بقلم نيكولا بيرو

منذ سقوط نظام الديكتاتور القذافي خلال سنة 2011، تسبب أزمات سياسية ونفطية وأخرى مرتبطة بملف الهجرة، التي تفاقمت بطريقة ذاتية في ليبيا، في هز البلاد التي تفتقر بدورها إلى وجود حاكم متفق عليه.

على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، تعيش ليبيا في حالة فوضى عارمة. ولا تزال المواجهات العنيفة بين الجماعات المتخاصمة التي تتنازع على الأرض، تهز البلاد التي ظلت دون زعيم منتخب منذ سقوط القذافي في سنة 2011.

وفي ظل هذا الوضع، يُعتبر فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس، الوحيد المعترف به من قبل الأمم المتحدة. وفي مواجهته، يهيمن المشير خليفة حفتر، الذي يترأس ميليشيات الجيش الوطني الليبي، على شرق ليبيا.

في الأثناء، عُقد مؤتمر دولي جمع بين كل الأطراف الفاعلة في هذا الملف في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر في باليرمو الواقعة في مدينة صقلية.

وقد أجلت الانتخابات المزمع تنظيمها في شهر كانون الأول / ديسمبر الحالي، إلى فصل الربيع (في أحسن الأحوال). لكن، كشف الاجتماع أساسا عن الانقسامات التي تقوض البلاد. فقد أثار المارشال حفتر جدلا واسعا حول التوقعات بمشاركته أو تغيبه عن هذا الاجتماع، قبل أن ينظم إليه في النهاية.

خلال هذه المناسبة، كانت إيطاليا تنوي البروز على الصعيد الدبلوماسي. وقد انتقل رئيس وزرائها، جوزيبي كونتي، إلى ليبيا يوم الأحد الماضي في محاولة منه للدفع بالعملية السياسية. ولا يروق للقوة الاستعمارية السابقة في ليبيا التدخل العسكري، الذي تُحمِّل إيطاليا مسؤوليته لفرنسا، والذي أدى إلى سقوط ثم إلى موت القذافي قبل سبع سنوات.

وقد استغلت ميليشيات وجماعات مسلحة، فضلا عن إرهابيي تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة انهيار الدولة الليبية للتمركز محلياً، من خلال الاستيلاء على مخزون الأسلحة المتروك. ويتجلى التناقض الفرنسي الإيطالي في المجال السياسي أيضا، إذ تدعم إيطاليا السراج بينما تُفضل فرنسا حفتر، في إطار التصدي للإرهابيين.

الذهب الأسود في مركز التوترات

بعيدا عن ذروة سنة 2016، يواصل عشرات اللاجئين التوافد على إيطاليا كل أسبوع، بعد مغادرة السواحل الليبية الواقعة على بعد 300 كيلومتر فقط من جزيرة لامبيدوسا الإيطالية. علاوة على ذلك، شكّلت وفرة النفط الليبي مصدر جشع شديد يُغذي الصراعات السياسية ويعزز الفوضى العامة.

وبحوالي 48 مليار برميل، تمتلك ليبيا أكبر الاحتياطيات النفطية في إفريقيا، الأمر الذي يثير اهتمام الدول الأجنبية وطمع القبائل المحلية. في الواقع، تتقاسم المؤسسة الوطنية للنفط، الشركة التي تمتلكها الدولة الليبية، الأرباح مع المجموعات الأخرى، خاصة مع شركة “إني” الإيطالية و”توتال” الفرنسية بدرجة أقل

عموما، أُنتج أكثر من 1.6 مليون برميل قبل انتفاضة سنة 2011. لكن تراجع هذا الرقم إلى حدود الخمس خلال الصراع، قبل أن يعود إلى الارتفاع تدريجيا منذ ذلك الحين.

كان لابد من وقف الإنتاج في أوقات محددة، بسبب ارتفاع حدة التوترات، تماما كما حدث في شهر حزيران / يونيو الماضي. وانتهى المارشال حفتر، الرجل القوي الذي يفرض نفوذه على شرق البلاد، إلى السيطرة على الهلال النفطي، التي تُعتبر منطقة استراتيجية تضم 80 بالمائة من موارد ليبيا النفطية. واستولى بالتالي على صلاحيات المؤسسة الوطنية للنفط، الخاضعة لسيطرة الحكومة المنافسة المتمركزة في غرب البلاد.

كان فايز السراج، الذي عُين في شهر كانون الأول / ديسمبر 2015 رئيساً لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، الشخص الوحيد المعترف به من قبل المجتمع الدولي. ولا يُدير السراج، الذي يُعتبر ابن أحد الآباء المؤسسين لليبيا خلال فترة ما بعد الاستعمار في سنة 1951، المتمركز في طرابلس، سوى شؤون العاصمة والمناطق المحيطة بها، بدعم من الميليشيات المتحالفة معه.

ويقود المارشال خليفة حفتر، العدو اللدود للسراج، الجيش الوطني الليبي، الذي تأسس في نهاية الحرب الأهلية في سنة 2011. كما يسيطر على جزء مهم من البلاد.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا المؤيد السابق للقذافي، الذي خدمه طيلة سنوات عديدة، يشن معركة حاسمة ضد الجماعات الإرهابية التي استغلت الفوضى العارمة للتمركز في البلاد، الأمر الذي جعله يحظى بدعم بعض الدول الأجنبية، بما في ذلك فرنسا.

لكن، لا يعترف حفتر بسلطة السراج، المدعوم من طرف إيطاليا ورئيس وزرائها جوزيبي كونتي. وفي الحقيقة، أرادت الدولة الاستعمارية السابقة لليبيا إعادة تأكيد دورها الدبلوماسي، على حساب فرنسا بشكل خاص، من خلال تنظيم مؤتمر دولي في باليرمو يومي 12 و13 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي.

في الأثناء، أبدت إيطاليا امتعاضها من الطريقة التي تعامل بها الرئيس إيمانويل ماكرون مع هذه القضية فور وصوله إلى قصر الإليزيه. وقد التقت فرنسا في مناسبتين بالجهات الرئيسية الفاعلة في الصراع.

وفي السياق ذاته، عيّنت منظمة الأمم المتحدة المختص في العلوم السياسية غسان سلامة، كمبعوث خاص، قصد المساعدة على حل النزاع. في هذا الصدد، قال سلامة مؤخرا: “نحن لا ننظم انتخابات تحت القصف”. كما أضاف هذا المسؤول الأممي الذي شغل منصب وزير الثقافة اللبناني في السابق أن “الوقت قد حان لكي يقرر الليبيون مصيرهم بأنفسهم دون دعم منا”.

أهم الأحداث

20 تشرين الأول/ أكتوبر 2011بعد مرور سبعة أشهر على شن الغارات الفرنسية الأولى، تجد ليبيا نفسها دون رئيس إثر مقتل معمر القذافي، الذي حكم البلاد لمدة 42 سنة.

السابع من تموز/ يوليو 2011شهدت هذه الفترة أول انتخابات للمجلس الوطني، المتمثل في المؤتمر الوطني العام، الذي تسلم الحكم عن المجلس الوطني الانتقالي الليبي، حيث وقع تأسيسه خلال الحرب الأهلية في شباط/ فبراير من سنة 2011.

17 كانون الأول/ ديسمبر 2015عرفت هذه الفترة التوقيع على اتفاق تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، ينص على تشكيل حكومة وفاق وطني. وقد عيّن فايز السراج، حينها، رئيسا للوزراء.

25 كانون الثاني/ يناير 2016رفض البرلمان، الذي يقع في مدينة طبرق غرب البلاد، المقترح بشأن تشكيل حكومة وطنية. وقد نقل مقر الحكومة، لاحقا إلى طرابلس.

13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018عقدت مختلف الجهات الفاعلة في الصراع اجتماعا بباليرمو. وجاء هذا الاجتماع إثر إثنين آخرين في كل من قصر لاسيل سان كلو الفرنسي في تموز/ يوليو سنة 2017، ثم في العاصمة باريس في آيار/ مايو سنة 2018. وتجدر الإشارة إلى أن العملية السياسية متواصلة ولكن تتقدم ببطء شديد.

____________

الصحيفة: ليبراسيون

مواد ذات علاقة