بقلم فرج كندي

من التعارف عليه في العصر الحديث ألا تقوم الدولة المعاصرة إلا على نظام سياسي قائم على مجموعة من المؤسسات وظيفتها أن تعمل على حفظ النظام وحماية الحدود وتنفيذ القانون،

وكلما كانت هذه الأجهزة على قدر من التنظيم والإعداد والمهنية والحرفية ؛ كلما كان أداؤها على أحسن مستوى، ونجحت في تحقيق الغرض الأساسي الذي من أجله وجدت ولأجله صرفت الأموال الطائلة من مقدرات البلاد .

والدور المناط بهذه المؤسسات هو حماية البلاد وصيانتها من أي اختراق من الخارج أو حدوث أي شرخ من الداخل يؤثر على أمنها واستقرارها .

وكلما كانت هذه المؤسسات ضعيفة أو غير قادرة على إتمام وإنجاز المهام المكلفة والمناطة بها، كلما عجزت في توطيد وحدة البلاد وحافظت على أمنها واستقرارها .

وليبيا ليست بدعا عن الدول المنظوية تحت المنظومة الدولية فيما تعرف بالدولة الحديثة والمستحدثة وفق النظام الدولي المنبثق عن إرادة القوى المنتصرة عقب نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 ميلادية .

تلك القوى مهدت لميلاد الدولة الليبية في الأيام الأخيرة من عام 1951ميلادية تحت قيادة الملك إدريس السنوسي بإرادة واختيار توافقي بين مكونات الشعب الليبي بكافة اتجاهاته وتوجهاته ، ولم يعترض عليه إلا أقل القليل ممن كانت لهم توجهات أخرى احترمت، ولكن الخيار كان للأغلبية .

ومنذ البدايات الأولى عملت الحكومات الليبية على تدعيم سلطتها وتوطيد نظام الحكم عن طريق المؤسسات التي تعمل على بسط سيادة القانون وفرض النظام للحفاظ على أمن وسلامة وسيادة البلاد .

وكان من أهم هذه المؤسسات مؤسستا الجيش والشرطة اللتان تعتبران من أهم ركائز أمن واستقرار البلاد والعاملان الأساسيان الدالان على تماسك الدولة وصلابتها .

فعملت الحكومات المتلاحقة على بناء وتأسيس ودعم هاتين المؤسستين للحفاظ على كيان الدولة وحفظ أمنها واستقرارها إلى أن جاء انقلاب سبتمبر عام 1969ميلادي الذى قام به عدد من منتسبي المؤسسة العسكرية ليتفرد بالحكم أحد هؤلاء الضباط بعد فترة وجيزة من نجاح الانقلاب ويختزل كل المؤسسات في شخصة ويوظفها في خدمته ويجعلها أدوات تحقق رغباته وتلبي طموحاته سواء في الداخل والخارج، وشغلها عن وظيفتها الأساسية وهي الدفاع عن الوطن وهذه مهمة الجيش. فجز به في حروب خارج الحدود في أوغندا وزائير ثم في مستنقع تشاد .

كما شغل المؤسسة الأمنية عن أداء مهمتها الأساسية وهي حفظ النظام والإشراف على تطبيق القوانين فقوّى عليها أذرعا مدنية . الحرس الثوري . اللجان الثورية . لجان التطهير …..الخ

ومنح الصلاحيات والإمكانيات للأجهزة التي تحمي أمن النظام على الأجهزة التي تحمي أمن المواطن. وهو ما ترتب عليه حالة من عدم التوازن والخلل الكبير في هذه المؤسسات وأصبحت من الضعف والتهميش مما جعلها لا تستطيع الوقوف مع أبسط هزة تصيب البلاد وهو ما حدث فعلا بعد اندلاع الهبة الشعبية في 17 فبراير 2011 ميلادية حيث أصيبت بقايا المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ومراكز الشرطة بانهيار تام وتعطلت عن العمل في ظل انهيار تام لكافة مؤسسات الدولة .

ومع بدايات عودة مؤسسات الدولة تعرضت المؤسسة العسكرية والأمنية إلى ضغوطات شديدة نتيجة للتجاذبات السياسية التي تمر بها البلاد .

خاصة وأن البلاد تعرضت لمرحلة حرب طاحنة أخذت البعد السياسي والجهوي والقبلي والمناطقي والإيديولوجي الامر الذي أربك المشهد العام في ليبيا وأفرز مراكز قوى جديدة جهوية إيدولوجية إثنية عرضت أمن ووحدة البلاد للخطر .

فظهر مشهد المدينة الدولة والقبيلة الدولة و …. الدولة

وأصبح مصير البلاد على المحك وكان لهشاشة الدولة وضعف وانهيار مؤسساتها القائمة على حماية أمن وسيادة البلاد أثر بالغ في ظهور مكونات خاصة حلت محل مؤسسات الدولة وكان لأغلب هذه المكونات أهدافها ومصالحها الخاصة التي تقدمها على مصلحة الوطن العامة وهو ما أثر في نشاطها وحركتها و تباين أدوارها بحسب ما تقتضيه المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة للوطن. وهو ما دفع إلى ظهور تنافس حاد بين هذه المكونات أدى في بعض الأحيان إلى حدوث صدامات عنيفة ومدمرة.

أدى هذا التنافر والتناحر مع وجود الأيدي الخفية والمعلنة من الدول الأجنبية ذات المصالح في البلاد إلى تغذية هذه الخلافات ودعم طرف على حساب طرف آخر.

ونظرا لسعة رقعة البلاد وطول حدودها مع العديد من الدول التي تعاني من صراعات داخلية ووجود حركات تمرد تحاول تغيير أنظمة الحكم في تلك الدول، وجدت ـ في غياب الدولة الليبية وانهيار مؤسساتها العسكرية والأمنية وقيام بعض أطراف النزاع بالاستعانة بهذه الفصائل والمجموعات التي كانت على الحدود مع ليبيا ـ الفرصة السانحة للتواجد على الأراضي الليبية والعمل كمرتزقة لأجل الحصول على المال والسلاح من أي طرف من أطراف النزاع الليبي.

وهو ما يمهد لهم الانخراط في الحياة الليبية بعد انتهاء مرحلة الصراع بكونهم شريكا فعليا في الأحداث الليبية وخاصة تلك المجموعات التي تقاتل مع الطرف الذي سينتصر .

الخطورة تكمن في كون هذه المجموعات الخارجية التي تقاتل مع أي طرف من أطراف النزاع في ليبيا خاصة في منطقة الجنوب لهم امتدادات عرقية ولغوية وقبلية ليبية

وهذا يعطي لهذه المجموعات فرصا أقوى، لو استمرت الحالة الليبية على هذا الوضع فترة طويلة، ربما تؤثر في التركيبة السكانية في الجنوب وربما تؤدي إلى نتائج أخطر مما هو منظور أو مطروح على الساحة الليبية في الوقت الحالي الذي تمر فيه الدولة الليبية بمرحلة من الضعف والاختلاف والتنازع جعلها من الهشاشة والضعف الذى يدق ناقوس الخطر الذي يعرض وجود ليبيا على المحك لا قدر الله .

***

فرج كندي/ كاتب ليبي

______________

مواد ذات علاقة