بقلم نوري الرزيقي

خرج علينا رئيس المجلس الرئاسي وقائد قوات الكرامة بشرق ليبيا في اجتماع بمدينة أبوظبي بالرغم من أننا كنا ننتمنى أن يُعقد الإجتماع في مدينة طرابلس أو بنغازي أو سبها أو أي مدينة ليبية داخل تراب الوطن.

كما كنا نتمنى أن يرتقي الإثنان في تفكيرهما ووجهة نظرهما المتباعدة لمستوى المصاب الجلل الذي نعانيه نحن والوطن على حد سواء ولكن للأسف لازال كليهما ومن واقع الأحداث التي مرت وتمر بها ليبيا تحت قيادتهما مع الإختلاف في الأدوار لم يوفقا في أن تكون لهما نظرة وطنية شاملة وعميقة أعتقد أن كليهما عيناه على كرسي الرئاسة فهذا هو بيت القصيد.

رئيس المجلس الرئاسي ولد مكبلا بحكم الإتفاق الذي نص على أن يتخذ قرار المجلس الرئاسي بالإجماع أي بإجماع التسعة أعضاء وهذا ربما سيكون مستحيلا حتى في أقدم الأنظمة الديمقراطية ناهيك عن ليبيا بلاد عنزة ولو طارت .

فبدأت الخلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي منذ البداية بل قبل ولادته، الأمر الذي، بكل تأكيد، أثّر على عمل المجلس إلى جانب أن الرئيس لم يكن حازما في كثير من القضايا المفصلية لبناء الدولة.

فقد فشل فشلا ذريعا في تكوين جيش وشرطة بالرغم من أن أفراد الجهازين الرئيسيين وغيرهم من الأجهزة الأمنية موجودين على أرض الواقع ومؤهلين لعملهم وأقصد هنا أفراد الشرطة والجيش والأمن في النظام السابق فلا نستطيع أن نتهم كل هؤلآء ونقصيهم بحجة أنهم من أتباع النظام السابق ولا نعيدهم إلى سابق أعمالهم.

كما في المقابل لا نريد أن تبنى هذه الأجهزة المهمة في كيان المجتمع والدولة على المجرمين منهم والذين قاموا بأعمال لا تليق بأفراد الأمن فالأمن أمن المواطن والدولة وليس أمن الرئيس في المقام الأول ولكن هؤلآء المنحرفين لا يشكلون ثقلا كبيرا بين الشرفاء والمؤهلين من أفراد الأمن. غير أن رئيس المجلس كان له رأيا آخر فلم يعتمد على هؤلآء ولا على غيرهم في إرساء الأمن وتكوين دولة فلم يستطع منذ قدومه إلى الآن تكوين جيش ولا شرطة بل اعتمد على الميليشيات التي تتحكم في طرابلس مكان إقامته سوى كان ذلك طوعا منه وتلك مصيبة أو كرها أي فُرض عليه ذلك،

فقادنا وليبيا إلى مصيبة أكبر من الأولى ناهيك عن تدهور الأحوال المعيشية للناس وترديها في ظل حكمه الهش فلا تكاد تجد له عملا ما يدعوك للسير ورائه أو الإشادة به.

وفي الجانب الآخر من الإجتماع يجلس القائد العام للجيش في شرق ليبيا حيث عُيّن من قبل البرلمان ولكن لازال يعارضه عدد لا يستهان به من العسكريين إلى جانب كتائب مسلحة في غرب البلاد، وبالرغم من التحفظ الكبير على العديد من الأعمال التي قام بها والطريقة التي نفذت بها تلك الأعمال إلاّ أنه نجح في العموم في بسط نفوذه بالقوة وتصفية الخصوم في كامل الشرق الليبي متوجها إلى الجنوب الذي يرزح تحت رحمة قطّاع الطرق من الليبيين وغيرهم من الدول المجاورة وكأنه ليس جزءا من الوطن.

عَينُ قائد الجيش على طرابلس ليستتب له أمر البلاد وهذا دوره كعسكري فهو ليس سياسيا حتى نطلب منه ما لا يستطيع القيام به كفنون الحوار والمقدرة عليه التي لا يستطيعها كثير من السياسيين المدنيين فما بالك بعسكري ؟

إن الحالة التي تمر بها ليبيا الآن تستوجب على رؤسائها أن يقبلوا التنازل أمام أي طرف لأجل إنقاذ الوطن وإخراجه من المنحدر العميق كماينبغي على كل الأطراف التي لها سطوة وقدرة أن تجتمع وتتحاور وتتنازل وتُقدر المحنة التي يعيشها الشعب من خلال العودة للدستور الملكي وكذلك مشروع الدستور الذي أعد من قبل متخصصين في أواخر النظام السابق ولم يخرج للوجود للمعارضة الشديدة التي لقيها من أصحاب المصالح الشخصية الضيقة في ذلك النظام،

فحال أولئك كحال هؤلآء الآن الذين لا يريدون دستورا لأنه سيحجّم بل سيقضي على مصالحهم، فيجب أن يؤكد الجميع على دعمهم للحوار الذي يؤدي إلى الإستقرار المبني على أسس سليمة وواضحة وتشجيع الأطراف على اللقاء بداخل الوطن الذي يكفي ويسع الجميع دون إقصاء لأحد كما يجب أن يكون واضحا دستوريا أننا نريد دولة مدنية وليست عسكرية يحكمها قانون يستظل بعدالته وقوته وتحته الجميع عوضا عن التنديد والتهديد والوعيد الذي نسمعه هنا وهناك.

مضت ثمان سنوات ولم ينجح أحدا في تكوين ركائز دولة من قبيل جيش وشرطة وأجهزة أمنية أو غيرها من مظاهر النمو.

فلماذا يخرج علينا هؤلآء كالعادة ولم يفلحوا في تقديم البديل؟

أيريدوننا أن نبقى مثل الغابة القوي منّا يأكل الضعيف أم ماذا يريدون ؟

أيريدون أن يتحكم في بلادنا المجرمون الذين يأتمرون بأوامر دول خارجية لأنهم لم ولن يكونوا رجال دولة أبدا ؟

مهما كانت نتائج الإتفاق فالمشكلة هي ليست فيه ولكن يجب التأكيد على الدستور ليس بلجنته الحالية التي أثبتت فشلها فهو الذي سيحدد نظام الحكم وشكل الدولة وهو الذي سيحدد إختصاصات كل مسؤول من الرئيس وما دونه فلا يستطيع أحدا التلاعب بمستقبل البلاد وبدون هذه الخطوة سيستمر العبث حتى ولو تم الإتفاق فمن الذي سيقيّد أطماع الطامعين والمفسدين ومحاسبتهم غير الدستور والقانون ؟

***

نوري الرزيقي ـ كاتب ليبي

__________

المصدر: صحيفة رأي اليوم

مواد ذات علاقة