تتضارب حوله المواقف محليا وإقليميا ودوليا

بقلم علي عبد اللطيف اللافي

استعرضنا في الحلقة الأولى من هذه الدراسة التحليلية تعريفا بشخصية السراج ومسيرته قبل ان يكون على رأس المجلس الرئاسي الليبي ورئيسا لحكومة التوافق في طرابلس إضافة الى عرض مختلف علاقاته ومواقفه من الأطراف المحلية أحزابا وفاعلين سياسيين واجتماعيين وعسكريين بينما نستعرض في هذه الحلقة الثانية المواقف الإقليمية من السراج وطبيعة علاقاته بكل دولة.

ثانيا: تضارب المواقف الاقليمية من السراج وعلاقاته بكل دولة

ـ مؤثرات شخصية السراج في علاقاته الاقليمية

شخصية السراج وكما بينا من خلال استعراض سيرته الذاتية ومسيرته غير صدامية ولا هي انفعالية، وهي شخصية مرنة وقد تصل الى درجة السلبية أحيانا حتى أن مُقربين من دوائر المجلس الرئاسي الليبي قد أكدوا أن السراج وبعض أعضاء الرئاسي قد قبلوا بتجاوزات بعض المحيطين بهم وأن بعض مسؤولي المليشيات أساؤوا إليهم اساءات مباشرة في أكثر من مناسبة وخاصة سنتي 2016 و2017 كما فرضوا عليهم شروطهم واملاءاتهم.

ولكن تطورات سياسية واجتماعية فرضت على السراج تغيير معاملاته منذ سنة 2018 وخاصة بعد اشتباكات جنوب طرابلس في أغسطس الماضي بل وأصبح يرفض الاملاءات والتجاوزات ويتمسك برؤاه وقراراته وبالترتيبات الرسمية وأصبح يتمتع بكاريزما سياسية مُعتبرة في التعامل البروتوكولي وفي اتخاذ المواقف وإدارة اللقاءات والعلاقات.

ومع ذلك فالسراج يميل غالبا الى الأخذ برأي مستشاريه في اتخاذ المواقف والقرارات الحاسمة وفي تنزيلها أو تحويلها الى أوامر نافذة حتى يصل به الأمر بعدم تقدير مواقف بقية المؤسسات أو الأطراف، وهو لا يزال يرفُض الصِّدام وتوتير المواقف مع أي طرف إقليمي ويميلُ الى البُعد الديبلوماسي وعدم اثارة أي مشكل وهو لا يميل للضغط أو الحرص على الدفع نحو مسارات بعينها، ويُؤمن بالحوار والمقاربة التفاوضية وحل الإشكالات بطرق دبلوماسية.

ـ طبيعة العلاقة مع القطريين والأتراك

أيتابع السراج العلاقات بهم بنفسه ويحرص على عدم توتير العلاقة بهم رغم حرص بعض مستشاريه من الإداريين السابقين ومن أنصار القذافي في أكثر من مرة على الوقيعة بينه وبينهم، وقد أصر خلال المدة الماضية مثلا على استقبال الاتراك كما كان واضحا في رفض ما حدث مع الاتراك في باليرمو، وكان قد طلب تدعيم حضور القطريين والأتراك في ليبيا استثماريا كما حرص على حل اشكال المهندسين الاتراك في أوباري منذ أشهر.

برفض السراج في أكثر من مرة توجيه الاتهامات المجانية للقطريين والأتراك.

تقبل السراج أثناء استقباله وزير الخارجية التركي فتح تحقيق مشترك مع الاتراك في حادثة السفينة التي وصلت وبها ذخيرة الى مدينة الخمس.

ـ حول العلاقة مع السعوديين

يحرص السراج على دعم العلاقات السعودية الليبية بل ويدفع سيالة والمقربين منه على تطوريها ودعمها، وقد زار السعودية في بداية يونيو الماضي لمدة يومين وهي الزيارة التي بقيت اجنداتها غير معروفة وعليها أكثر من نقطة استفهام، خاصة وأنها سبقت موضوع الإعلان عن الإصلاحات الاقتصادية في العاصمة التونسية.

وبعد تلك الزيارة تم الحديث عن وساطة قام بها السفير الليبي السابق في السعودية بين اللواء المتقاعد خليفة حفتر وبعض قيادات مدينة مصراتة.

ومقابل ذلك صمت السراج سنتي 2016و2017 عن الحضور المتنامي للتيار المدخلي القريب من السعوديين تنظيميا وفكريا وسياسيا وخاصة في مدن الغرب الليبي على غرار صرمان وصبراتة ومسلاتة والخمس.

ـ العلاقة مع الاماراتيين والمصريين

أرغم أن البعض يدعي أن الاماراتيين قد نجحوا بطريقة غير مباشرة في قطع الطريق على أحد المرشحين اثناء حوارات الصخيرات مما سمح بوصول السراج لمنصبه الحالي بعد ان كان خيارا ثالثا وليس أوليا بين المتفاوضين يومها (معروف ان الإماراتيين يؤمنون في الصراعات بالترتيب للخيارات البديلة).

ولكن المؤكد أن السراج لم يتماه بشكل كُلي مع الخيارات الإماراتية (ربما ليس اختيارا منه) خلال السنتين الماضيتين، وهو ما دفعهم الى مزيد توطيد العلاقة مع عارف النايض من جهة وباللواء خليفة حفتر من جهة ثانية إضافة الى أن الاماراتيين حاضرين عبر آليات متعددة ومنذ مدة في الغرب الليبي بغض النظر عن استيعاب الرئاسي الليبي والسراج تحديدا لذلك الحضور المتعدد الأشكال أو صمته على ذلك.

بعمليا تبقى علاقة السراج بالإماراتيين حذرة ويسودها الغموض والارباك والمراوحة بين التمدد والانحسار وهي قابلة لكل الاحتمالات خلال الأسابيع والاشهر القادمة خاصة في ظل التباينات بين المصريين والاماراتيين من جهة وبين حفتر وكل حلفائه الإقليميين في نقطة مدى طموحاته السياسية من جهة ثانية.

تعلاقات السراج بالمصريين ليست بعيدة عن علاقاته بالإماراتيين، ورغم أن المصريين حادين في انتقاده إعلاميا وسياسيا، فإنهم يحتفظون بعلاقات مباشرة مع بعض المقربين منه وفي ديبلوماسية التعامل المباشر معه ومعلوم أن للسراج علاقات قديمة مع مسؤولين مصريين بارزين خصوصا وانه قد أقام لفترة في القاهرة بل أن عائلته كما سلف وان ذكرنا ذلك في الحلقة الأولى كانت أيضا هناك حتى بداية 2017.

ثستبقى علاقة السراج مع القاهرة قابلة للذهاب في كل الاتجاهات مع غلبة خيار التقرب والتحاور الحذر، ومعلوم أن النظام المصري قد دخل أخيرا على خط التفاوض بين السراج وحفتر بناء على طلب الأول وساطة المصريين ليبتعد حفتر عن استعمال ورقة النفط مرة أخرى، وقد لُوحظ حفاوة القاهرة من أسبوعين بالوزير علي العيساوي ورغبتهم في التعامل التجاري والمالي مع طرابلس.

ـ العلاقة مع الجزائريين

أيدعم الجزائريون حكومة الوفاق الوطني، ويحرصون على الحد من التدخل الخارجي وليس لهم أي فيتو معلن على السراج، ولكن التواصل معه نادر وحذر وتغلب عليه العقلية الديبلوماسية.

بيعرف السراج جيدا أنه لا حل في أي موضوع ذي ارتباطات إقليمية بدون الجزائريين، فهم عصب المنطقة المغاربية سياسيا وعسكريا وديبلوماسيا نتاج مؤثرات تاريخية وجغرافية ولوجستية وإقليمية.

ـ العلاقة مع المملكة المغربية

أتتسم السياسة المغربية الملكية بعدم التوضح الكامل للمتابعين وتعتمد الطرق الناعمة والصامتة وهم على علاقة ودية مباشرة مع السراج ويدعمونه وهم ليسوا بعيدين كما يتصور البعض عن الملف الليبي وارهاصاته وتطوراته، وهم على علاقة تواصلية بأهم الفاعلين السياسيين وناشطي المجتمع المدني الليبي وبعض الشخصيات الفاعلة حاليا التي كانت تقيم في المغرب اثناء حكم القذافي على غرار بعض افراد عائلة سيف النصر وأيضا أبناء رئيس وزراء ليبيا الأسبق محمد عثمان الصيد وخاصة نجله أسامة الصيد والذي رُشح لرئاسة الحكومة الليبية في أكثر من مناسبة بين سنتي 2013 و2018

بليس غريبا خلال الفترة القادمة أن تمتلك المغرب من جديد وعبر دعم دولي واقليمي متابعة الملف الليبي واحتضان حوارات ليبية – ليبية مجددا في العاصمة الرباط.

ـ العلاقة بالتونسيين

أالسياسة التونسية تجاه الملف الليبي منذ 2017 يسودها الارتباك وعدم الإلمام والاقتصار على مسايرة التحركات الدولية وأخذ مربعات صغيرة في التحركات والاتصالات مع الفرقاء الليبيين (زار الجهناوي ليبيا في ثلاث مناسبات سنة 2018 في ظرف شهرين منها مرتين للشرق الليبي)

بهناك تضارب كبير بين توجه الوزير في الاقتراب غير المعلن من المحور الاماراتي المصري وحرص الحكومة والسياسيين على الحياد وعدم الاصطفاف، ولا يحتفظ التونسيون بعلاقات كبيرة مع السراج مع أنه محل ترحاب بروتوكوليا ورسميا رغم أن علاقات بعض وزرائه ومستشاريه ممتدة مع أهم السياسيين التونسيين وخاصة مع بعض مستشاري الرئيس السبسي ومن بعض قيادات حركة النهضة.

تعلى السراج الوعي والانتباه العملي أن تونس، وبغض النظر عن الهوية السياسية للحكومة الحالية أو ما بعد 2019، تعتبر رقما مهما بسبب عدم وجود أطماع سياسية تونسية مباشرة في ليبيا ونتاج العلاقات التاريخية والاجتماعية بين البلدين ونتاج تجسد عملي وميداني لمقولة ان التونسيين والليبيين هم “شعب واحد في بلدين”.

ـ العلاقة مع الأردنيين

أالمملكة الأردنية ليست بعيدة عن الملف الليبي كما يعتقد بعض المتابعين فهي على تواصل مع طرفي الصراع، ورغم أن البعض يعتبر العاصمة عمّان قاعدة خلفية لمحور “حفتر – مصرالإمارات” (بعض سياسيين ليبيين يعتبرون أن الأردن هي “غرفة عمليات المحور المصري الاماراتي السعودي”)، فان الأردنيين رسميا وعلى مستوى الخطاب السياسي محايدين تجاه طرفي الصراع.

بالتقى الملك عبدالله الثاني السراج خلال الأسابيع الماضية وعقد معه عدد من الاتفاقيات المهمة سياسيا واجتماعيا.

تكان مبرمجا أن تحتضن عمان لقاء بين السراج وحفتر ومعلوم أن عدد من مواقع وقنوات قريبة من حفتر والاماراتيين، تتخذ من الأردن مقرا لها.

ثالسفير الليبي في الأردن محمد حسن البرغثي مرشح لمنصب رئيس الحكومة إضافة الى الحديث عن ترشيحه في وقت سابق لعضوية الرئاسي عن المنطقة الشرقية.

ـ السودانيون والملف الليبي

أجدلية العلاقة بين النظامين السوداني والليبي تاريخية حيث كان هناك تجاذب بين القذافي وكل سياسيي السودان وحكامه منذ السبعينات على غرار النميري ثم سوار الذهب فالصادق المهدي فحسن الترابي رئيس البرلمان الأسبق فعمر حسن البشير.

بعلاقة الخرطوم مع السراج ودية نتاج رؤية السودان للازمة الليبية وتدعمت خلال مؤتمر الخرطوم الأخير الخاص بدول الجوار الليبي وقد توطدت من خلاله العلاقات بين البشير وحكومة التوافق الوطني خاصة على المستوى الأمني.

تمعلوم أن اعداد السودانيين في التنظيمات الإرهابية في ليبيا لافتة لنظر المتابعين إضافة الى ان المعارضة السودانية متواجدة في الجنوب الليبي بأشكال مختلفة، وهو ما سيُلحّ على الحكومتين التواصل والتفاوض ووضع اتفاقيات مشتركة في كل المجالات الحيوية وخاصة في المجالين الأمني والاقتصادي.

ـ بقية دول الساحل والصحراء والملف الليبي

إن كانت بعض الدول الافريقية لا تملك سياسات إقليمية مستقلة ولا محددة للخيارات الكبرى وأسس التفاعل مع التطورات السياسية والاقتصادية فان تأثيرها في الملف الليبي سيبقى مُهما وهو ما يعني أن على الدبلوماسيين والسياسيين في ليبيا وضعوا تلك الأهمية السياسية والاستراتيجية في الاعتبار.

ولا شك ان السراج والمقربين منه يعُون تماما ان نجاحهم مرتبط آليا بإيجاد صيغ ومفاهمات مع دول الساحل والصحراء لكبح جماح عصابات التمرد والتهريب والإرهاب الناشطة في الصحراء الكبرى وخاصة في التشاد والنيجر ومالي.

اضافة الى كل ذلك، لابد عمليا من الوعي بخطورة الاختراقات الإسرائيلية الأخيرة في اتجاه القارة السمراء وخاصة في التشاد لان ذلك سيضع السراج والرئاسي وحكومة التوافق في مأزق كبير نتاج تطور علاقات حفتر وحلفائه مع مكونات وأطراف في النيجر والتشاد إضافة الى ان حدود ليبيا مع التشاد والنيجر وباقي الدول الافريقية ستزيد أزمة جديدة على الازمات الموجودة حاليا وخاصة الخلايا الإرهابية التي تتحرك في الجنوب الليبي والتي قد تجد في أجندات ومطامح الصهاينة وبعض قوى اقليمية ودولية سندا مهما لإقامة امارة هناك تكون سيفا مسلطا على حكومة التوافق أو أي حكومة قادمة في ليبيا.

ـ أي دور للدول والمحاور الإقليمية في المستقبل السياسي للسراج

مما لا شك فيه ان مستقبل الأنظمة السياسية منذ السبعينات يُدار بمنطق القابلية للاصطفاف لأحد المحاور الإقليمية العربية والإسلامية رغم إعادة التشكل المستمر لتلك المحاور وبالتالي يمكن الجزم أن مستقبل ليبيا كبلد ومستقبل حكومة الوفاق ورئيسها فائز السراج مُرتبط بقدرته على التماهي مع التطورات البينية داخل المحورين الاقليميين وعدم السقوط في الاصطفاف لأحدهما بسبب ظروف ليبيا الذاتية والموضوعية.

اضافة للتطورات المنتظرة والسريعة الممكنة والمتوقعة داخل المحورين الإقليميين الحاليين وفي العلاقة بينهما … المحور “القطري – التركي” – المحور “المصري – الاماراتي – السعودي .

كما لابد من الوعي بالأهمية الاستراتيجية لدول الجوار وخاصة الدول المغاربية والعمل على المساهمة الليبية بأشكال عدة في وقت لاحق بعد حل الازمة الليبية سياسيا في إعادة إحياء الاتحاد المغاربي بآليات جديدة ومنطق ونفس جديدين.

___________

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية

مواد ذات علاقة