بقلم صالح المخزوم

عام 2014 أعلن حفتر انقلابه على الشرعية، وأراد أن يحكم ليبيا بالقوة، وجرت حينها انتخابات مجلس النواب تحت نيران بنادقه وقصف طائراته في المنطقة الشرقية، فقلّت بذلك نسبة مساهمة خصومه السياسيين في الانتخابات،

وسيطر بذلك على مجلس النواب المنتخب من قبل عدد قليل من الشعب الليبي، فاعتبره حفتر أحد أدوات وصوله للسلطة، فأعاده المجتمعون في طبرق إلى الجيش بعد أن كان متقاعداً منه، وجعلوا له رتباً عسكرية، فقام بعدها بعدة ضربات جوية على طرابلس (مطار معيتيقة ووادي الربيع) و مصراتة، وغريان، وزوارة، وتم ذلك بدعم مباشر من بعض الدول، حينها لم يكن لدى خصومه في طرابلس اعتراف دولي،

وسحبت الشرعية الفعلية من المؤتمر الوطني العام الذي أصبح منقسماً على نفسه، وكان العالم يضغط عليه نحو الجلوس إلى طاولة المفاوضات، والمساهمة في تشكيل حكومة وفاق، وكانت موازين القوى في الميدان في المنطقة الشرقية لصالح حفتر، بسبب الدعم اللامحدود له من تلك الدول،

وتشكلت حاضنة اجتماعية له في شرق ليبيا؛ وتراجعت قوة الثوار في المنطقة الغربية، بسبب فقدان واجهتهم السياسية للاعتراف الدولي، وضعف أدائها، لدرجة أنهم كانوا يرغبون في محاربة داعش في سرت؛ غير أنهم رفضوا أن يكون ذلك تحت سلطة غير معترف بها دولياً لكي لا يتم قصفهم هم أيضاً أثناء محاربة داعش.

 رغم ذلك كله أُجبر حفتر أثناء اتفاق الصخيرات على الحوار ، وأَرسل من يمثله على طاولة المفاوضات؛

فكانت فرصة اتفاق الصخيرات لجر حفتر إلى حلبة السياسة والقلم، وتم وضعه في حجمه الحقيقي بموجب الاتفاق السياسي، وفشلت بذلك محاولته لبسط نفوذه على كامل التراب الليبي،

وأصبحت هناك شرعية توافقية شارك فيها الجميع من شرق ليبيا وغربها، وشمالها، وجنوبها، مقرها في العاصمة طرابلس، اعترف بها العالم أجمع، عمرها الآن أكثر من ثلاث سنوات، بالرغم من العرقلة والرفض من خصومها، وبالرغم من تأخر المجلس الرئاسي وحكومته في اتخاذ جملة من القرارات الحاسمة، وبالرغم من استمرار بعض الدول في دعمها لحفتر خارج الشرعية رافضاً متمرداً.

إلا أنه تحت هذه الشرعية التوافقية تم إنجاز ما يمكن إنجازه من محاربة الإرهاب، وإيقاف قصف حفتر لمدن غرب ليبيا، وتم إحراج داعميه من الدول الذين كانوا يدعمونه جهراً، ويقصفون معه المدن الليبية، فأصبحوا يدعمونه سراً، ولا يستطيعون القصف معه بالطيران؛ بسبب الشرعية الدولية التي اكتسبها الاتفاق السياسي بموجب قرارات مجلس الأمن،

وكانت هناك محاولات جادة من قبل تيار الوفاق في المنطقة الغربية لبناء الدولة وتوحيدها، وتوسيع دائرة التوافق، والبحث عن حلول للمختنقات المالية والخدمية التي تمس المواطن الليبي في حياته اليومية.

والآن ونحن في عام 2019 ها هو حفتر يحاول، مرةً أخرى، السيطرة بالقوة وبدأت قواته الهجوم على العاصمة طرابلس والأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه فيها، والتجهيزات للملتقى الوطني قد أُنجزت،

بالتالي لم تعد هناك حاجة إلى تضييع الوقت لمحاولة إقناع العالم بأن حفتر انقلابي، ويريد حكم ليبيا بالقوة، بل إن كل أحرار ليبيا، من عسكريين وقوات مساندة ومدنيين وساسة من الذين يريدون العيش في دولة القانون والمؤسسات، ويسعون لبناء جيش موحد خاضع للسلطة المدنية، ويحكمهم جميعاً الدستور؛ عقدوا العزم على الحسم معه بالقوة وليس بالقلم هذه المرة.

حفظ الله ليبيا وأهلها من كل سوء

***

صالح المخزوم ـ عضو المجلس الأعلى للدولة

___________

مواد ذات علاقة