بقلم عاشور الشامس

الجمعة 12 أبريل 2019 كانت أول جمعة بعد الإعتداءات الحفترية (السعودية) الحمقاء على طرابلس. ونرجو أن تتبعها جُمعات أخر، أكثر حماسا وأوقع حضورا الى أن يتراجع العدوان من حيث أَتى.

وشهدت كل من طرابلس ومصراته والزاوية في يوم الجمعة 12 أبريل خروج أفواج من المواطنين تقدر بالآلاف، أغلبيتهم من الشباب، نساء ورجالا.

ونظرا الى أن ليبيا لا وجود فيها لأحزاب سياسية معتبرة، ولا كيانات منظمة قوية… فقد جاء حراك الجمعة تلقائيا عفويا. وكان بالضرورة بدون قيادات سياسية أو حزبية أو نقابية أو زعامات شعبية أو قبلية أو حتى قيادات تقليدية من أي نوع.

وإن كان هذا على المدي البعيد أمرا سلبيا فإنه في الوقت الحاضر – على الأقل نقطة إيجابية تحسب لصالح هذا الحراك الشعبي الأصيل. ولذا فقد جاء الحراك لا يحمل صفة حزبية أو اتجاها سياسيا أو أيديولوجيا… فهو مِلْك لجميع الليبيين ويعبر عن كل الليبيين.

وكثير من الناس اليوم من يُنقِص من دور الشباب ويُهوّن من شأنهم على اعتبار: أن الشباب ليست لديهم مؤهلات ولا قدرات تنظيمية وسياسية… وأنهم يقضون جل وقتهم في مشاهدة الهواتف وتويتر وفيس بوك وغيرها…

وأن الشباب يفتقرون للوعي والمعرفة والخبرة التي تقوم على التجارب والممارسة العملية.

وهذا كلام لا يؤخذ على عواهنه ولدينا الكثير مما يدحضه، ولكن ليس الآن محل نقاشه. إنّ ما يهمنا في هذا المقام هو عفوية الحراك وتلقائيته وانسجامه مع آمال الليبيين ومشاعرهم وتطلعاتهم في المرحلة الراهنة.

لقد جاء التحرك الشعبي يصدَح عاليا برسالة هامة لكل المراقبين في الداخل والخارج.. وهي رفض عدوان حفتر المسلّح ضد الليبيين،ن وانتفاء صفة الشرعية عليه لــ تحريرطرابلس أو لمحاربته الإرهاب والإجرام كما يدعي. وجاء هذا التحرك ليؤكد وحدة الليبيين ووحدة بلادهم رغم الصعوبات والتحديات التي يواجهونها في المرحلة الراهنة الزائلة بإذن الله.

وهو تكذيب لكل من يتحدث باسم حفتر وعصابته بأن الذين يتصدون لهم إرهابيون ومجرمون.

وجاء اعتداؤه مباغثا وفجائيا، ليس بالنسبة لمن يسمى بـالمجتمع الدوليالذي تبث أنه كان على علم بالعدوان مسبقا، بل لجميع الليبيين الآمنين في بيوتهم ومدنهم.

إن قصة حفتر ومحاربة الإرهاب معروفة لدينا حق المعرفة. فحفتر لم يحارب الإرهاب في شرق ليبيا ولا في جنوبها ولم يحاربه في سرت. وما تلك إلا ذريعة استعملها سعيا الى السلطة ومحاربة من يخالفه من الليبيين.

ونتساءل ما هي استراتيجة حفتر في ليبيا؟

يسير حفتر على استراتيجتين. احداهما خاصة به وهي اغتصاب السلطة والإستئثار بها وتسليمها لأبنائه بعد موته. والأخري هي تنفيذ أعمى لأجندات لقوى من خارج ليبيا تهدف الى ضرب الحكم المدني وحرية الشعوب والديمقراطية وإخضاع الناس في ليبيا والمنطقة العربية كلها لقوة الحكم العسكري وإجهاض محاولات التخلّص من الدكتاتورية والحكم التسلّطي القائم على القهر والإستبداد والإستغلال.

وقوى الظلم والظلام هذه حاليا تعيث في العالم العربي فساداسياسيا واقتصاديا واجتماعيا كما هو الحال في مصر واليمن وسوريا وغيرها.

فما هو السبيل – إذا الى الوقوف في وجه هذا الطوفان العارم الموجه ضدنا وضد بلادنا العزيزة؟

يمكننا تلخيص مباديء ومطالب الشعب الليبي كما يعبر عنها صوت الجماهير الليبية في هذه المرحلة، فيما يلي:

ـ التمسك بوحدة ليبيا – شعبا وأرضا – التي أسسها الآباء والأجداد وحافظوا عليها لعشرات السنين.

ـ وضع ما يسمى – مجازا – المجتمع الدولىأمام مسؤلياته، بحكم أن ليبيا ترضخ تحت بنود قرار رقم 1970 لمجلس الأمن الدولي، بالعمل على تهدأة الأجواء ورعاية جهود الحوار وبسط السلام والسلم والإستقرار في جميع أنحاء البلاد.

ـ أن يراجع جميع الليبيين أنفسهم، ويتناسوا ما بينهم من أحقاد وثارات، وأن يفتحوا صفحات جديدة في تعاملهم وعلاقتهم بعضهم البعض وأن يعفوا ويصفحوا ويتجازوا عما مضى.

ـ أن يستمر هذا الحراك جمعة بعد جمعة كوسيلة للتعبير للعالم أجمع ـ منظمات ومؤسسات وحكومات لها مصالح في ليبيا سواء العربية منها أو الأجنبية بأننا كتلة واحدة ولن نسمح لأحد أن يتدخل في شؤون بلدنا، وأننا قادرون على حل خصوماتنا ومنازعاتنا وخلافاتنا فيما بيننا بأنفسنا وبوسائلنا الخاصة.

ـ نطالب بملاحقة كل من كان وراء هذا العدوان الإجرامي ومن سانده وقدم اليه أي قدر من المساعدة، ومثولهم أمام القضاء بوجه السرعة.

ـ نطالب بإقامة حوار وطني شامل واستئناف العملية السياسية التي عطلها حفتر في ليبيا، تشارك في ذلك جميع الأطراف السياسة والعسكرية والقبلية والمدنية وغيرها من مكونات مجتمعية في ليبيا… ويقوم على أساس وطني حر مفتوح شفاف يهدف الى الوصول الى تسويات صادقة يلتزم بها الجميع وتعيد الإستقرار والأمن والسلم الى البلاد.

ـ إن ما يجري اليوم في الجزائر الشقيقة والسودان الشقيق من حراك شعبي عارم وتطوير في العمل الحركي والجماهيري هو مثلنا وديدننا. وهو ما نتناغم معه ونؤيده ونفخر بالإنتماء اليه ونهتدي به. ونحن نسعى إلي أن يرقي نضالنا الى ما وصل حتي نحقق طموحاتنا ونضع الإسس الحقيقية الأصيلة للدولة المدنية الديمقراطية في بلادنا.

* * *

إن هذا العدوان المتهور الغاشم جاء نتيجة اتفاق لما سمي محور الشرالذي يضم دولا منها الإمارات العربية والسعودية ومصر وغيرها التى وجدت في حفتر مبتغاها، فدفعت به في أتون حرب لا تعرف نتائجها. وأصبح بذلك هو مخلب شريستعمل لتنفيذ اجنداتها التي تهدف الى خلق الفتنة والتقاتل بين الليبيين كي يرضخوا لحكم عسكري على رأسه حفتر الخاضع الذليل لسياسة تلك الكتلة.

إننا نؤمن بأن الشباب هو من صنع ويصنع الثورات. وهم قادر على التخطيط والتنظيم وجني ثمار العمل الجماهيري، وخوض المعارك السياسية. وهو المؤهل للتعلم من تجارب الآخرين وتبادل الخبرات معهم وتوظيف وسائل العصر في البناء وصناعة التقدم والحضارات.

ولنسر إلى الأمام

وليكن شعارنا هو قول الله تعالى: “ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين“…

وقوله: “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخري فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ الى أمر الله…”

وإننا نتطلع بإذن الله الى خروج الليبيين الجمعة القادمة في مدن الزاوية والخمس وترهونه وغريان وبني وليد وزواره .. ومن بعدها في بنغازي واجدابيا ودرنه وطبرق… حتي يحقق الله للحراك أهدافه ومطالبه ولو بعد حين.

والــــــى جمعة مباركة قادمــــة بإذن اللـــه

***

عاشور الشامس ـ إعلامي ليبي

___________

مواد ذات علاقة