بقلم يونس شعبان الفنادي

الأمس (26 ديسمبر 2019) … خذلتنا شركة الكهرباء وسحبت أنوارها المسائية التي كنا بحاجة ماسة لها في محاضرة (الجريمة الإعلامية والمسئولية الجنائية) للأستاذة عواطف الطشاني التي تنظمها المنظمة الليبية لمناهضة العنف وخطاب الكراهية في احتفالية التكريم السنوية.

بدأ الحضور في التوافد على مسرح وزارة السياحة … ولا كهرباء في المقر… فما العمل؟

هل نلغي المحاضرة والاحتفالية؟ ونخيب ثقة المدعوين والمكرمين فينا؟
هل ننتظر بعض الوقت عسى أن تعود الكهرباء للمقر؟
لابد من اتخاذ القرار … بشكل عاجل… والوقت يمضي سريعاً .. يستدعي جيوش الظلام المتأهبة للانقضاض على ما تبقى من سويعات المساء الشتائي البارد.

وقررنا أن نبدأ المحاضرة … على ضوء الشموع …

نعم الشموع .. التي كانت مفاجأة لنا جميعا .. حيث تفطّن لها زميلنا العزيز “سمير” واحضرها ضمن لوازم المحاضرة … واستعد بها لمواجهة تحدي شركة الكهرباء.

وأنا أشعل تلك الشمعات الثلاثة التي وضعناها على المنصة .. شمعة أمام السيدة المحاضرة .. وشمعة أمامي … وثالثة في الركن …لاحت لي بعض ارتسامات الغرابة والدهشة على وجوه الحاضرين الذين اكتظ بهم المسرح .. ولكنها سرعان ما تحولت إلى ابتسامات تنبع من قلوبهم الدافئة لتزرع في روحي الساكنة والقلقة التأييد والدعم والمساندة … وما أحوجني لكل ذلك في ذاك الوقت !!!

وحين جلستْ المحاضرة الأستاذة عواطف الطشاني على كرسيها بجاني .. شعرتُ بها وهي تقلب أوراق محاضرتها بكل رقة وراحة واطمئنان … وتحدي .. فزادتني ثقة على ضرورة البدء … فتوكلتُ على الله وخاطبت السادة الحاضرين مستعيناً بضوء شمعتي الصغيرة الخافت قائلاً:

(مربكٌ وحزينٌ هذا المساء .. فكلماتُ الاستهلالِ والترحيب تنزفُ ألماً وحزناً وحرقةً … وحيرةً .. فهل بعد الترحيب بكم … والشكر على حضوركم .. نبتديء بتقديم واجب العزاء لنا ولهذا الوطن الجريح في من فقدناهم بالأمس .. وقبلهم كثيرون … أم أننا نصافحكم بالبهجة والفرح .. وننثر في وجوهكم الجميلة باقات التهاني بعيد الإستقلال .. وعيد تأسيس التلفزيون الليبي .. وعيد رأس السنة .. وعيدنا اليوم بتكريم عدد من الشخصيات الليبية والمؤسسات الوطنية .. التي تنزهت عن الإنجرار في وحل ممارسات العنف والكراهية بأنواعها كافةً.

أيها الأعزاء .. إننا جميعاً في مركب واحد .. ووطن واحد .. نأمل أن يظل حضناً يتسع للجميع .. وكل وروده بجميع ألوانها .. وعطورها .. وأحجامها .. تتشكل في باقة واحدة للجمال .. وحديقة للسرور .. وفضاء ينبض بالمحبة والتسامح والتصالح .. مع الذات أولاً .. والآخر ثانياً.)

وواصلتُ حديثي حول موضوع المحاضرة بالقول:

أيها الحضور الكريم
يظلُ القانون حارساً أميناً لكيان أي مجتمع، مكرساً نصوصَ مواده لحفظ الحقوق العامة والحريات الخاصة على حد سواء، وصونها من كل تهديد مادي أو معنوي قد يمسها.

ويعد خطاب العنف والكراهية بجميع أشكاله خاصة الذي تصدره المؤسسات الإعلامية من بين التهديدات اللفظية والمادية التي قد تصيب كيان المجتمع بالكثير من الضرر، وتجرّ التصدّع والتمزّق، وتدمِّر سلامة الأفراد بشكل خاص وكل المجتمع بشكل عام.

وفي هذا المساء اخترنا أن نتعرف على تأصيل خطاب العنف والكراهية وعقوباته في مدونة القوانين والتشريعات الوطنية، وكذلك امتداداته خارجها، وارتباطه بالمواثيق الدولية باعتباره انحرافاً عن القيم الإنسانية المنشودة في المجتمعات العالمية كافة من خلال المحاضرة المعنونة (الجريمة الإعلامية والمسؤولية الجنائية).

ولأجل ذلك نستضيف اليوم أستاذة حقوقية وقانونية بتخصصها وممارستها لهذه المهنة النبيلة، وخبرتها المتمثلة في متابعتها ورصدها لمظاهر وصور العنف والكراهية وانعكاساتها الخطيرة في المشهد الإعلامي خاصة، والاجتماعي والسياسي كذلك.

وبعد تقديمي لسيرتها الذاتية انطلقت المحاضرة الأستاذة عواطف الطشاني بصوتها الخافت الواثق في تتابع سردي لنصوص القانون وهي تعرف الجريمة لإعلامية وأركانها الثلاثة (المؤسسة الإعلامية، الإعلامي، الغير وهم الضيوف)، ومفهوم الشرف العام والخاص، والفرق بين النقد الموضوعي وجرائم التشهير والسب والإهانة والعيب والتحريض، والتأكيد على أن قانون العقوبات يطال حتى الليبيين خارج ليبيا عند ارتكابهم لمثل هذه الجرائم وكذلك المؤسسات الإعلامية التي تبث أو تعمل خارج ليبيا وأوضحت من يحق له رفع الدعوى الجنائية ضد الجرائم الإعلامية.

كنتُ أتابع قراءتها وتقليبها لأوراقها بمصباح هاتفي النقال إضافة إلى الضوء المنبعث من الشموع .. وحين أنهت محاضرتها … بعد حوالي أربعين دقيقة … ارتفعت أكف الحاضرين بالتصفيق .. ووزعتُ المداخلات والأسئلة على طالبيها .. ثم دعوتُ الأستاذ القانوني والصحفي الكبير عبدالله بانون رئيس تحرير صحيفة “البلاغ” سابقاً الذي شرفنا بحضوره لتقديم شهادة شكر وامتنان للأستاذة المحاضرة عواطف عبدالدايم الطشاني والتقاط الصور التذكارية معها.

إثر ذلك بدأت فعاليات احتفالية التكريم بكلمة المنظمة الليبية لمناهضة العنف وخطاب الكراهية ألقتها الدكتورة حنان محفوظ ثم تفضل كلٌ من الدكتورة فريدة المصري والدكتورة كريمة بشيوة والإعلامي الأستاذ جلال عثمان والشاعر عمر عبدالدائم بتسليم الدروع وشهادات التكريم على المكرمين من الشخصيات والمؤسسات الوطنية التي تم اختيارها لسنة 2018.

وأختتمت هذه الاحتفالية بقصيدة شعرية للشاعر الكبير محمد المزوغي بعنوان (لا وقت للكره) والذي كان أحد المكرمين اليوم

شارك في هذه الاحتفالية الأستاذ عبدالرزاق الداهش رئيس هيئة دعم وتشجيع الصحافة والإعلامي عماد العلام رئيس تحرير صحيفة ليبيا الإخبارية والإعلامية المذيعة اخلاص مهلهل والأستاذ عادل فارينه المدير العام للهيئة العامة للسياحة والدكتور عبدالكريم كندير عميد كلية الإعلام وعدد من الإعلاميين والمهتمين.

***

الصورة العليا: الاستاذة عواطف الطشاني تلقي محاضرتها التي أدارها الأستاذ يونس الفنادي

***

يونس شعبان الفنادي ـ ماجستير علوم، تخصص أرصاد جوية، كلية العلوم، جامعة ريدينج، بريطانيا، 2004 – بكالوريوس علوم، تخصص أرصاد جوية، كلية العلوم، جامعة طرابلس، 1984

_____________

مواد ذات علاقة