بقلم علي عبد اللطيف اللافي

نجح الليبيون بين 2012 و2014 في إرساء بدايات مسار ديمقراطي، إلا أن الأطماع الإقليمية والارتهانات المحلية وأدت التجربة وبنت لحالة تأزم سياسي وعسكري بسطت ملامحها على كل المجالات.

فتفاقمت الازمة منذ 2014 لتتراكم تجلياتها وتُصبح ليبيا ساحة مُستباحة ومسرح توترات انعكست عليها أزمات خلافات حكام الدول الخليجية وتخوفاتهم من مد الحرية، ولكن كيف مثّلت سنة 2018 تكريس لملامح الأزمة، وهل ستكون 2019 بداية أمل لحل سياسي من أجل اقلاع ليبيا نحو أفق بناء مستقبل واعد لكل الليبيين بمختلف مدنهم وتياراتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية؟

ملامح ترسخ الازمة سنة 2018

أالربع الأول: أحداث وخلافات وتجاذبات حول المسارات والحلول

عمليا بدأت سنة 2018 بجدل دستوري فبعد أن أنجزت الهيئة المختصة مشروع الدستور أواخر 2017، رفع ناشطون دعوى ضدها في محكمة جنوب بنغازي الابتدائية، ولكن المحكمة قضت في مطلع يناير 2018، بأن أعمال الهيئة لا تخضع للقضاء، بوصفها منتخبة من الشعب.

ولكن الجدال بين لجنتي الحوار بالمجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب تواصل حول استكمال التعديلات على الاتفاق السياسي، وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية، في لقاءات أقيمت في تونس، وأيضا حول الوصول إلى صيغة توافقية حول قانون الاستفتاء، دون التوصل إلى حلول مجدية.

في بداية فبراير، قرر عدد من أهالي تاورغاء العودة لمدينتهم ولكن مسلحين اعترضوهم ومنعوهم من الدخول، وفي تلك الفترة شهدت سبها خلال شهر مارس صراعا مسلحا بين قوات تابعة للتبو وبين اللواء السادس، استعملت فيها الأسلحة الثقيلة مخلفا قتلى وجرحى، ومؤديا إلى نزوح عدد من المواطنين من الأحياء القريبة من الاشتباكات جراء تدهور الوضع الأمني.

أما سياسيا فقد قرر في تلك الفترة ممثلو 107 بلديات، في طرابلس، تكوين فريق عمل من عمداء البلديات يشرف على حوار مباشر بين لجنتي الحوار عن مجلسي النواب والأعلى الدولة، برعاية الأمم المتحدة، مطالبين المجلس الأعلى للقضاء بتولي زمام الأمور في البلاد، وتشكيل حكومة تسيير أعمال لا تزيد مدتها عن سنة، في حال انقضاء المدة الممنوحة للجنة العمل.

بالربع الثاني: تغيرات في الخارطة السياسية والاجتماعية والأمنية

في بداية ابريل تم انتخاب خالد المشري رئيسا جديدا للمجلس الأعلى للدولة بـ 64 صوتا، مقابل 45 تحصل عليها عبد الرحمن السويحلي وبسرعة استجاب المشري لدعوة من البرلمان المغربي للقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في العاصمة المغربية الرباط.

وبعد أيام تم عبر حبك مخابراتي , أمني خبر تدهور صحة قائد عملية الكرامة خليفة حفتر جراء إصابته بجلطة دماغية استدعت نقله للعلاج في فرنسا، وتم لاحقا إقرار أنه كان في رحلة علاجية بالخارج.

وبعد بداية مايو كشف القنصل الليبي السابق في مصر عادل الحاسي عن قضايا فساد، وهدر لأموال وممتلكات الدولة، تتعلق بنائبين بالمجلس الرئاسي، ونائب بمجلس النواب، ووزراء التعليم والخارجية والمالية بحكومة الوفاق.

ولم ينقضِ مايو إلا بمبادرة فرنسية دعا فيها الرئيس الفرنسي ماكرون، كل من السراج، والمشري، وعقيلة صالح، وخليفة حفتر، وغسان سلامة، ورؤساء وممثلين لأكثر من 20 دولة؛ إلى الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية، واتفق على إنشاء قاعد دستورية تؤسس لانتخابات تجرى نهاية 2018 الا أن الأمريكيين والايطاليين سارعوا الى افتكاك إدارة الملف الليبي من الفرنسيين واسقاط خيارات لقاء باريس.

وفي بداية يونيو تم توقيع ميثاق صلح بين مدينتي مصراتة وتاورغاء وأنهى بذلك معاناة 7 سنوات من النزوح لأهالي تاورغاء، وتم في لقاء صحفي في تونس اطلاق الإصلاحات الاقتصادية.

وفي أواخر يونيو، شهدت منطقة الهلال النفطي اشتباكات مسلحة بين قوات حفتر وقوات الجضران أدت إلى خسائر كبرى وتعطيل الصادرات، وتدمير خزانين للنفط الخام، وخسائر بعشرات المليارات.

لكن عقب هزيمة الجضران تم نصب فخ سياسي لقوات الكرامة والتي قررت تسليم الموانئ النفطية إلى الحكومة الموازية في الشرق، عبر رفض المجتمع الدولي لتصدير النفط عبر المؤسسة الموازية ومطالبته بتسليم الموانئ دون قيد أو شرط للمؤسسة الشرعية في طرابلس، وحديث الإعلام حينها عن رسالة شديدة اللهجة من الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب لحفتر وعقلية صالح.

تالربع الثالث من السنة: تطورات دراماتيكية متسارعة

في نهاية شهر يونيو وبداية يوليو وفي إطار سيناريو حالم لحفتر يعتمد ختم السيطرة على الشرق والتوجه جنوبا بعد السيطرة على حقول الوسطى رتبت قوات الكرامة للسيطرة الكاملة على مدينة درنة، بعد معارك استمرت أشهرا عدة.

ولكن اجتماع روما يوم 09-07 بين قوى دولية وأخرى إقليمية أسقط تلك الخيارات والذي بدأت خياراته في الانحسار نتاج خلافات سابقة مع العواقير وانقسام نواب المجلس بين فريق مساند له وآخر موال لصالح، وكتكريس للحضور الأمريكي تم تعيين وليامز مساعدة لسلامة والتي بدات مهامها بالمشاورات والزيارات المكوكية.

أما في أغسطس فقد شهدت أحداثا مبشّرة، في بدايته، عادت أكثر من 200 عائلة من تاورغاء إليها، وفي نهايته باغتت أحداث أليمة العاصمة طرابلس، فقد اندلعت اشتباكات مسلحة بين اللواء السابع من ترهونة وعدة كتائب من طرابلس، جنوب المدينة، وخلفت 100 قتيل و300 جريح.

ثم توصلت أطراف النزاع في سبتمبر لاتفاق على وقف إطلاق النار برعاية بعثة الأمم المتحدة، وإعادة فتح مطار معيتيقة.

وقدم مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة إحاطته، في سبتمبر، عقب أحداث طرابلس، حول تطورات الأوضاع السياسية والأمنية، إلى مجلس الأمن وتطرق إلى ملف الإصلاح الاقتصادي، وبيّن أن البعثة ترى في طلب السراج للدعم الدولي لإجراء مراجعة مالية ـ فرصةً ثمينةً لتحقيق الشفافية والمساءلة بشأن كيفية إدارة ثروة ليبيا.

وفي منتصف سبتمبر، قرر مجلس الأمن التمديد لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا عاما آخر، محددا مهامها بدعم العملية السياسية في ليبيا والمساعدة في إجراء الانتخابات في أقرب وقت، ويومها انعكس المشهد إيجابا على الناحية الاقتصادية، فقد وقع، في 12 سبتمبر، على برنامج الإصلاح الاقتصادي، واتفقت الأطراف المعنية على شكله النهائي.

كما تطور الموقف السياسي، حيث قرر مجلس النواب إعادة هيكلة المجلس الرئاسي واختيار رئيس حكومة منفصل عنه، وذلك بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة وكل ذلك بناء على مفاوضات النزل الغابي في أمستردام.

ج – الربع الأخير: ترتيبات أمنية وتغييرات وزارية وخطة أممية جديدة

في بداية شهر أكتوبر، أجرى السراج تعديلا وزاريا مفاجئا عين فيه فتحي باشاغا وزيرا للداخلية، وعلي العيساوي وزيرا للاقتصاد والصناعة، وفرج بومطاري وزيرا للمالية، كما عيّن بشير القنطري رئيسا للهيئة العامة للشباب والرياضة كما اعتمد الخطة الأمنية لتأمين طرابلس الكبرى المعدة من لجنة الترتيبات الأمنية.

وفي إحاطة أخرى لمبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة أمام مجلس الأمن، أعلن فيها انعقاد المؤتمر الوطني الجامع مطلع العام المقبل؛ لدفع العملية السياسية في ليبيا إلى الأمام، أعقبه ترحيب دولي، ثم اتجهت الأنظار منتصف نوفمبر إلى مدينة باليرمو الإيطالية حيث عقد هناك مؤتمر دولي حول ليبيا بعنوان “مع ليبيا ومن أجلها”،

وقد خرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات والتأكيدات، أبرزها: العمل على إصدار قانون الاستفتاء، واستكمال الاستحقاق الدستوري، وإنجاز الانتخابات في غضون ربيع 2019، ودعم المؤتمر الوطني الجامع، وبناء مؤسسة عسكرية موحدة تحت سلطة مدنية، مع الترحيب بالإصلاحات الاقتصادية والأمنية التي تجريها حكومة الوفاق، والحث على إنهاء ازدواجية المؤسسات.

كما اعتمد مجلس الأمن الدولي تمديد العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا حتى 20 فبراير 2020.

وقبل انتهاء شهر نوفمبر، أعلن مجلس النواب إنجاز قانون الاستفتاء على مشروع الدستور، وإجرائه تعديلين للإعلان الدستوري، التعديل العاشر الذي حُصِّن فيه المادة السادسة لقانون الاستفتاء على الدستور التي قُسمت فيها ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية، والتعديل الحادي عشر الذي نص في المادة الثانية منه على “أنه لا يترتب على هذا التعديل إضفاء أي شرعية على أية أجسام أو مراكز قانونية نشأت قبله ولم تكن مضمّنة في الإعلان الدستوري”، ليسلم بعد ذلك مجلس النواب قانون الاستفتاء على الدستور، للمفوضية العليا للانتخابات في ليبيا.

وفي سياق السجال المستمر بينهما، أعلن الأعلى للدولة، مطلع ديسمبر، رفضه المادة الثانية من التعديل الدستوري الذي أجراه مجلس النواب، وعدّ التعديلين العاشر والحادي عشر للإعلان مخالفَيْن للاتفاق السياسي.

وبعد نحو شهرين من تعيينه فاجأ وزير المالية بومطاري، في ديسمبر، الجميع باستقالته من منصبه، متهمًا مصرف ليبيا المركزي بالقفز على السلطة التنفيذية، وقرر الاتحاد الأوروبي، منتصف ديسمبر، تمديد مهمة عمل بعثته في البحر الأبيض المتوسط “صوفيا” إلى 31 من مارس 2019.

وقبل أن ينتهي العام استيقظت العاصمة على هجوم انتحاري قام به تنظيم الدولة على مقر وزارة الخارجية، أسفر عن مقتل 3 أشخاص وجرح 21 آخرين.

ليعلن بعدها وزير الداخلية عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية، ويتهم مخابرات دول أجنبية بنشر الفوضى الأمنية في البلاد.

2019 الأمل في توافق سياسي مرتقب

بدأت سنة 2019 وسط مخاوف كبيرة وآمال رحبة فهناك جمود سياسي يخيم على المشهد الليبي نتاج رغبة في تغيير المجلس الرئاسي من جهة وتعديلات دستورية منجزة أُلغى بموجبها مجلس النواب الأجسامَ السياسية الأخرى من جهة ثانية وكل ذلك وسط انتظار الجميع لانعقاد الملتقى الوطني الجامع بعد أسابيع قليلة، فهل ستشهد ليبيا في 2019 حقبة سياسية جديدة وتوحيدا للسلطة التنفيذية والتشريعية ولمؤسسات الدولة المنقسمة؟

كل ذلك متوقف على نية انجاز الاستحقاقات الانتخابية وقبل ذلك المصالحة الوطنية وإرساء العدالة الانتقالية وبناء على اتفاق الفرقاء على دفن آلام الماضي ولكن الخطوات والإجراءات والتوافقات مرتبطة بالأشخاص والافراد والتجاذبات ومرامي التيارات السياسية والفكرية والأذرع الإقليمية المشتغلة على أدوراها الوظيفية للقوى الدولية الطامحة في ثروات ليبيا الهائلة وأيضا باعتبارها ممرا مميزا نحو العمق الافريقي.

وفي الخلاصة ان ليبيا مرشحة للذهاب نحو سيناريوهات أربع محتملة وهي:

أانجاز الانتخابات في ربيع السنة القادمة (مارس أو مايو)، والغاية هنا هي الحسم في مسالة شرعية الأطراف الممثلة لليبيين.

بتمديد المرحلة الانتقالية سنتين اضافيتين أو في حد أدنى سنة ونصف وفقا لخيار تمديد المرحلة الانتقالية والبحث عن شخصية سياسية تحضى بقبول الليبيين ومزيد من التوافق بين الفرقاء.

تنسخ التجربة العراقية جزئيا أو بالكامل عبر حماية حقول النفط وانشاء منطقة خضراء في العاصمة وترك الليبيين يتقاتلون الى ما لا نهاية وما يدعم الخيار هو تسريبات وجود عملية البحث عن تعاقدات مع مؤسسات أمنية خاصة من جنسيات معروفة ومنح صنع الله صلاحيات واسعة في المبادرة واتخاذ القرارات.

ثحل عبر الحسم العسكري الميداني، وهو أمر جد مستبعد عمليا ولكنه وارد بناء على تطورات الاقليم وهو خيار طالما عمل عليه اللواء المتقاعد خليفة حفتر عبر ترتيبه لسيناريو سماه سيناريو الالتفاف على الجنوب ثم على العاصمة وكل ذلك امر أقرب للمستحيل ميدانيا وعمليا وسياسيا بدون دعم إقليمي ودولي كبيرين.

***

علي عبد اللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي تونسي مختص في الشؤون الافريقية

_____________

المصدر: صحيفة الرأي العام

مواد ذات علاقة