مبادئ الدستور .. مع عرض لما تضمنه مشروع الدستور الليبي

بقلم هشام زكاغ

يقدم هذا الكتاب عرضا تحليليا ومختصرا لمبادئ الدستور، ولما يتضمنه مشروع الدستور الليبي الصادر. وهو يهدف للإسهام في التوعية الدستورية التي تشكل أحدى الأولويات المرتبطة باستحقاق الاستفتاء الدستوري،

فالحكم على مخرجات المشروع واتخاذ مواقف منها يتطلب ابتداءً فهما جادا وحوارا متأنيا حول موضوعات الدستور المختلفة وكيفية تناولها في المشروع المقترح من الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.

يتضمن الكتاب قسمين، يتناول أولهما دراسة الأساسية الأولى لفهم الدستور مع قراءة لتلك المفاهيم والمبادئ ضمن مشروع الدستور الليبي. أما القسم الثاني فيتضمن استعراضا للمضامين الأساسية للدساتير وكيف تعرّض مشروع الدستور الليبي لتلك المشتملات.

ختاما، تُمثل المعرفة الدستورية الزخم والإلهام الكفيلين بمنح الاستحقاق الدستوري إيمانا لدى المواطنين. وهو الإيمان الذي يجعل الدستور آكثر صمودا واستقرارا.

القسم الثاني

مشتملات الدستور مع قراءة لأهم ما تضمنه مشروع الدستور الليبي

ثالثا: هيكلة الحكم وتنظيم السلطات

1ـ التنظيم الدستوري للسلطة

التنظيم المحكم والمنضبط لعمل السلطة يُعد أحد السبل الرئيسة لضمان استتباب السلم الاجتماعي، وتتناول عادة الدساتير في محور السلطة تحديد مؤسسات السلطة، وكيفية تشكيلها، وصلاحياتها ومهامها، وأيضا العلاقة بين السلطات، وضمانات الافراد تجاهها. وتعتبر السلطة التشريعية والتنفيذية هما سلطتي الحكم في الدولة، بينما تُعد السلطة القضائية سلطة للفصل في الخصومات.

2ـ السلطة التشريعية في مشروع الدستور الليبي

يتولى السلطة التشريعية مجلس الشورى الذي يتكون من غرفتين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ويراعى في تشكيل مجلس النواب معيار الاقتراع العام على أساس السكان مع مراعاة المعيار الجغرافي وضمان الحد الأدنى لتمثيل المكونات الثقافية واللغوية. في المقابل يراعي في تشكيل مجلس الشيوخ الحساسيات الجغرافية والجهوية بليبيا، إذ توزع المقاعد بين المناطق الإنتخابية الثلاث، وفق الأتي: 32 مقعد عن طرابلس، و26 مقعد عن برقة، و20 مقعد عن فزان.

ويُراعى تمثيل المكونات الثقافية واللغوية بواقع عنصرين في كل مكوّن. أما القرارات بشأن الإختصاص التشريعي والمصادقة على ترشيحات مجلس النواب بشأن بعض الوظائف، فتُتخذ تلك القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء المنتخبين. على أن يكون من بينهم 8 أعضاء من كل منطقة انتخابية على الأقل. السؤال هنا، هل يعتبر تشكيل السلطة التشريعية من غرفتين تبنياً للنظام الفدرالي؟ خاصة بالنظر لطريقة تشكيل غرفة مجلس الشيوخ، وأيضا بالنظر لطريقة اتخاذ القرارات بها.

في الواقع إن مشروع الدستور يؤسس لدولة موحدة وليست فدرالية وهي دولة لا تحظى فيها وحدات الحكم المحلي بصلاحيات تشريعية أو أستقلال فدرالي كما سنرى. إلا أنه يحاول أن يستوعب بعض عناصر الطرح الفدرالي دون تبنيه وذلك عندما يوائم بين معيار السكان (مجلس النواب) ومعيار الجغرافيا (مجلس الشيوخ) في بناء السلطة التشريعية.

ويعمل بناءُ السلطة التشريعية بهذه الكيفية على إحداث التوازن في السلطة التشريعية بين ممثلين يُنتخبون على أساس السكان وتوزعهم الجغرافي، وبين ممثلين ينتخبون على أساس تمثيل المناطق الانتخابية الرئيسية، ويكون من اختصاصهم الموافقة على القوانين التي تمس المواطن أينما كان ويتطلب سنّها وجود وجود قدر من التوافق بين المناطق الإنتخابية الثلاث. وقد حددها مشروع الدستور الليبي في سنة اختصاصات تشريعية يملك مجلس الشيوخ بعد إحالتها مشروعاتها من مجلس النواب أن يُقرّها أو يُعدّل فيها، وتلك الموضوعات التشريعية هي: النظام المالي للدولة ـ الحكم المحلي ـ الجنسية الهجرة ـ الانتخابات ـ الثروات الطبيعية والبيئة ـ مقترحات التعديلات الدستورية.

3 ـ السلطة التنفيذية في مشروع الدستور الليبي

تُناط السلطة التنفيذية وفق مشروع الدستور بعهدة رئيس الجمهورية وحكومته. يُنتخب الرئيس مباشرة من الشعب، ويقوم بتعيين رئيس وزرائه واعتماد تأليف حكومته وإجراء التعديلات الوزارية. يتولى الرئيس عددا من المهام التنفيذية منها، تحديد وتوجيه السياسات العامة للسلطة التنفيذية، دعوة مجلس الشورى لجلسات استثنائية، إعلان حالة الطوارئ وطلب إعلان الأحكام العرفية، اقتراح مشروعات القوانين، وإصدار القوانين والأمر بنشرها في الجريدة الرسمية.

كما يعتبر الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويمثل الدولة في الخارج ويبرم المعاهدات.

أما مجلس الوزراء فيختص بمهام منها: تنفيذ السياسة العامة، اقتراح مشروعات القوانين، إعداد مشروع قانون الموازنة العامة، المحافظة على الأمن، تنظيم الإدارات والإشراف عليها ومتابعتها.

4ـ السلطة القضائية في مشروع الدستور الليبي

تحدث مشروع الدستور الليبي عن السلطة القضائية في الباب الرابع، واعتبر أن أعضاء السلطة القضائية هم القضاة وأعضاء النيابة، ومنحهم عددا من الضمانات لتحقيق استقلالية القضاء منها اعتبار التدخل في عمل القضاء جريمة لا تسقط بالتقادم، ومنها أنه لا يجوز عزل عضو السلطة القضائية أو أعفاؤه أو نقله أو معاقبته إلا بموجب قرار من المجلس الأعلى للقضاء. كما تضمن مشروع الدستور عددا من الضمانات القضائية، منها: علنية الجلسات والتقاضي على درجتين وحظر المحاكم الاستثنائية. ويؤكد المشروع على تطور القضاء من خلال التوجه نحو التخصص القضائي.

رابعا: اللامركزية والحكم المحلي

1ـ اللامركزية وموقعها كاستحقاق دستوري

يشير مفهوم اللامركزية إلى نقل جانب من السلطات والمسؤوليات والموارد من السلطة المركزية إلى سلطات محلية، قد تكون هذه السلطات متسعة أو محددة الصلاحيات. وتأسس اللامركزية على فكرتين أساسيتين:

  • الإقليمية، ومن خلالها يحظى الإقليم بقدر من النفوذ والسلطة والحماية القانونية.

  • الديمقراطية، تتشكل السلطات المحلية عادة بالانتخاب، مما يتيح للمواطن اختيار ممثليه المحليين.

وتعتبر اللامركزية من الاستحقاقات الدستورية الكبيرة لدورها في عملية التحول الديمقراطي وتحقيق التنمية المكانية، وتعزيز سياسة القرب، إن اللامركزية تمكن من تحقيق توزيع للسلطة على أساس عمودي وهو ما من شأنه أن يعمل على تبديد الشعور بالتهميش والحد من التوترات والاحتقان والإقصاء ويكرس درجات عالية من الحوكمة والشفافية ويفتح المجال لبناء الشراكات مع عدد من المستويات.

2ـ التنظيم الدستوري للامركزية في مشروع الدستور الليبي

أفرد مشروع الدستور الليبي للامركزية بابا خاصا، هو الباب السادس تحت مسمى الحكم المحلي، واعتبر أن الحكم المحلي يقوم على أساس اللامركزية الموسعة دون أن يصف تلك اللامركزية هل هي إدارية أم سياسية (فدرالية). وبالنظر للشواهد التي تتضمنها نصوص هذا المشروع.

نجد أن الحكم المحلي المقترح يبقى نوعا من اللامركزية التي تلتزم الدولة بدعمها تكون في إطار وحدة البلادكما جاء في مشروع الدستور. وهذه الوحدة السياسية تؤيدها بقية نصوص السياسية تؤيدها بقية نصوص المشروع. ذلك أننا أمام وحدة الدستور، فال توجد دساتير محلية. ولا إمكانية لوضعها مستقبلا كما أننا أمام وحدة التشريع.

فلا توجد إلا القوانين التي تسنها السلطة التشريعية المركزية (مجلس الشورى). بينما لا تختص وحدات الحكم المحلي إلا بإصدار اللوائح والقرارات. كذلك على المستوى التنفيذي لا توجد إلا حكومة مركزية، ولم يستخدم مشروع الدستور مصطلح الحكومات المحلية، بل مصطلح وحدات الحكم المحلي.

حدد مشروع الدستور الليبي مستويات اللامركزية بدرجتين رئيسيتين، هما المحافظات والبلديات، مع إمكانية وجود مستويات إدارية أخرى. ويمنح مشروع الدستور لهذه الوحدات استقلالا من خلال توفر الرقابة المركزية اللاحقة وهي رقابة ولا تكون إلا على أساس المشروعية أي موافقة عمل السلطة المحلية للقانون، وهو ما يعني استبعادا لرقابة الملاءمة التي قد تكون تحكمية من قبل السلطة المركزية. كذلك تحظى وحدات الحكم المحلي بسلطة تحصيل موارد مالية بشكل ذاتي، فضلا عن الموارد التي تتحصل عليها من قبل السلطة المركزية وذلك قصد ضمان استقلاليتها.

خامسا: الهيئات الدستورية ومؤسسات ضمن الدستور

1ـ المؤسسات الدستورية في مشروع الدستور الليبي

تضمن مشروع الدستور الليبي عددا من المؤسسات الدستورية منها: المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات، ديوان المحاسبة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الوطني لحماية الموروث الثقافي واللغوي، هيئة التنمية المستدامة، وتحظى هذه الهيئات باستقلال إداري ومالي وفني، وتنتخب السلطة التشريعية من يدير هذه الهيئات.

2ـ مؤسسات أخرى ضمن مشروع الدستور الليبي (الجيش والشرطة)

أفرد مشروع الدستور الليبي لمؤسسة الجيش والشرطة بابا خاصا بهما، وأورد أحكاما منها: احتكار الدولة للقوات المسلحة وقوات الأمن وحظر تشكيل مجموعات مسلحة أو شبه مسلحة. ويكون الجيش ملزما بالحياد التام وخاضعا للسلطة المدنية، لا يتدخل في الحياة السياسية، كما يحظر التدخل في التداول السلمي على السلطة، ونص مشروع الدستور أيضا على ضرورة أن يتلقى أفراد الشرطة تدريبا في عدد من الموضوعات منها احترام حقوق الإنسان.

ويكون للمنتمين للجيش والشرطة حق التصويت دون الترشح.

سادسا: النظام المالي للدولة والثروات الطبيعية

1ـ ملكية الثروات الطبيعية واستغلالها

في ليبيا الثروات الطبيعية بما فيها النفط والغاز والمعادن والمياة ملك للشعب، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه وتعمل على استغلالها وحمايتها وحسن إدارتها، بما يضمن المصلحة العامة وانتفاع كافة المناطق منها بشكل عادل، وبما يحفظ حقوق الأجيال القادمة“. أما العقود والاتفاقيات بشأن الثروات الطبيعية فاشترط مشروع الدستور ضرورة أن تعرض على مجلس الشيوخ للمصادقة عليها، ضمانا للحفاظ على الثروات الطبيعية والتوازن البيئي والشفافية.

2ـ حقوق مناطق الإنتاج

تلتزم الدولة إنشاء مشاريع تنموية بديلة للثروات غير المتجددة بمناطق الإنتاج، وفق إمكاناتها المكانية.

3ـ حقوق الأجيال القادمة من استغلال الموارد الطبيعية

بعض الموارد الطبيعية كالنفط غير متجددة لذلك تحرص بعض الدول على ضمان حقوق الأجيال القادمة فيها، وتضمن بعض الدول هذا الحق في الدستور كالنرويج ونيجيريا. لقد نص مشروع الدستور الليبي على ضمان هذا الحق من خلال التنصيص على تخصيص نسبة يحددها القانون من عائدات الثروات الطبيعية لصالح الأجيال القادمة.

سابعا: خاتمة الدستور

1ـ الأحكام الانتقالية في مشروع الدستور الليبي

تقوم فكرة الأحكام الانتقالية على الصفة المؤقتة لبعض الأحكام الدستورية، وما الذي يجب اتخاذه من إجراءات وقواعد مؤقتة تمهيدا لقواعد ومؤسسات دائمة، ومن بين الأحكام الانتقالية التي تناولها المشروع:

  • تلتزم الدولة تطبيق تدابير العادلة الانتقالية، ويصدر قانون ينظم كشف الحقيقة وتعويض الأضرار والمساءلة والمحاسبة وفحص المؤسسات.

  • السلطة التشريعية القائمة حال نفاذ الدستور هي من ستصدر القوانين المنظمة للإنتخابات التشريعية والرئاسية التي ستجري خلال 240 يوما من تاريخ دخول قانون الانتخابات حيز النفاذ.

  • توقف إجراءات اكتساب الجنسية لمدة 10 سنوات من تاريخ نفاذ الدستور.

2ـ أحكام عامة في مشروع الدستور الليبي

من بين الأحكام العامة التي تضمنها مشروع الدستور:

  • إعلان حالة الطوارئ في البلاد ويقوم بذلك رئيس الدولة بعد التشاور مع رئيس الوزراء ورئيسي الغرفتين التشريعيتين في حال تعرض البلاد لنازلة أو حصار أو خطر يهدد سلامتها. ويقوم مجلس الشورى بإقرار حالة الطوارئ أو إلغائها. وقد حدد مشروع الدستور مدة حالة الطوارئ بـ 60 يوما، ويمكن تجديدها لمدة أو مدتين بموافقة مجلس الشورى. ويجب تحديد الهدف والمدة والمنطقة.

  • إعلان الأحكام العرفية، في حالتي الحرب والتهديد الجسيم لأمن البلاد ويعلنها مجلس الشورى يطلب من رئيس الدولة.

  • إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية يكون ضمن مجموعة من القيود، منها أن تقييد الحقوق والحريات السياسية لا يكون إلا بالقدر الضروري للمحافظة على الأمن العام والسلامة العامة كما لا يجوز في حالة الطوارئ والاحكام العرفية محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، أو حل المجالس المنتخبة ولا البت فيها من قبله، ولا يجوز حل المجالس المنتخبة، ولا تعديل الدستور ولا تعطيل أحكامه. وتخضع جميع القرارات والتصرفات أثناء حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية لرقابة القضاء.

  • حظر ممارسة وظائف أخرى، لا يجوز لرئيس الدولة ولا لأعضاء مجلس الشورى ورئيس الوزراء والوزراء وأعضاء المجالس المحلية والهيئات الدستورية ممارسة أية وظائف أخرى.

  • حظر تولي الوظائف السيادية على مزدوجي الجنسية ومكتسبيها.

  • نفاذ الدستور يكون بعد موافقة الشعب الليبي من خلال الاستفتاء

  • تلغي كافة الإعلانات والمواثيق الدستورية السابقة بنفاذ الدستور.

_______________

H2O منظمة شبابية ليبية غير ربحية اتخذت من الرمز الكيميائي للماء إسما لما له من خصائص تعد مبادئ لعملها كالشفافية والنماء

مواد ذات علاقة