يهدف الأورومتوسطي إلى أن يكون هذا التقرير مساعداً لمنظمات المجتمع المدني في ليبيا والمؤسسات الأكاديمية والحقوقية في فهم أبعاد المشكلة بما يسهم في حلها قانونياً ومجتمعياً وبما يتوافق مع التزامات ليبيا بموجب قوانين حقوق الإنسان.

أولا: مدى جواز زواج الليبية من الأجنبي

قد يكون من المستغرب أن مسألة حرية المرأة في اختيار زوجها هي محل نظر وفق القوانين والأعراف الليبية، غير أن هذا هو الواقع وفق ما تمليه القوانين الليبية وتمليه اعتبارات ترى المؤسسات الرسمية الليبية أنها ضرورية لحماية المرأة في ليبيا. وفيما يلي توضيح ذلك.

1ـ الإطار القانوني لزواج الليبيات من أجانب

نُظم زواج النساء الليبيات من أجانب بالقانون رقم 15 لسنة 1984 في شأن قواعد الزواج من غير الليبيين والليبيات“. حيث ميّز القانون بين نوعين من الأجانب:

ـ الأجنبي غير العربي: وفقا لـ (المادة 2) من هذا القانون، فإن على أي ليبي أو ليبية ترغب بالزواج من شخص لا يتمتع بالجنسية الليبية ولا بجنسية أي دولة عربية (وهو ما يعرف بالأجنبي غير العربي)، الحصول على موافقة أمنية من جهاز الأمن الخارجي. وقبل البدء بأي إجراء آخر، على صاحب الشأن تقديم طلب يبدي فيه الأسباب والظروف المبررة لطلبه. كما يشترك أن لا يكون طالب الزواج متزوجاً أو مطلقاً.

ـ الأجنبي العربي: بحسب ما نصت عليه (المادة 3) من القانون، فإن على أي ليبي أو ليبية ترغب في الزواج من شخص لا يتمتع بالجنسية الليبية ولكنه يتمتع بجنسية إحدى الدول العربية، الحصول على إذن من وزارة الشؤون الاجتماعية، وذلك بعد تقديم طلب لها، يرفق عادة مع شهادة إقامة، ووثيقة إثبات ديانة، وموافقة سفارة الشخص الذي ترغب الزواج به.

وفي الحالتين تحال كل المستندات إلى لجنة تشكل داخل وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي مخولة بإعطاء الموافقة من عدمها. وبحسب المادة 4 من القانون، لن يتم الموافقة ما لم يتم إجاء بحث اجتماعي والتأكد من وجود مبررات قوية تبرر طلب الزواج من غير الليبيين.

وكما هو ملاحظ من نص القانون، فإن مسألة الزواج من الأجانب لم تستثن الليبي من شرط الحصول على موافقة لجنة وزارة الشؤون الاجتماعية، تماما كالليبية. إلا أن التمييز والاختلاف يكمن في الآثار المترتبة على زواج الليبي من أجنبية.

فأبناء الليبي المتزوج من أجنبية يعتبرون ليبيين تماماً. كما لو كانوا قد ولدوا من أم ليبية. فلهم من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كالليبي المولود من أب وأم ليبية. بعكس أولاد الأم الليبية التي تتزوج من أجنبي، وهذا ما سيأتي تفصيله.

يقول عياد الشويهديمدير فرع وزارة الشؤون الاجتماعية بمصراتة، تعليقا على نص المادة التي تطلب إذنا مسبقا للزواج من أجنبي أو أجنبية: “إن الوزارة تواجه عدة إشكالات مع المواطنين والمواطنات الليبيات الرغبين والراغبات بالزواج من أجانب، كون هذه الشروط تتعارض مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية التي تعتبر أساسا لمعظم التشريعات في ليبيا. والتي تقتضي في أي زوج يتقدم لخطبة إمرأة ضرورة توفر عاملين رئيسيين هما: الخلق والديندور أي اعتبار للجنسية.

والملاحظ من حيث التطبيق، أن عدم تقييد عمل اللجنة المخولة بمنح الموافقات بالزواج بضوابط صارمة. يجعل إمكانية تعسفها وارداً حتى إذا توفرت كل الشروط، بسبب عدم وجود جهة رقابية على أعمالها، وتعذر الطعن في قرارها لدي جهة إدارية أعلى.

حيث لن يكون هناك إمكانية لاستدراك القرار إلا عبر الطعن فيه إداريا أمام القضاء الإداري. غير أن هذا الطريق، على صعوبته من حيث الكلفة والحاجة للجهد والوقت، ليس من المضمون النجاح فيه، حيث أن إثبات تعسف اللجنة في مثل هكذا مسائل سوف يكون غاية في الصعوبة.

وطبقا للمادة 5 من القانون رقم 15 لسنة 1984، فإن عقود الزواج التي تتم دون موافقة وزارة الشؤون الإجتماعية، بما في ذلك التي تتم خارج ليبيا، لا يجوز توثيقها أو إثباتها أو تسجيلها إلا بعد صدور الإذن من الوزارة. ولا يجوز أيضاً الاعتداد أمام الجهات العامة بعقود الزواج التي تتم بالمخالفة لأحكام القانون المذكور، كما لا تترتب على هذه العقود أية آثار قانونية قبل جهة العمل أو غيرها من الجهات العامة التابعة للدولة.

تنص المادة 8 من القانون نفسه على أنه لا يجوز الاعتداد أمام الجهات العامة بعقود الزواج التي تتم بالمخالفة لأحكام هذا القانون، ولا تترتب على هذه العقود أية آثار قانونية .. “

وبالتالي، فإنّ أي عقد زواج يتم بين ليبية وأجنبي لن يكون من الممكن توثيقه طالما أن الإذن لم يمنح من قبل لجنة وزارة الشؤون الاجتماعية. وهذا يعني أن هكذا عقد طالما أنه غير موثق بالسجل المدني، فإن الجهات الحكومية في ليبيا لا تعرتف به، سواء فيما يتعلق بالآثار المترتبة على عقد الزواج أو أثنائه أو حتى في حالة الفسخ والطلاق.

ويعني ذلك، من ضمن ما يعنيه، أن الأبناء الناجمين عن هكذا زواج لن يتم الاعتراف بهم، وسوف يعاملون باعتبارهم أجانب، لا جنسية ولا وثيقة سفر ليبية لهم. وعليه، فإذا قررت ليبية السفر بأبنائها إلى دولة تونس مثلا فيمكن لها أن تدخل هي، ولكن دون أولادها. حيث أن الدخول للأراضي التونسية بدون تأشيرة مقتصر على الليبيين، فيما إن أبناء الليبية يعدون أجانب.

وقد حاول فريق المرصد الأورومتوسطي الحصول على إحصائية حول عدد النساء الليبيات المتزوجات من أجانب من وزارة الشؤون الاجتماعية في ليبيا. وهو ما رفضته الوزارة. معللة ذلك بأن هذا الأمر شأن داخلي ومن الأسرار التي لا يمكن البوح بها وتحملا تهديداً للدولة الليبية“.

يتبع في الجزء التالي بدأً بـ (2 ـ حماية المرأة، أو تقييد تعسفي لحقها في اختيار زوجها؟)

***

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ـ هو منظمة دولية مستقلة تعنى بقضايا حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تأسست في نوفمبر2011. ويقع مقر المنظمة الرئيسي في جنيف بالإضافة إلى وجود مقر إقليمي في الأراضي الفلسطينية، وعدد من الممثلين في دول أخرى.

____________

مواد ذات علاقة