بقلم محمد عمران كشادة

تحت عنوان النيجر بوابة واشنطن لاقتحام مراكز نفوذ فرنسا في أفريقيا ” . نشر تقرير في صحيفة العرب اللندنية جاء فيه : “تشهد منطقة الساحل الأفريقي صراع نفوذ محموم بين الولايات المتحدة كقوة عالمية وفرنسا كقوة استعمارية سابقةفي المنطقة، إذ تتسابق القوتان إلى توسيع تواجدهما في المنطقة الاستراتيجية الغنية بالثروات الطبيعية.

الجزء الاول

المقدمة

ورد في التقرير إن الاندفاع العسكري الأميركي نحو النيجر يخفي صراعا حول النفوذ في المنطقة، مع فرنسا التي تدير قوات برخان المشكلة من خمسة آلاف جندي، من أجل بسط الاستقرار في المنطقة المضطربة التي تعاني من تنامي المتشددين الإسلاميين .

وأضاف التقرير : ” أعلنت فرنسا عن إطلاقها عملية برخان فاتح أغسطس عام 2014م ، حيث تغطي القوة خمس دول بمنطقة الساحل، وهي مالي وموريتانيا والنيجر وبوركينافاسو وتشاد.

ولا شك بأن الاهتمام الأمريكي بإفريقيا ليس جديدا ، كان هناك اهتمام أمريكي متزايد بالقارة السمراء ، منذ عهد الرئيس جون كنيدي الذي كان يؤمن بأهمية إفريقيابالنسبة لأمن ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد عبر عن ذلك في نظريته الآفاق الجديدة ، ويقول جون كنيدي في نظريته : ” إن مستقبل إفريقيا سيترك أثرا جديا على مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية بصورة ايجابية أو سلبية“.

ونحن في ليبيا نتابع التحركات الأمريكية في ليبيا والمنطقة ، ونحن على يقين بأن قيام الولايات المتحدة الأمريكية ببناء قاعدةعسكرية ضخمة في أغاديس شمال النيجر ، بالإضافة إل الدعوة التي وجهتها نتالي بيكر نائبة رئيس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في ليبيا للسيد حامد الخيالي رئيس المجلس البلدي سبها عندما التقته في تونس في ابريل 2018م ، وعرضت عليه باسم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الشراكة مع بلدي سبها لمواجهة التحديات ، انه بلا شك عرض يؤكد رغبة الأمريكيين في منافسة الوجود والنفوذ الفرنسي في جنوب ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي .

إن تصريحات جيران ليبيا من الأفارقة عند حدودنا الجنوبية لا يكنون الود للثورة الليبية ، يبدو ذلك من خلال تصريحاتهم ومواقفهم السياسية تؤكد ذلك ، انهيار الدولة الليبية والصراعات التي تعاني منها يجعلها غير قادرة على فرض هيبتها ، فلا يحسب لها بعض الجيران حسابا ، إن تعاطي كل من تشاد والنيجر مع الأزمة الليبية قد لا يكون دائما نابعا من إرادة سياسية مستقلة ، لفرنسا تأثير كبير في مواقف وسياسات جيراننا الأفارقة .

اليوم الدولة الليبية تفقد القدرة على التحرك والتأثير في جوارها الإفريقي ومجالها الحيوي ، وقوى دولية كبرى رسخت وجودها في المنطقة ، ولاعبون كثر يتحركون بحرية وبدون وجود قوة تقاوم سطوتهم ، تحالفات ، وقواعد عسكرية تنتشر في تشاد والنيجر ، وقواعد جديدة يتم بناؤها، ومصالح اقتصادية مشتركة.

إن خشيتنا في ليبيا ليس فقط في تصريحات ومواقف جيراننا في تشاد والنيجر المعادية لنا، بل أن تكون كل من تشاد والنيجر طرفا في أي عمل عسكري تقوم به فرنسا في المستقبل في جنوب ليبيا، فزان الغنية بالنفط والغاز لا يمكن إن تسمح فرنسا لقوة أخرى بان تهيمن عليها، وقد يتطلب الأمر لحماية مصالحها وضمان نفوذها في مستعمرتها التاريخية أن تقوم بعمل عسكري، والحجة جاهزة وهي مكافحة الإرهاب .

أولا: ليبيا ودول الجوار الافريقي … حقائق الجغرافيا والعلاقات التاريخية

هناك عدة أبعاد تمثل تلك العلاقة بين ليبيا ودول جوارها الإفريقي تشاد والنيجر، أبعاد تاريخية وجغرافية واقتصادية وديموغرافية، ليس فقط من باب تأكيد العلاقات التاريخية بين ليبيا وجيرانها الأفارقة ، بل نحو فهم أكثر وإدراك بان حسابات السياسة ليست وحدها من تؤثر في مواقف كل من تشاد والنيجر تجاه الازمة الليبية.

ثمة مؤثرات كثيرة ، ومحددات لها حضورها القوي في ذهن صانع السياسية الخارجية تجاه ليبيا في دول جوارها الإفريقي ، كما إنها مؤثرات تحسب لها الدول الكبرى ألف حساب حين تريد أن تكون لاعبا مهما وتضمن مصالحها في جغرافيا تمثل مجال حيوي للدولة الليبية، جغرافيا منطقة كتبت الشعوب تاريخها بالحبر والدماء، ويمكن ان نحدد تلك الأبعاد فيما يلي :-

1/ البعد التاريخي

إن علاقات الدولة الليبية مع دول الجوار الإفريقي، كانت نتاج تفاعل تاريخي منذ فترة طويلة، وهذه العلاقات هي جزء من الذاكرة التاريخية للشعب الليبي والشعوب التى تجاوره، ولقد تفاعلت القبائل الليبية مع القبائل الإفريقية فى تشاد والنيجر، وكان للإسلام دور كبير فى دفع ذلك التفاعل وخلق الصلات والروابط المشتركة ، كما إن الوجود العربي في تشاد والنيجر قد أضفى على العلاقات التاريخية طابعأ مميزاً رسخ تلك العلاقات ووطدها.

لقد كانت حركة القوافل التي ازدهرت بين الليبيين وإخوانهم الأفارقة فى تشاد والنيجر وبقية الدول الإفريقية دليل على عمق وترابط ليبيا مع جوارها الإفريقي . ولقد كانت ليبيا طرفاً في الصراع بين الممالك التشادية في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، فلقد كانت الممالك التشادية وهى برنو وباقرمي وكانم ووداي تتصارع فيما بينها على النفوذ والسيطرة، ولقد ربطتها مع الدولة الليبية وقتها علاقات دبلوماسية مميزة ووثيقة.

كانت هناك علاقات بين ليبيا ومملكة برنو، وفي عام 1807م أرسلت بعثة تجارية من طرابلس إلى برنو ، وكانت البعثة بقيادة محمد المكني، وفي عام 1817م طلب الشيخ محمد الأمين الكانمي المساعدة من يوسف باشا القره مانلي المساعدة العسكرية في حربه ضد مملكة باقرمي، وفي نفس الوقت كانت مملكة برنو مهددة بالغزو من قبل الدولة الصكتية ، أو خلافة سكوتو في شمال نيجيريا ، وكان من الطبيعي أن تجد في تحالفها مع ليبيا دعمأ لها في حروبها مع بقية الدول والممالك .

وفي عام 1821م استجابت ليبيا لطلب المساعدة العسكرية الذي تقدمت به مملكة برنو في حربها ضد مملكة باقرمي التي توجت بالنصر بعد استكمال تأسيس الإدارة العثمانية في ليبيا عام 1858م. كانت غاية خدمات الدولة العثمانية توفير الرخاء وتوطيد الأمن واستكمال فرض السيادة العثمانية على فزان وما وراءه من بلاد السودان، والاهتمام بالتجارة الصحراوية وتحسين العلاقات السياسية مع بلاد السودان، وترسيم الحدود مع فرنسا، وكانت تلك الأهداف سبباً لظهور السياسة التركية الصحراوية وبروز مشكلة الهنترلاند الليبي التي شغلت اهتمام السياسة التركية بين عامي 1890م -1918م ، وعليه، فقد قامت إستراتيجية الإدارة العثمانية في ليبيا تجاه مناطق ما وراء الصحراء على ما يلي:

ـ استكمال عمليات فرض السيادة العثمانية على فزان وما ورائها من بلاد السودان:

أدركت السلطات السياسية العثمانية في طرابلس بان إقليم فزان وما وراءه من بلاد السودان هو المجال الحيوي لتوسع النفوذ السياسي والاقتصادي لسلطات طرابلس، وذلك لوجود مصر في الشرق بقوتها الحديثة في عهد أسرة محمد علي، وفي الغرب تونس التي كانت تحكمها الأسرة الحسينية وترتبط في الوقت نفسه مع السلطات الليبية بعلاقات حميمية. ويرجع اهتمام العثمانيين بمراكز التجارة الصحراوية في غدامس، وغات، ومرزق، وما وراءها من أسواق بلاد السودان بداية من فرض السيادة العثمانية المباشرة على فزان عام 1842م ، وغدامس عام 1843م ، وغات عام 1872م ، ومن ثم على باقي دواخل الولاية.

وكان العثمانيون يتطلعون إلى أن تصبح الطرق التجارية مع بلاد السودان تحت سيطرتهم ليتمكنوا من فرض الأمن والاستقرار في دواخل الولاية، لذلك عملوا على مد نفوذهم على القبائل البدوية في الواحات الصحراوية الرئيسية.

يذكر الدكتور القشاط في سياق تدليله على عمق العلاقات الليبية الأفريقية أن بعض الأسر الليبية استطاعت تأسيس دويلات حاكمة في السودان، ومنها: أسرة ضياء بن قيس الطرابلسية التي نسب إليها بناء مدينة قاو، وتأسيس أسرة حاكمة في سنغاي، كما يشير إلى تأسيس محمد الأمين الكانمي، وهو ليبي من فزان أسرة حاكمة في كانم برعاية ومساندة سياسية من السلطات الليبية في طرابلس متخذاً كوكا عاصمة له عام 1814م.

ويختتم تدليله على امتداد الأثر الليبي إلى الإدارة السودانية بإشارته إلى الأسرة العباسية في مملكة وادي التي أسسها عبد الكريم الصالح في النصف الأول من القرن السابع عشر وكان من أشهر ملوكها عبد الكريم صابون 1803م -1813م .ونحن الليبيون لم يسقط من ذاكرتنا التاريخية بأن تشاد كانت ضمن نفوذ الحركة السنوسية المدعومة من الدولة العثمانية في العهد العثماني الثاني في ليبيا، ولقد دارت بين الليبيين بقيادة الحركة السنوسية وفرنسا القوة القادمة لاستعمار المنطقة معارك كثيرة سقط فيها كثيرا من الليبيين شهداء دفاعا عن ليبيا وتشاد وعن الإسلام ، ولم يتوقف الجهاد الليبي في تشاد ضد فرنسا إلا في عام 1911م عندما جاءت ايطاليا واحتلت ليبيا .

2- البعد الجغرافي

يتمثل البعد الجغرافي في علاقات ليبيا مع دول الجوار الإفريقي تشاد والنيجر في جانب أساسي وهو الحدود المشتركة ، تشاد تعتبر مدخلا إلى إفريقيا الوسطى ، والنيجر كذلك ، اما الحدود فهي حدود رسمية وسياسية تشكلت مع انتهاء فترة الاستعمار وقيام الدول القومية الحديثة ، وكان أسوأ ما حدث فيما يتعلق بالحدود هو النزاع الحدودي بين ليبيا وتشاد على إقليم أوزو.

ـ الحدود الليبية

اشترك في رسم الخريطة السياسية لليبيا، وتعيين حدودها كل من الدولة العثمانية، وإيطاليا، والنظام الملكي، وهنا لعبت الدولة الثانية التي استعمرت ليبيا الدور الكبير والهام في تحديد ورسم معالم حدود ليبيا مع دول الجوار التي كانت بدورها تحت السيطرة الأجنبية، وذلك بإبرامها أغلب الاتفاقيات مع الدول المجاورة لليبيا، رغم الفترة الزمنية القصيرة التي سيطرت فيها على البلاد ، إذ مر تحديد الإطار الخارجي للبلاد بمجموعة من المراحل ، والاتفاقيات خـلال عدة سنوات جـاءت على النحو الآتي:

ـ اتفاقية عام 1919م بين كل من ايطاليا والحكومة الفرنسية التي تم بموجبها تحديد الحد الفاصل ما بين ليبيا وكل من تشاد والنيجر بطول 1350كم ، ولو أن العمل بهذه الاتفاقية لم يجد طريقه إلى التنفيذ لعدم إتمام إجراءات التصديق عليها من قبل البرلمان الإيطالي مما تطلب  تعديلها لاحقاً.

ـ اتفاقية عام 1935م بين ايطاليا وفرنسا وتم تنفيذها وإقرار الحدود الليبية التشادية بسبب عدم إتمام إجراءات التصديق على اتفاقية عام 1919م .

ـ اتفاقية عام 1955م بين النظام الملكي، والحكومة الفرنسية التي عدلت بموجبها الحدود الليبية التشادية ، بما في ذلك اقتطاع جزء من الأراضي الليبية لصالح تشاد وهو ما أثار توتراً ونزاعاً على منطقة (أوزو) حتى صدر بشأنه حكم من قبل محكمة العدل الدولية بتاريخ 4 فبراير عام 1994م التي حكمت بتعـديل الحدود بما يتمشى ورغبة الطرفين.

هنا ينبغي إن نشير إلى حقائق تاريخية هامة.

إن الحدود المشتركة بين ليبيا وجيرانها الأفارقة تشاد والنيجر اليوم هي من أهم القضايا التي لها الأولوية على طاولة الاجتماعات واللقاءات، وهي الشغل الشاغل لليبيا وجيرانها، حيث التحديات التي تفرضها أفواج المهاجرين غير الشرعيين، والإرهاب العابر للحدود، والجريمة المنظمة، وهي قضايا جعلت المنطقة رهينة للتدخلات الأجنبية.

البقية في الجزء التالي بداية من (3 البعد الديموغرافي).

***

محمد عمران كشادةـ باحث بمركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية بتونس

______________

مواد ذات علاقة