بقلم هشام عبد الحميد

أخفقت ليبيا على مدار ثمانية أعوام، هي عمر ثورتها، في الخروج من أزمتها السياسية، التي تبعتها حروب أهلية وتردٍّ في إنتاج النفط، مصدر تمويل الموازنة العامة الوحيد في البلاد.

ورغم توقيع أطراف الأزمة السياسية على اتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر 2015، وتشكيل حكومة الوفاق في 30 مارس 2016، فإن البلاد شهدت حروبا عدة أودت بحياة الآلاف من المسلحين ومئات المدنيين والأطفال.

ففي عام 2018 وحده قالت منظمة التضامن لحقوق الإنسان الليبية إن حصيلة المواجهات والاشتباكات المسلحة في مدن ومناطق ليبيا المختلفة، بلغت 3719 ما بين قتيل وجريح وأسير.

وأفادت المنظمة في تقرير لها بأن عدد الضحايا من المسلحين بلغ 2947، بينما كان عدد القتلى من المدنيين 772، بينهم 49 طفلا.

داخلي وخارجي

يرجع المحلل السياسي الليبي صلاح الشلوي أزمة الدولة إلى عوامل ذاتية خاصة بالمرحلة الانتقالية في ليبيا التي لم “تعرف من قبل تجربة أي حكم ديمقراطي مدني وتفتقر إلى أعراف التداول السلمي على السلطة، وإلى عوامل خارجية إقليمية استغلت حالة سيولة الدولة، بهدف إطالة عمر المرحلة الانتقالية، في محاولة لضرب الاستقرار”.

وأضاف الشلوي في حديثه للجزيرة نت أن “المليشيات والمجموعات المسلحة، استغلت الخاصرة الأمنية والبيروقراطية الرخوة، وتحكمت في مجالات واسعة، مختلقة أعداء وصراعات مسلحة محمومة، مما هدد أمن الدولة والمجتمع، وورطهما في حروب عبثية لا طائل من وراءها إلا صناعة النفوذ الضيق”.

ويرى المحلل السياسي أنه بالتزامن مع ذلك، كان “للتدخل الإقليمي دور بارز في تأزيم المشهد الليبي، منطلقا من أجندات متباينة ومختلفة المصالح، ما بين اقتصادي وأمني، إلا أنها جميعا التقت واتفقت على إطالة أمد حالة سيولة الدولة الليبية”.

وبيّن أن “الاختلالات الدولية في العراق وسوريا واليمن وأوكرانيا، خفضت وتيرة التنازع بشأن المسألة الليبية، باستثناء النزاع الذي اندلع مؤخرا بين إيطاليا وفرنسا، أي أن الملف الليبي لم يعد يحتل بسبب كثرة بؤر التوتر في العالم، تلك الأهمية التي يطمح إليها الليبيون”.

وخلص الشلوي إلى أن “المخرج الآمن لأزمة ليبيا يكمن في الاستفتاء على الدستور والذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، بما يمكن البلاد من العبور إلى مرحلة الدولة الدستورية، حتى تبعد عنها شبح عودة العسكر للحكم من جديد، مما يفوت على الأطراف التي تعتاش على الفوضى، الفرصة في استغلالها لتحقيق مصالحها الذاتية”.

المستفيد الأول

يعتقد الكاتب الليبي علي أبوزيد أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر هو “المستفيد الأول من الانقسام في المؤسسات وتنازع الشرعية بين مختلف الأجسام وتعنّت مجلس النواب وعدم إيفائه بأية التزامات مع بقية الأطراف مما جعل من المعادلة السياسية بوضعها الحالي غير منتجة وعقيمة”.

وهذا ما جعل حفتر، حسب الكاتب، “يوسع مناطق سيطرته في ظل دعم إقليمي من الإمارات ومصر وفرنسا خاصة في الجنوب، وساعد على هذا أداء سيئ من المجلس الرئاسي الذي ما زالت المليشيات تملك نفوذا واسعا عليه”.

ولم يستبعد أبوزيد في حديثه مع الجزيرة نت “عودة قوات غرب ليبيا خاصة مصراتة والزنتان للقتال صفا واحدا ضد قوات حفتر، ولكن هذا مرهون بتحسين المجلس الرئاسي من أدائه وأخذه زمام المبادرة، وتوسعة الترتيبات الأمنية لتشمل كل غرب ليبيا والوسط والجنوب”.

ورأى أن “المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة أدرك أن توحيد المؤسسات أمر عسير في ظل الانقسام على مستوى السلطة التشريعية وصعوبة التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة”.

وهذا اضطر سلامة بحسب أبوزيد إلى “العمل على خلق نوع من التنسيق بين هذه المؤسسات لتحسين الخدمات والوضع المعيشي، مثل وزارة الداخلية ومصرف ليبيا المركزي” لكن اعتبر أن هذه الترتيبات معرضة للانهيار بسبب المواجهات في الجنوب، وعرقلة البنك المركزي للميزانية، في ظل الأداء الباهت للمجلس الرئاسي وحكومته”.

بلا مشروع
أما المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى للدولة الليبي، أشرف الشح، فيؤكد، أن “ترك المجتمع الدولي لليبيا، بعد القضاء على نظام القذافي عام 2011، أحدث فراغات كبيرة ومكن دولا إقليمية تخشى أن يمتد إليها الربيع العربي من التدخل بين الأطراف الليبية، التي تصارعت مبكرا دون مشروع سياسي واضح”.

وأضاف الشح للجزيرة نت في حديثه مع الجزيرة نت أن “التيارات الأيديولوجية دخلت هي الأخرى على خط الأزمة في ليبيا، بمحاولتها الهيمنة على مقدرات البلاد، وإقصاء كل الأطراف السياسية الأخرى، وهي الإستراتيجية الإقصائية ذاتها التي حاولت فرضها دول إقليمية معروفة، بتغليب طرف على حساب طرف وقتله معنويا وسياسيا”.

وأشار المستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة إلى أن “انعدام الخبرة السياسية لدى النخب الليبية، التي وجدت نفسها أمام مشهد سياسي انتقالي مضطرب ومتحول تتداخل فيه أجندات محلية وإقليمية ودولية متعارضة، مما أصابها بالعجز والشلل عن مواجهة المتغيرات على الأرض”.

___________

مواد ذات علاقة