بقلم السنوسي بسيكري

تنقية الأجواء الملوثة بأنفاس ثورية متزمتة ودينية متشددة وقبلية وجهوية متعصبة، هي أولى خطوات السير باتجاه حل الأزمة الراهنة في ليبيا، وثاني الخطوات طرح مقاربة مُثلى تستوعب الجميع وتحرك العربة المتوقفة بسبب العراقيل المحلية والخارجية.

ثبت أن النزوعات الثورية المتزمتة والدينية المتشددة والقبلية والجهوية والمناطقية المتعصبة تصنع حاجزا سميكا يحجب عنا ضوء الشمس والهواء العليل فنتيه بعيدا عن مسار الحل ونُغرق كثيرا في النزاع والصراع.

المقاربة المثلى المقصودة هي تلك التي تضمن الاتفاق على السير الصحيح باتجاه الاستقرار السياسي ثم التطور الاقتصادي والاجتماعي، على أن تكون الانتخابات هي أداتها للوصول إلى بر الأمان.

المقاربة المثلى ينبغي أن تجيب على مسألة الأرضية الدستورية والقانونية التي تقوم عليها الانتخابات عبر توافق واسع لا إقصاء فيه، والاتفاق على السلطة التنفيذية المخولة بالإشراف على تهيئة المناخ.

المقاربة المثلى ينبغي أن تتضمن أفضل الخيارات لترتيب الوضع الأمني على صعيديه العسكري والشُرَطي من ناحية التنظيم والهيئة والتبعية ومن ناحية التمركزات والأدوار والمهام.

 ثبت أن النزوعات الثورية المتزمتة والدينية المتشددة والقبلية والجهوية والمناطقية المتعصبة تصنع حاجزا سميكا يحجب عنا ضوء الشمس والهواء العليل فنتيه بعيدا عن مسار الحل ونُغرق كثيرا في النزاع والصراع.

ومطلوب أيضا من المقاربة المثلى أن تجيب على سؤال المصالحة الشاملة ومنطلقاتها وآلياتها وكيف تكون عضدا للتسوية السياسية ودعما لها لتحقيق الغايات المنشودة.

ومطلوب أخيرا من المقاربة المثلى التوافق على الدور المناسب والملائم للمجتمع الدولي في حل الأزمة الليبية والالتزام الكامل والصادق للحد من التدخلات الإقليمية والدولية والاتفاق على دور البعثة بما يسهل اشتراطات الانتقال والتقدم على المسارات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

غياب المقومات السابق الإشارة إليها يفسح المجال للمغامرين وأصحاب المصالح الشخصية من الفرقاء المحللين لتعبئة المتنازعين باتجاه مشاريعهم التي تخدم مصالحهم، كما تشكل المدخل الواسع لولوج الأطراف الإقليمية والدولية وتمرير أجنداتها التي في معظمها لا تخدم المصلحة العامة الليبية بل تقوضها وتهدم المتبقي من المقدرات الوطنية.

راجع معي منحى السياسة والأمن في ليبيا منذ 2011م وسيتجلى لك كيف تم تجيير تعرجاته وانعطافاته الحادة لصالح الطامحين المحليين والطامعين الخارجيين وكيف أن دورهم الهدام اقترن بتفجر الخلافات ذات الطبيعة الثورية والدينية والقبلية والجهوية، ولن أجادل في فرضية تورطهم في تفجيرها فلن يؤثر صحة الفرضية أو خطأها في تشخيصنا للعوائق وتقديرنا لسبل مجابهتها.

الحل يبدأ بتوافق داخلي

التفكير المنطقي في مخرج من الأزمة ينبغي أن ينطلق من أساس الداء، ذلك أن النجاح في استئصال تلك النزوعات أو تحييدها سيحد من تدخلات الطامحين المحليين والطامعين الخارجيين. وسيهيئ المناخ للاتفاق على المقاربة المثلى للسير الثابت إلى الأمام باتجاه تخطي الأزمة.

أعتقد جازما أن أساس المشكلة هو ما ذكرت وأن خيار الحل هو مجابهة المشكلة وأسبابها وفق ما وضحت، غير أن الحل ليس فقط بمجرد الوقوف عليه، فالنزوعات الثورية والدينية والقبلية والجهوية المتطرفة حالة مستعصية تخطيها يتطلب محفزات ودوافع وحتى ضغوطات وإكراهات.

لكنها ممكنة وذلك في حال بروز شخصيات ذات قبول نخبوي وشعبي ضمن التيارات الثورية والدينية والقبلية والجهوية تتقدم للدفع باتجاه تنقية المناخ من تلك اللوثات وتوفير أجواء صحية للحوار والتفاوض حول المختلف فيه من الملفات والوصول للمقاربة المثلى.

الشخصيات المرشحة في حال اجتماعها على ما يجمع ومجافاتها لما يفرق وإبداعها في مقاربة الحل تحتاج أن تجمع حولها الأنصار بحيث تتشكل قاعدة سياسية اجتماعية تكون بمثابة الكتلة القادرة على حفز أصحاب القرار ومن يملكون مفاتيح الحل من ساسة وعسكريين للتخلي عن تصلبهم، وتفلح في إبعاد المتدخلين الخارجيين عن المشهد.

أعتقد أن تكوين حراك شعبي بقيادة نخبة وطنية يمثل طريق الخلاص، خاصة إذا ترافق ذلك مع خطاب متسامح تصالحي يجنح إلى الوحدة ويضمن تماسكها عبر حلول للعوائق التي تقف أمامها، ويمهد لانطلاقة تتجاوز كل العراقيل.

أخيرا أقول إن المقاربة المثلى في ظل أجواء إيجابية ومناخ صحي ينبغي أن تتطرق إلى معالجة مفاهيم بعضها ذو طابع فلسفي وتحتاج إلى توافق وتأطير فكري وعملي ومن مثالها: هل الدستور هو مفتاح الأزمة وصانع الاستقرار، أم أن المصالحة والوفاق السياسي والتصالح الاجتماعي هما ما يصنعان الدستور؟

وهل الجيش الوطني المهني نتاج استقرار سياسي وأمني يأتي عبر وفاق أو انتخابات أم أنه أداة حل الأزمة وتحقيق الاستقرار؟

كما أنها تتطلب الاتفاق على تصحيح الأفكار المغلوطة حول الدين ومكانته وعلاقته بالسياسة، والقبيلة ووظائفها، والهوية الجامعة وسبيل تشكلها، وتوصيف دقيق لمفاهيم تنخر في جسم الدولة والمجتمع مثل الإرهاب والتطرف، والمليشيات وسبل تفكيكها.

***

السنوسي بسيكري ـ كاتب وباحث ومدير المركز الليبي للبحوث والتنمية

____________

مواد ذات علاقة