خلال الشهر الماضي، مارس (آذار)، عقد خليفة حفتر، الذي كان يقيم سابقًا في ولاية فيرجينيا الأمريكية ورجل ليبيا القوي، محادثات مع فايز السراج رئيس وزراء ليبيا ورئيس المجلس الرئاسي، في أبوظبي لتجنب حرب أهلية وإيجاد حل لاستقرار الحكومة.في هذا المقال، الذي نُشِرَ في صحيفة «ذا هيل» الأمريكية، يرى ساشا توبريتش، نائب الرئيس التنفيذي الأول لشبكة القيادة عبر الأطلسي، والمدير السابق لمبادرة حوض المتوسط والشرق الأوسط والخليج بمركز العلاقات العابرة للأطلسي، أن روسيا تكتسب نفوذًا في ليبيا، ويُقدِّم رؤيته لكيفية استجابة واشنطن لذلك.

قول توبريتش إنه علم من مصادر مُطَّلِعة داخل الحكومة الليبية أنه بموجب هذا الاتفاق بين حفتر والسراج، كان حفتر سيمنح منصبًا كبيرًا يجعله مسؤولًا عن الجيش والأمن ولديه حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الوطني الليبي الذي من المزمع إنشاؤه.

وكان من شأن هذا أن يؤدي إلى إبعاده عن الإشراف الفعلي على البلاد على نمط الحكم السلطوي العسكري للقذافي، على حدِّ قوله.

وأضاف أنه ليس من الواضح إذا ما كانت سلطات حق النقض، الممنوحة للسراج، كانت لتشتمل على أيِّ قيودٍ أو إذا ما كانت أي مبادئ توضيحية سوف توضع لها. ويرى توبريتش أن هذا، مع ذلك، كان من شأنه أن يمنح حفتر سلطةً كبيرةً في البلاد.

سار حفتر بميليشياته المُسلَّحة إلى ضواحي طرابلس بنية تطهير ما تبقى من الجماعات الإرهابية المزعومة. وعلى الرغم من أنَّه يعتبر زعيمًا علمانيًا معاديا للإسلاميين، على حدِّ وصف توبريتش، فإنَّه يحتفظ بصلات مع رجال دين سلفيين راديكاليين يدعون للجهاد في ليبيا، بحسب رأي الكاتب.

ومع أن حفتر يحظى بدعم فرنسا وروسيا ومصر والإمارات والسعودية، يرى توبريتش أن التدخل الروسي هو ما ينبغي أن يثير مخاوف جادة في واشنطن، مُبرِّرًا هذا الرأي بأنَّ روسيا قد اعترضت منذ وقت قريب سبيل قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو حفتر وميليشياته، المسماة الجيش الوطني الليبي، لوقف تقدمهم ناحية طرابلس.

وفي غياب التحرك الأمريكي، يرى توبريتش أنَّ روسيا مستمرةٌ في بناء نفوذٍ في هذا البلد ذي الأهمية الإستراتيجية وإمكانية الإنتاج القياسي للنفط، مشيرًا إلى تقريرٍ نُشِرَ حديثًا في صحيفة «تليجراف» البريطانية يذكر أنَّ شركةً عسكرية روسية خاصة تُدعَى «فاجنر جروب» تدعم حفتر بـ300 جندي في بنغازي، وزوَّدت جيشه بالمدفعية والدبابات والطائرات من دون طيار والذخيرة.

ووفقا لصحيفة «تليجراف»، فإنَّ مرتزقته يحاولون تأمين مينائيّ طبرق ودرنة للمياه العميقة من أجل الأسطول الروسي.

وفي المقال، يعتبر توبريتش أن الفيتو الروسي ضد بيان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بمثابة تحذير للبيت الأبيض للمشاركة بشكل أكثر مباشرةً وحسمًا في ليبيا، لا سيما الآن مع الحرب الأهلية الوشيكة.

ولَفَتَ إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو كان قد دعا حفتر لإيقاف مغامرته العسكرية، لكنَّه يرى أن ذلك ربما يكون تحرُّكًا ضئيلًا للغاية ومتأخرًا للغاية، مشيرًا إلى أن القوات الحكومية تعيد تجميع نفسها وتستعد للحرب، وقد أدى القتال بالفعل إلى مصرع العشرات وفرار الآلاف من منازلهم.

ويُرجِّح توبريتش أنَّ السراج، الذي يشغل أيضًا منصب وزير الدفاع، قد تنبَّأ بوقوع الموقف الحالي، ويعتقد أن هذا هو سبب لقاء السراج بحفتر في أبوظبي.

ويذكر أيضًا أنه، وفقًا لمصادره في الحكومة، فقد دعت هذه الخطة المزعومة إلى مشاركةٍ دقيقة في ميزان القوى. إذ كان سيُخصَّص منصب رئيس الوزراء الجديد لمصراتة، وهي قوة اقتصادية مهمة وموطن لبعض الميليشيات القوية التي لم تكن ضد حفتر كما لم تكن معه، لكنها سوف تعارض أي حكم عسكري الطابع شبيه بحكم القذافي.

وكانت هذه الخطة المزعومة لتمنح مصراتة بعض المناصب الوزارية في الحكومة الجديدة أيضًا.

وعندما أعلن حفتر عن بدء هجومه على طرابلس، كانت هناك علامات يعتقد توبريتش أنها ذات دلالة على وجود صفقة ما طَورَ النقاش بأنَّ «ليبيا سوف تكون لها حكومة واحدة الشهر الجاري». وأوضح توبريتش في مقاله أنَّ حفتر لم يكن ميالًا للسلام، وأنه رأى ضعفًا في السراج.

لكن عندما وصلت ميليشيات حفتر إلى ضواحي طرابلس، اتهمه السراج بالخيانة وتعهَّد بالمقاومة وشن عملية «بركان الغضب» لصد قواته، بحسب المقال، الذي يرى فيه توبريتش أنه تبعًا لذلك فقد انغلقت نافذة إبرام صفقة سريعًا، ما ترك السراج بلا أي خيار آخر سوى الدفاع عن المدينة ضد حفتر.

وبينما تتخذ القوات المتنافسة مواقع دفاعية وتنخرط في القتال، قال توبريتش متسائلًا: «أين الولايات المتحدة من كل هذا؟ واشنطن تقف مكتوفة الأيدي بينما تزيد موسكو من نفوذها».

يعتقد توبريتش أنه من التبسيط القول بأنَّ الأمور تخرج عن السيطرة، معتبرًا أنَّ التداعيات على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد تكون كبيرة. وأوضح ذلك بأنه إذا لم يتوقف النزاع وإذا لم تجبر الأحزاب السياسية على العودة إلى مفاوضات تقودها الأمم المتحدة، فإنَّ موجة جديدة هائلة من اللاجئين سوف تضرب الشواطئ الأوروبية، بحسب ما وَرَدَ في المقال. مضيفًا أنَّ من شأن امتداد الأزمة أن يخلق اضطرابًا في سوق النفط ويرفع الأسعار بشكل كبير.

ويعتبر توبريتش أن الفكرة القائلة بأنَّ بإمكان حفتر أن يسيطر على ليبيا هي فكرة خاطئة، مع إدراكه، بحسب قوله، أن روسيا تتطلَّع للتحكُّم في ليبيا كما تتحكَّم في سوريا ونظام الأسد.

وفي المقابل، يرى توبريتش أن الحل السياسي والحصة العادلة من الموارد لجميع الفصائل الليبية هي ما سوف يصلح البلاد.

ويعتقد توبريتش أن ثمة حاجةً إلى بيانٍ أكثر قوة من وزير الخارجية، مع أنه يعتبر البيان الأخير خطوةً في الاتجاه الصحيح. ويرى الكاتب أن الأمريكيين مدينون أخلاقيًا بمساعدة الليبيين، مشيرًا إلى قول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بأنَّ أحد أكبر أسباب ندمه عندما كان في منصبه هو عدم الاستعداد لما بعد نظام القذافي.

وفي هذا السياق أشار إلى أن إدارة ترامب سوف تتحلَّى بالحكمة إذا لم تكرر أخطاء الماضي، وإذا ما زادت من المشاركة الأمريكية في جهود تحقيق الاستقرار في البلاد، موضحًا أنَّ منطقة النفوذ الروسية ربما تكون قد اتسعت على نحو كبير.

____________

 

مواد ذات علاقة