بقلم أيمن محمد – أوباري

بعد أيام من انطلاق العمليات العسكرية التي أعلنت عنها قوات حفتر منذ أكثر من أسبوعين ضد ما أسمته التنظيمات المتطرفة وعصابات التهريبجنوبي البلاد، ارتفعت أصوات تتهم هذه القوات بأن هدف عملياتها هو التطهير العرقي وإبادة إحدى أكبر القبائل بالجنوب الليبي.

فقد طالب أعيان ومشايخ وأهالي قبيلة التبو في بيان لهم بمدينة مرزق (250 كيلومترا جنوبي سبها) بوقف الإبادة التي يتعرض لها أبناء التبو في منطقة غدوة جنوبي ليبياعلى يد قوات حفتر.

وناشدوا حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا تحمّل مسؤولياتها تجاه أبنائها في الجنوب، لكن الحكومة لم تدل بعد بأي تصريح بشأن هذه المطالب أو العمليات العسكرية لقوات حفتر، خاصة أن سبها وبلدات الجنوب الغربي تتبع إداريا لسلطتها

وقال رئيس المجلس الاجتماعي لمرزق محمد لينو إن هدف العملية العسكرية التي أطلقتها قوات الكرامة في الجنوب هو القضاء على قبيلة التبو وكسر شوكتها.

وأضاف في مداخلة له عبر قناة ليبيا الأحرار (خاصة)- أن قبائل التبو ترحب بأي عملية يكون هدفها تطهير المنطقة من العصابات الأجنبية والإرهابية، إلا أن قوات حفتر عملت على تشكيل لواء قبلي بغرض استهداف مكون التبو، محذرا في الوقت ذاته من تجدد الاقتتال في حال عدم انسحاب القوات المهاجمة.

إدانات

ودان التجمع الوطني التباوي ما تقوم به غرفة عمليات الجنوب التابعة لقوات حفتر لاحتوائها على قبائل متخاصمة معهم، وتقديمها الدعم العسكري واللوجستي لبعض القبائل على حساب أخرى.

وطالب التجمع في بيان لهبالتحقيق مع آمر منطقة سبها العسكرية، المبروك الغزوي الزوي بسبب قيام مجموعات مسلحة تابعه له باستفزازات وسرقة ممتلكات خاصة وعامة، وفق البيان.

وتتهم قبائل التبو قوات حفتر بالاستعانة بقبائل لها عداءات قديمة معها ضمن قواتها التي تستعد للهجوم على مدينة مرزق (أغلبية سكانها من التبو).

ومن بين تلك القبائل، قبيلة أولاد سليمان التي تقطن مدينة سبها (ألف كيلومترا جنوب طرابلس)، حيث شهدت المدينة مواجهات مسلحة بين القبيلتين خلفت عشرات القتلى والجرحى في السابق. ويعود الصراع بين القبيلتين إلى عام 2012، عندما قتل مسلحون من التبو أحد قادة أولاد سليمان في منطقة تراغن قرب سبها.

وتتمركز حاليا الكتيبة 128 التابعة لقوات حفتر بمنطقة غدوة القريبة من مرزق والتي يقودها حسين الزادمة الذي ينتمي لقبيلة أولاد سليمان والتي تجمعها خصومات تاريخية مع قبيلة التبو.

وترتبط قبيلة التبو كذلك بعداء مع قبيلة الزوية التي تقطن مدينة الكفرة (جنوب شرق)، وكان القتال بين القبيلتين قد بدأ في 12 فبراير/شباط 2014، حيث تتهم قبيلة الزوية العربية قبيلة التبو بمهاجمة الكفرة بدعم من مرتزقة منتشاد، لكن التبو قالت آنذاك إنها هي من تعرضت للهجوم، وتحدثت عن إبادة جماعيةمطالبة الأمم المتحدةبالتدخل.

في المقابل، قالت غرفة عمليات الكرامة التابعة لقوات حفتر إن القوات التابعة لها مؤسسة وطنية هدفها حماية الوطن والمواطنوإنها لن تنحاز لأي مكون اجتماعي ضد آخر.

ويأتي بيان قوات حفتر بعد أيام من تداول ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لشخص يسيء ويتوعد قبيلتي التبو والقذاذفة التي ينحدر منها القذافي.

تصرفات غير شرعية

وأضافت قوات حفتر أن هناك من يقوم ببث مقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي للتفاخر والسب والشتم لبعض المكونات الاجتماعية مؤكدة استنكارها لهذه التصرفات غير الشرعية وتبرؤها من كل من يقوم بها.

من جهته قال رئيس إدارة الهيئة العامة للإسكان والمرافق بالحكومة المؤقتة علي كوصو إن الحكومة تحولت تدريجيا لمصدر تمويل ومعول هدم في يد مشروع انقلاب عسكري فاضح ووسيلة لتذخير آلة قتل الليبيين بدعمها ما يسمي بالقيادة العامة لجيش العربي الليبي الذي يقوده خليفة حفتر المسبب الرئيس في إفشال مشروع بناء الدولة المدنية الديمقراطية.. والإخلال بالانسجام الاجتماعي المعهود بين الليبيين من أجل نزواته السلطوية“.

جاء ذلك خلال رسالة بعثها كوصو المنتمي لقبيلة التبو لتقديم استقالته من الحكومة المؤقتة التي يرأسها عبد الله الثني.

وأضاف كوصو أن حفتر يشن حملة عسكرية للتطهير العرقي باستخدام مرتزقة أجانب وبتجنيد بعض المليشيات والعصابات القبلية المتعصبة.

كما علقت عضو مجلس النواب عن مكون التبو، رحمة أبو بكر آدم، عضويتها بالمجلس احتجاجا على الأعمال العدائية ضد التبو.

وطالبت العضو في بيان لها نشر على صفحات التواصل الاجتماعي– المجتمع الدولي بضرورة حماية المدنيين، مطالبة البعثة الأممية في ليبيا بتحديد موقفها مما يحدث للمدنيين في جنوب ليبيا والتطهير العرقي الذي يحدث لمكون التبو، محذرة من أنه في حال عدم الاستجابة سنصعد موقفنا وسنتخذ كل السبل للدفاع عن النفس“.

وقال الباحث المتخصص في الشؤون السياسية والقانونية، محمود إسماعيل، إن العمليات العسكرية التي تخوضها قوات حفتر ستواجه الكثير من التعقيدات أهمها العامل القبلي والعشوائية وعدم وجود قوات نظامية متهيئة بشكل فعلي، وعامل الرقعة الجغرافية وعدم وجود سلطة مركزية متحكمة في هذه القوات.

وأضاف أن هذه القوات جاءت غازية وتريد السيطرة على الأموال والنفط ومقدرات الليبيين، ولم تأت إلا لصالح اتجاه واحد ولتصفية حسابات سياسية.

وأوضح أن حفتر يعمل على توظيف التعقيدات القبلية لمآربه الشخصية، وليس من ضمن آلياته وأهدافه أن يكون هناك سلم اجتماعي، وهو يخلق الكثير من الفتن بين القبائل والقوات التي جاءت للجنوب.

وأشار إسماعيل إلى أن عواقب العمليات العسكرية ستكون وخيمة على السلم الاجتماعي ما لم يتدارك العقلاء الأمر، وعواقبها ستكون حتى على الاقتصاد الليبي من خلال تدمير بعض المنشئات وهذا يعني توقفها لفترة طويلة الأمد.

مخاوف

في المقابل، اعتبر الناشط السياسي موسى تيهوساي، أن مسألة التطهير العرقي أو الإبادة التي يتحدث عنها التبو فيها نوع من المبالغة، مؤكدا أن هناك في الأمر جزءا من الحقيقة، وأن الأمر هو بالدرجة الأولى تخوفات بسبب وجود عناصر بجانب قوات حفتر من قبائل لها عداءات قبلية قديمة مع التبو.

وأضاف تيهوساي أن الخروقات غير مستبعدة ومتوقع حدوثها خاصة في ظل وجود عناصر ينتمون لتلك القبائل في طليعة القوات الموجودة حاليا بمنطقة غدوة، وهذه الخروقات قد تفتح الباب أمام الحرب الأهلية مستقبلا.

وأشار إلى أن استمرار المعارك على النهج الحاصل حاليا سيؤدي بشكل مباشر إلى قتال أهلي بالمنطقة، وقد يستعين أبناء قبيلة التبو بإخوانهم من دول الجوار مما سيفتح على ليبيا بابا آخر من الصراعات المسلحة.
يشار إلى أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أبدت قلقها البالغ إزاء التقارير الواردة من الجنوب الليبي عن حشد قوات مسلحة ما ينذر بوقوع نزاع وشيك“.

ودعا المبعوث الأممي، غسان سلامة، في بيان للبعثة على موقعها الرسمي جميع الأطراف في الجنوب إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.

***

أيمن محمد – مراسل الجزيرة من أوباري (جنوب غرب ليبيا)

_____________

المصدر : الجزيرة

مواد ذات علاقة