أثر حظر العمل والتنظيم الحزبي في ليبيا على تشوّه الثقافة السياسية تجاه الظاهرة الحزبية خلال الفترة 1951-2010

بقلم أحمد الرشيد، وعماد دخيل، وحكمت صبرة

تعد التعددية الحزبية ظاهرة حديثة العهد في الأنظمة السياسية المعاصرة، وقد أضحت ـ أحد مقومات العملية الديمقراطية في العالم اليوم، إذ لا تستقيم الديمقراطية النيابية إلا بوجود تعددية حزبية.

الجزء السادس

المحور الثالث: العمل والتنظيم الحزبي خلال حقبة حكم القذافي

6 ـ حملات الاعتقالات والإعدامات الممنهجة

تمثلت التوجهات المناهضة للأحزاب السياسية في عدد من التشريعات والقرارات والقوانين من بينها: “قرار حماية الثورةالصادر في 11 ديسمبر 1969، والمادة (18) الواردة بالإعلان الدستوري المؤقت الصادر يوم 12 ديسمبر 1969، والقرارات المتعلقة بتجريم الحزبية بمقولة من تحزب خان، يمكن القول إن الاعتداء على الحقوق والحريات العامة للإنسان في ليبيا جاء مبكرا، أي بعد ثورة سبتمبر 1969 مباشرة، بحيث كان العمل في البداية من أجل السيطرة على جميع مقومات الثورة والقضاء على معارضيها.

لقد تعرض المساجين في سجن الحصان الأسود، إلى الضرب المبرح خلال الفترة التي تلت 1970. وكانت التهم الموجهة لبعضهم: توزيع منشورات، والبعض الآخر الاتصالات مع الأعداء والتخابر مع جهات أجنبية لقلب نظام الحكم، وكان هذا السجن يثير الرعب بمجرد ذكر اسمه، ومن بين الذين تعرضوا للتعذيب الاستاذ عبدالمولى دغمان رئيس الجامعة الليبية، وموسى الشلوي، وأحمد عبدالرحيم، كما تعرض الشاعر راشد الزبير السنوسي، وصلاح الغزال، وعمر عبدالرحيم، ومحمد المهدي، وأحمد الزبير السنوسي أيضا للتعذيب، وقد اعتقلت هذه المجموعة في شهر أغسطس 1970 بتهمة تدبير محاولة انقلابية على نظام الحكم والانتماء إلى أحزاب سياسية، ومن الأساليب التي استخدمت لمحاربة الأحزاب السياسية أو أي فكر معارض:

أ ـ الاعتقال التعسفي: انتشرت سجون في مناطق عديدة واكتسبت دعاية مرعبة يضيق زنزاناتها، حيث مارست اللجان الثورية سلطات استثنائية باعتقال المشتبهين في معاداة النظام السياسي، وهكذا أصبح أمر الاعتقال روتينا يوميا.

ب ـ الاعتداء بالضرب: وهو من الأساليب المألوفة والمعتمدة لتخويف وإذلال المعتقلين من الحزبيين، وذلك بواسطة مجموعة من الملثمين يقومون بضرب المعتقلين مع وضع حاجز يمنع رؤية من يقوم بهذه العملية.

ج ـ هدم البيوت واتلاف الممتلكات: من بين الأعمال التي استخدمت خلال حقبة النظام السابق تعريض ممتلكات المناوئين للهدم للإتلاف، وذلك بغرض الضغط عليهم وثنيهم من الانخراط في التنظيمات الحزبية المحظورة.

د ـ الطرد من العمل: من بين الإجراءات التعسفية قيام النظام السابق بفصل العشرات من الطلاب والأساتذة من الجامعة، إلى جانب طرد عدد من الموظفين بسبب توجهاتهم وانتماءاتهم الحزبية.

وعقب إعلان الثورة الثقافية في 15 أبريل 1973، اعتقل عدد كبير من المنتمين للأحزاب السياسية منهم أساتذة جماعيون، معلمون، وصحفيون، وإعلاميون، قارب عددهم المائة.

وكان أسلوب العقاب المتبع هو السجن الجماعي، وكانت التهم التي وجهت إلى أغلبهم ـ التأسيس والانتماء إلى أحزاب سياسية ـ وتهريب الكتب الممنوعة، وفي التاسع من أكتوبر عام 1974، تقدمت النيابة العامة إلى غرفة الاتهام بمحكمة طرابلس الابتدائية باتهام أكثر من 31 شخصا، ومن أبرزهم الشاعر عبدالعاطي خنفر الذي قبض عليه بعد الثورة الثقافية مباشرة، وتم نقل هؤلاء في بادئ الأمر إلى المباحث العامة، ثم إلى السجن العسكري بمنطقة البركة في بنغازي، وبعد ذلك إلى سجن الكويفية، حتى استقر بهم المقام في سجن الحصان الأسود بطرابلس، وأغلب المعتقلين من عناصر جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي، ووجهت إليهم تهماً مختلفة لعل أهمها الإنتماء إلى تنظيمات حزبية محظورة، ونصت هذه التهم على الآتي:

1ـ المتهمون أقاموا تنظيما سياسيا محظورا بموجب القانون، يتخذ من الشيوعية الماركسية اللينينية عقيدة ومنهاج عمل لقلب نظام الحكم ونظموا أنفسهم في خلايا، ويعملون على استقطاب أعضاء.

2ـ اتهم هؤلاء بحيازة كتب ماركسية جلبوها من مصر والاردن كجزء من مكتبة التنظيم التي كانت تستعمل للتثقيف العقائدي.

3ـ إن المتهمين تلقوا بمدرسة الكوادر التابعة لإحدى المنظمات الماركسية في الأردن تدريبات عسكرية ومحاضرات في الثقافة الماركسية.

4ـ حضور اجتماعات للماركسية في بيت أحد المتهمين في بنغازي، طرح فيها منهجا للعمل الحزبي.

5ـ عمل أحدهم على أن يكون حلقة وصل بين التنظيم الماركسي وتنظيم التروتسكيين في محافظة الزاوية، وحاول أخرون تكوين جبهة يسارية وشارك في اجتماعات متعددة.

وينطبق على التهم السابقة نصوص المواد 3،2،1 من قانون تجريم الحزبية رقم 71\1972 وبالمادة 2\أ من قرار مجلس قيادة الثورة بشأن حماية الثورة الصادرة في 2 شوال 1389هـ الموافق 11 ديسمبر 1969، وبالمادتين 444 و 336 بند 2،1 من الفقرة الأولى، وبند 3 من الفقرة الثانية، وبالمادة 447\2، وبالمادة 77 من قانون العقوبات.

لذلك تطلب النيابة العامة من غرفة الإتهام إحالة القضية إلى محكمة الجنايات بطرابلس لمحاكمة المتهمين طبقا لنص المواد سالفة الذكر، وحكم على هؤلاء بعقوبات تتراوح بين الحبس أربع سنوات إلى خمس عشر سنة، وفي 24 فبراير 1977، عدلت هذه الأحكام بقرار من مجلس قيادة الثورة إلى السجن المؤبد والإعدام.

لقد شهدت الفترة (1973ـ1977) بداية الصراع الذي صنع أسبابه وعجل به القذافي ضد الأحزاب التي لم تستجب لسياساته، ولم تذعن لقراراته، واتخذت من السلبية موقفا رافضا لمشروعه الفكري وفق ما تسمى النظرية العالمية الثالثة، الذي بدأ يسوّق لعل بمقولاته من تحزب خان، و التمثيل تدجيل“.

ورغم قمع نظام القذافي المتواصل للأحزاب السياسية، لم تتوقف محاولات تكوين بعض الليبيين للأحزاب السياسية سراً في ليبيا أو خارجها، ومن أهم هذه المحاولات تشكيل عمر المحيشي الحزب الوطني الليبي بعد الإنقلاب الفاشل ضد النظام السياسي القائم في 1975.

وفي عام 1976، استهدفت الثورة الطلابية شريحة الطلاب من الحزبيين، وتم اعتقال قياداتهم وفصل العشرات من الدراسة الجامعية، وأعيد تشكيل الجهاز الإدراي للكليات والجامعات. وحدثت المواجهة المباشرة مع اتحاد الطلبة من قبل القوى الثورجية داخل جامعة بنغازي، حيث اعتقل عدد منهم، وفي يوم 6 أبريل 1977 أعدم كل من عمر دبوب، ومحمد بن سعود أمام كنيسة بنغازي بتهمة الإنتماء إلى حركة القوميين العرب.

لقد حاول بعض الحزبيين عقد عدة لقاءات سرية، بهدف تفعيل العمل السياسي، إلا أن الأمر لم يدم طويلا، حيث تمكنت عناصر الأمن الداخلي من كشف تحركاتهم والقبض عليهم جميعا، ووجهت لهم عدة تهم منها: محاولة قلب نظام الحكم، والتأسيس والإنتماء إلى حزب سياسي، والعمالة للخارج، ولقد شملت الحملة التي استُهدِف بها الحزبيون اعتقال نحو 60 طالباً ومعلماً في مناطق شرق ليبيا ينحدر أغلبهم من مدن بنغازي والبيضاء وشحات.

وممن شملتهم الاعتقالات الإذاعي بالقاسم بن دادو، ومحمد حمّي أحد رجالات الحركة الوطنية وأحد قيادات حزب البعث، والاستاذ طالب الرويعي الصحفي والنقابي التقدمي، واستاذ الفلسفة المصري الدكتور عبدالرحمن بدوي، وغيرهم كثيرون، ووجهت لهم تهم تشكيل تنظيم يساري مناوئ لنظام الحكم القائم في ليبيا.

ومن بين أهم الحركات السياسية المعارضة الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي تأسست عام 1981 وكان هدفها الإطاحة بنظام القذافي بكل الوسائل، ولتحقيق ذلك قامت بعدة محاولات انقلابية مسلحة، أشهرها الهجوم المسلح في مايو 1984 على معسكر باب العزيزية في طرابلس، حيث تمكّن ثمانية من عناصر الجبهة المعروفين بـ مجموعة بدرمن دخول معسكر باب العزيزية والاشتباك مع عناصر الحراسة، وتلا ذلك قيام الأجهزة الأمنية واللجان الثورية بحملة اعتقالات واسعة في صفوف المنتمين لهذه الجبهة، وقامت السلطات بمحاكمة ثمانية من عناصر الجبهة وصدرت أحكام بالإعدام منهم: محمد الشيباني، ساسي زكري، أحمد سليمان، عثمان زرتي، الصادق الشويهدي، عبدالباري فنوش، فرحات عمار، والمهدي لياس.

الجزء التالي سيتناول (المحور الرابع: الثقافة السياسية الشائهة)“.

***

د. أحمد الزروق أمحمد الرشيد ـ استاذ العلوم السياسية المساعد، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي

أ. عماد مفتاح فرج دخيل ـ استاذ العلوم السياسية المساعد، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي

أ. حكمت أحمد رجب صبرة ـ استاذ العلوم السياسية المساعد، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي

***

المصدر: مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد الثالث عشر يناير – كانون الثاني 2019 – المجلد الثالث. وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي المانيابرلين، تُعنى بالدراسات والبحوث والأوراق البحثية في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.

______________

مواد ذات علاقة