصحيح الثقافة السائدة

أيضا هناك ثقافة أخرى سائدة وهي ثقافة اعتماد المواطن على الحكومة واعتقاده بأن من حقه في الحصول على راتب وتأمين صحي ورعاية وغير ذلك فقط لأنه يحمل الجنسية وحتى دون أن يقدم أي فائدة وعلى الرغم من كونه عاقلا يتمتع بالصحة والعافية، وهذا اعتقاد خاطئ ساهمت في رسمه ونسجه وسائل الإعلام وثقافة الاشتراكية المشوهة التي كانت سائدة خلال فترة النظام السابق.

المشكلة العلمية

لا تقتصر مشاكلنا على الثقافة فقط، بل تنسحب أيضا إلى العلم وقطاع التعليم وشرائح المتعلمين على اختلافها، ومن أهم مشاكل هذه الفئة، أن التعليم في ليبيا يركز بشكل خاص على الحفظ، وإمكانية اجتياز الامتحانات، ويغفل الدور الأساسي للعلم، وهو المساهمة في الابتكار وحل المشكلات وتطور الفرد والمجتمع.

المناهج العلمية لا تخاطب عقل الطالب أو المتعلم، والجامعات غير قادرة على تخريج كفاءات تقدم حلا للبلاد، وتساهم في تقدمها، بالعكس  تماما، يتعلم المرء ولا يمارس أبسط قواعد تعليمه خلال عمله، ويعمل من خلال درجته العلمية وقدراته العقلية على تسهيل تجاوز القانون واستغلال المهنة والوظيفة العامة واستغلال حقوق الآخرين.

الحل في هذا الجانب يحتاج وقفة جادة من الأكاديميين الليبيين لوضع آلية لتطوير قطاع التعليم حتى إن احتاجوا للاستعانة بالخبرات الأجنبية أو استجلاب نموذج ناجح لتطبيقه في البلاد مع مراعاة التدرج في التطبيق وعدم تطبيق طريقة القفز المفاجئ في نقل التجارب.

مشكلة سوق العمل

أهم مشكلة تواجه سوق العمل هي نقص الخبرات، وعدم ملاءمة التعليم لمتطلبات سوق العمل، يعني وباختصار يتخرج آلاف الأطباء والمهندسين سنويا من الجامعات الليبية، ولا يجد كثير منهم وظيفة جيدة، وبسبب كثرة الأعداد يتعرض العاملون في هذه المهن إلى ضغط عمل ومنافسة كبيرة جدا، بينما تعتمد ليبيا بشكل شبه كلي على الأجانب في الأعمال الحرفية والتي لا تتطلب تكوينا علميا عاليا، وبسبب هذه المشكلة نجد أن عاملا في مطعم أو سباكا أو عاملا في البناء يتفوق في أجره على طبيب حديث التخرج أو مهندس يعمل في إحدى الشركات الحكومية.

سوق العمل أيضا يعتمد بشكل شبه كامل على الدولة، يعني وعلى سبيل المثال خلال العام الماضي قامت حكومة الثني الموازية بتعيين نحو 20 ألف باحث عن العمل، وبحسب التقارير الرسمية فإن ليبيا تنفق معظم ميزانيتها على مرتبات العاملين في القطاعات الحكومية، وكذلك فإن معظم الطلبة والمواطنين يعتقدون أن من حقهم الحصول على تعيين في الدولة من أجل ضمان مستقبلهم على الرغم من أن الوظائف الحكومية في الحقيقة لا خدمة كبيرة للمواطن والبلاد.

مشكلة الدولة وعلاقتها بالمواطن، هذه مشكلة كبيرة، وسيؤدي حلها إلى تجنب الكثير من الآثار السلبية التي تطال مختلف الشرائح والخدمات والقطاعات ولذلك تأثير مباشر على الحاضر والمستقبل، وفي طيات هذه الخانة نجد مشكلة الفساد التي تسببت في نخر عظام الدولة، وتفتيت أصولها وتسببت في تردي الخدمات العامة والخاصة وانهيار المؤسسات الأمنية والصحية والتعليمية والبنية التحتية في البلاد.

مشكلة القادة السياسيين والمجتمعيين

للأسف وحتى هذه اللحظة لا أعتقد أن للنخب السياسية والثقافية تأثيرا كبيرا على المواطنين والقطاعات الرسمية في الدولة، وإن بدى الأمر عكس ذلك، وذلك لأن هذا القطاع يواجه مشكلتين أساسيتين وهما قلة النضج، والتسييس، وضعف التأثير على الناس.

حيث أن النخب لم تنضج بشكل كاف لتضع إصبعها على مشاكل الدولة الحقيقية، هذه الشريحة غارقة في الوهم والسذاجة وتعمل أيضا علاوة على ذلك على تسييس المشاكل التي تعاني منها البلاد لخدمة مصالحها الشخصية ومصالح الحلفاء على مختلف الجبهات.

وإن وجدت فئة صغيرة بسيطة ناضجة وقادرة على تشخيص المشكلة فهي في الحقيقة غير قادرة على إحداث تأثير في المجتمع، ولذلك أسباب يطول شرحها، وإن كان جزء منها يتعلق بما ذكر في الفقرات السابقة.

وعلى الرغم من ذلك توجد بعض المحاولات الخجولة على المستويات الرسمية والفردية لإحداث التأثير الإيجابي، ولكنها تواجه بصعوبات كبيرة، يتطلب تجاوزها تشخيص المشكلات بشكل كامل ووضع الحلول والعلاجات المناسبة إضافة إلى الصبر لسنوات ربما قبل أن يتماثل جسد ليبيا للشفاء.

***

خالد الفرجاني – صحفي من بنغازي

_______________

مواد ذات علاقة