بقلم المهدي ثابت

إن ليبيا على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها ما بعد الثورة . فالسنوات العجاف طالت كثيرا . والرغبة في بناء الدولة أصبح أمرا مطلوبا أكثر من أي وقت مضى . والبعثة الأممية للدعم ترغب في تحقيق نجاح هذه المرة بعد تتالي خيباتها طيلة السنوات الفارطة.

فهل ستوفق في عقد المؤتمر الوطني الجامع بعد فشل اتفاق الصخيرات في ترتيب الوضع في البلاد.

إن الوضع شديد التعقيد بالنظر لتناقض المصالح في الداخل وكذلك بفعل التدخل الدولي الصارخ . وتبقى إرادة الليبيين ونضجهم الفيصل في تحديد مستقبل البلاد

الجزء الثاني

باليرمو وخارطة طريق جديدة

جاءت خارطة الطريق الإيطالية في مؤتمر باليرمو متضمنة لخمس مراحل ستنفذ سوية مع الأمم المتحدة. هذه المراحل الخمس هي :

أولا: ترتيبات أمنية تمكن حكومة الوفاق من جهاز أمني قوي يشتغل بالمطلق تحت إمرتها وهو ما بدأ يبرز ولو ببطء بعد العملية العسكرية التي جرت مؤخرا جنوب طرابلس وكانت بضوء أخضر دولي للحد من تغول الميسلشيات وجعلها ترضخ لسلطة الدولة .

وكانت تسمية السيد فتحي باشاغا وزيرا للداخلية رسالة قوية للمضي قدما في الترتيبات الأمنية . فالرجل مَرضٍ عنه دوليا ويحظى بدعم مدينة مصراته في الداخل وهو يشتغل الآن بعقلية رجل الدولة وبكثير من الذكاء والإرادة

ثانيا: حكومة مستقلة عن المجلس الرئاسي ذات دور خدمي. وقد وقع تغيير بعض الوزراء إلا أنه لم تتم بعد تسمية رئيس حكومة بالنظر لصعوبة التوازنات القائمة . وكذلك تغيير تركيبة المجلس الرئاسي لتكون برئيس ونائبين ولكن لن يتم ذلك إلا بعد المؤتمر الوطني الجامع بالنظر للخلاف العميق الحاصل بين البرلمان والأعلى للدولة حول الشخوص المعوضة للتركيبة الحالية.

ثالثا: المؤتمر الوطني الجامع : هذا المؤتمر رغم أنه متنزل في الخطة الإيطالية إلا أنه سيكون تحت الإشراف الكامل للبعثة الأممية باعتباره من مشروع خطة غسان سلامة التي قدم بها إلى ليبيا. هذا المؤتمر سيمثل فيه كل الطيف الليبي السياسي والعسكري والجهوي والإجتماعي . وبعده ربما ستدخل ليبيا مرحلة جديدة مغايرة لما سبقها

رابعا: الإستفتاء على الدستور وهي من أخطر المراحل وأدقها بالنسبة لليبيا . ذلك أن ليبيا تفتقد الآن للمرجعية السياسية والقانونية العليا التي تنظم طبيعة الحياة السياسية في البلاد وكيفية إدارة السلطة. هذه المحطة أمامها عقبات كأداء وأولها وثيقة الإستفتاء على الدستور التي صادق عليها البرلمان مؤخرا والتي قسمت ليبيا إلى ثلاثة أقاليم وضرورة أن تتم الموافقة بأكثر من خمسين بالمائة في كل إقليم ليمر الدستور .

هذا التعديل مخالف للإعلان الدستوري الذي يعتبر ليبيا دائرة انتخابية واحدة وقد تم رفضه من المجلس الأعلى للدولة وقد تسقطه المحكمة العليا لنعود بذلك إلى المربع الأول وإلى الدور المعطل الذي يلعبه البرلمان .

وإذا تم تجاوز هذا الإشكال وجرت عملية الإستفتاء وتمت المصاقة على الدستور يقع المرور إلى المرحلة الخامسة والأخيرة وهي الإنتخابات

خامسا: انتخابات رئاسية وتشريعية لن تتجاوز سنة2019 لتدخل البلاد مرحلة الوضع النهائي والإستقرار المؤسساتي. ولكن هل يمكن توفير البيئة الإنتخابية لتجرى انتخابات حرة ونزيهة وفق المعايير الدولية ويقبل بها كل الليبيين؟

المؤتمر الوطني الجامع

خلاصة ما توصلت إليه الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة هو المؤتمر الوطني الجامع للتوفيق بين مختلف القوى المتصارعة في البلاد بعد سنوات من الجهود التي باءت بالفشل.

لقد أدركت الأمم المتحدة أن المؤسستين التشريعيتين القائمتين الآن في ليبيا وهما البرلمان المقيم في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس عاجزتان عن الوصول للحد الأدنى من التوافق حول استحقاقات المرحلة المقبلة وقد عبر السيد غسان سلامة في عديد المناسبات عن قلقه لأداء هاتين المؤسستين وخاصة البرلمان الذي أصبح معرقلا فعليا للعملية السياسية .

ويرى السيد سلامة في أن الحل يتمثل في المؤتمر الوطني الجامع الذي سيعبر عن إرادة الليبيين وأن مخرجاته ستعتمد لتحديد ملامح المرحلة القادمة بما يوحي أنه سيحل محل المؤسستين كقوة تشريعية في مخالفة صريحة للإتفاق السياسي ولكن بشرعية دولية فرضها الأمر الواقع نتيجة حالة الإنسداد القائمة.

إن المؤتمر سيناقش أمهات القضايا المتعلقة بالوضع في البلاد كالإستفتاء على الدستور وتاريخ إجراء الإنتخابات ومسألة جمع السلاح وكيفية تجاوز الأزمات المستفحلة في عديد القطاعات والتوافق على مشتركات وطنية تحد من التدخل الخارجي وترسم ملامح خطة سياسية يتفق حولها المؤتمرون

هذا طموح بعثة الدعم ولكن السؤال

هل ستتمكن البعثة من جمع طيف يعبر فعلا عن حقيقة التوازنات في البلاد ويمثل إرادة الليبيين؟

وهل سيتمكن هذا الطيف المجتمع من الخروج بجملة من التوافقات تكون بداية جديدة لمرحلة تقطع مع الخلافات وحالة العسكرة ؟

الأمر ليس سهلا بالنظر للتراكمات الحاصلة طيلة سبع سنوات . فالمعوقات ستكون قبل المؤتمر وأثناء المؤتمر وبعد المؤتمر

المخاطر المهددة للمرحلة القادمة

إن الليبيين ليسوا على توافق تام لانعقاد المؤتمر الوطني الجامع . وهناك جهات على علاقة بأطراف أجنبية لا ترغب في نجاح العملية السياسية وستسعى لعرقلة انعقاد المؤتمر وحادث تفجير وزارة الخارجية يتنزل في هذا الإطار لأن الغاية هي خلط الأوراق وتأزيم الوضع الأمني بما يؤثر على انعقاد المؤتمر

وفي صورة الإنعقاد هل هناك ضمانات للخروج بتوافقات حقيقية تصمد أمام التحديات القائمة ؟.

وعلى فرضية الإتفاق على محددات حقيقية فما ضمانات صمودها في بلد يعج بالسلاح وترتع فيه المخابرات الأجنبية وتتربص به قوى إقليمية فاعلة ليس من مصلحتها نجاح العملية السياسية

إن الإتفاق على الحد الأدنى من المشتركات الوطنية سيحد بالتأكيد من التدخلات الأجنبية والمسؤولية ملقاة على عاتق الليبيين قبل غيرهم في إنجاح هذه المحطة الهامة

وإذا كانت القوى الدولية راغبة فعلا في الحل في ليبيا فإنه يمكنها الضغط على كل الأطراف المعرقلة سواء في الداخل أو في الخارج. وهذا الأمر يبقى صعب المنال لأن من أسباب استفحال الأزمة في ليبيا هو التدخل الخارجي الفج.

المؤكد أنه في حالة نجاح المؤتمر فإنه لن يكون هناك حضور في المرحلة القادمة لأي من الشخصيات الجدلية التي أثرت في المرحلة السابقة لأن في ذلك ضمانة حقيقية للنجاح.

كما أن مسألة جمع السلاح لن تكون مشكلة كبيرة إذا أعطيت لأصحاب السلاح ضمانات حقيقية لبناء الدولة وبسط نفوذها على كامل البلاد.

خاتمة

إن ليبيا تعيش على أمل مشوب بكثير من الحذر فالناس ملّت من الإقتتال ومن ضعف الدولة وهناك رغبة حقيقية لدى عديد المكونات الفاعلة للتوجه نحو الإستقرار والبناء ولكن أيضا المعوقات كثيرة أمام هذا الأمل . ويصعب على الأقل في المدى القريب التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد لأنه ليس أمام البلاد سوى خيارين لا ثالث لهما.

إما حلا سياسيا يقبل به الجميع بالترغيب والترهيب أو أن تدخل البلاد في حرب طاحنة تعرف بدايتها ولا تعرف نهايتها بعد أن تسقط كل مشاريع التوافق السياسي. ويبقى السيناريو الثاني أكثر استبعادا لأن مسألة استقرار ليبيا يعتبر أمنا قوميا لعديد القوى الفاعلة في العالم

***

المهدي ثابت ـ باحث تونسي في الشأن الليبي متحصل على الأستاذية في العلوم السياسية وأعد لرسالة الماجستير السياسية في العلاقات الدولية وهو مهتم بالشأن الليبي باعتباره شأن حيوي بالنسبة لتونس.

________________

مواد ذات علاقة