نظمت وحدة الملف الليبي بمركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية بتونس يوم السبت 13 أفريل 2019 بنزل البيلفيدير بالعاصمة ندوة بعنوان ليبيا بين الصراع المسلح والتوافق السياسيوذلك تزامنا مع الأحداث الجارية في الشقيقة ليبيا.

الجزء الثاني

مداخلة الأستاذ محمد عمران كشادة: اتفاق الصخيرات .. مرجعية للتوافق السياسي أم محطة قد تجاوزها الزمن؟

ينبغي الحديث أولا عن الظروف التي أدت إلى ظهور اتفاق الصخيرات. ففي يونيو 2014 وبعد إجراء انتخابات مجلس النواب كان من المفروض أن تستمر العملية السياسية وأن يكون هناك تداول سلمي على السلطة.

وأن يقوم مجلس النواب باستكمال المسار الديمقراطي.ثم تكون هناك مرحلة انتقالية مؤقتة ويبدأ مجلس النواب في الإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية. وأن يسن قانونا للانتخابات وقانونا للاستفتاء على الدستور الذي تقوم بإعداد مسودته لجنة الستين.

إلا أنه حدث أمر آخر وعلى إثره تعثرت العملية السياسية. ظهر خليفة حفتر على مسرح الأحداث وأعلن في 16مايو 2014 عن مشروع الكرامة وبدأ يشن حربا على ثوار بنغازي.

وكان هدفه غير المعلن هو الاستيلاء على السلطة والانقلاب على ثورة فبراير. ومن المؤسف أن مجلس النواب شرعن للعمل العسكري الذي يقوم به حفتر ومنحه صفة القائد العام للجيش. وهنا أصبح التوافق السياسي بين الليبيين بعيد المنال ودخلت البلاد في نفق مظلم وتدهور الوضع الأمني. وكانت هناك تداعيات كارثية لإعلان عملية الكرامة والحرب في بنغازي على الاقتصاد الليبي.

في ظل هذه الأجواء المشحونة والحرب المشتعلة برزت الحاجة لاتفاق الصخيرات ليكون إطارا للحل والتوافق بين الفرقاء الليبيين الذين غابت بينهم الثقة وغاب صوت العقل وأصبح صوت الرصاص هو سيد الموقف.

ومنذ يناير 2015 بدأت جولات الحوار في الصخيرات. وشهدت تلك الجولات كثيرا من الخلافات والتلويح من طرفي الصراع بالمقاطعة إذا لم تلب مطالبه. وفي 11 يوليو 2015 تم التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق . وفي 17 ديسمبر 2015 تم التوقيع النهائي.

كان من المفروض أن يقوم مجلس النواب باعتماد اتفاق الصخيرات ثم تكون مرحلة انتقالية أخيرة ثم تجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية إلا أن مجلس النواب أخل بالاتفاق وماطل في اعتماده وكانت الحجج التي يتحجج بها النواب كثيرة وهي حجج كاذبة.

كان الهدف الحقيقي من وراء عرقلة اتفاق الصخيرات هو إفساح المجال أمام حفتر ليستمر في العمل العسكري لأن المسار الديمقراطي هو نقيض لطموحات العسكر.

ظل اتفاق الصخيرات مجمدا على الرغم من مباشرة حكومة الوفاق لأعمالها في طرابلس. وأصبحت العملية السياسية متعثرة والوضع يزداد تعقيدا على كل الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والشعب الليبي هو من دفع الثمن في حين يمضي أغلب أعضاء مجلس النواب حياتهم بين مصر وتونس وعلى حساب الدولة الليبية.

كان من الطبيعي أن تصل البلاد إلى مفترق طرق خاصة مع طموحات حفتر في الاستيلاء على السلطة. ثم كان التصعيد الكبير والخطير على أطراف مدينة طرابلس. شن حفتر هجومه على طرابلس وهو يعلم يقينا أن قوى الثورة في المدينة أقوى منه بكثير وهو عاجز أن يدخل طرابلس منتصرا ويحسم المعركة.

إلا أنه كان يراهن على شن حرب استنزاف ضد خصومه من قوى الثورة وضد حكومة الوفاق الشرعية. بدأ حفتر عاجزا على أطراف طرابلس وغير قادر على تحقيق مكاسب عسكرية. فكان لا بد من أن تعاقب المدينة التي عدد سكانها 3 ملايين نسمة.

صواريخ جراد قصفت بها بعض الأحياء الجنوبية وتم قصف مطار امعيتيقة وبدأت مشاهد النزوح لسكان طرابلس. راهن حفتر على تحرك الخلايا النائمة الموالية له في داخل طرابلس وليس أمامه إلا أن يضرب خصومه الأقوياء ببعض أنصاره وهو يعلم أنهم غير قادرين على حسم المعركة داخل المدينة. إلا أنه لا قيمة لحياة البشر أمام طموحات العسكر للاستيلاء على السلطة.

إن ما يحدث في طرابلس وضع خطير بكل المقاييس خاصة في ظل دعم مصري إماراتي سعودي فرنسي لقوات حفتر وجلب مرتزقة للقتال ضمن صفوفه. أصبح المشهد الليبي أكثر تعقيدا ومفتوحا على كل الاحتمالات. هنا لابد من سؤال يطرح نفسه بقوة..

هل ستستمر الحرب فترة طويلة أم سيتم وقف إطلاق النار بضغط دولي في وقت قريب جدا ؟.

لم يكن الموقف الدولي في حجم وآمال وتطلعات الليبيين الذين يشاهدون بحرقة وطنهم ينهار ويسير إلى المجهول. هذا يجعلنا نحن الليبيين نؤمن وبقوة بأنه لا رهان على المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية. لقد خذلتنا القوى الكبرى.

ومجلس الأمن الدولي لم يحرك ساكنا لوقف إطلاق النار وهو يعلم حقيقة الطرف المعتدي على طرابلس والذي اختار التوقيت بعناية ليفشل عقد الملتقى الجامع في غدامس.

لا شك بأن مسألة قدرة ثوار ليبيا على حسم سريع للمعركة على أطراف طرابلس هو أمر صعب. لذا فان السيناريو الأقرب للواقع هو أن تستمر الحرب لشهر أو شهرين كحد أقصى ثم يتم الضغط من قبل حلفاء حفتر ومجلس الأمن لفرض وقف إطلاق النار في محاولة لإنقاذه من الهزيمة التي ستمثل بداية انكسار وانهيار مشروعه لحكم ليبيا.

هنا سيكون الوضع في حالة من الهدنة المؤقتة التي تسمح لحفتر بالاحتفاظ بما حقق من مكاسب . وسوف يسعى كل طرف من أطراف الصراع إلى تعزيز مواقعه والإعداد لجولة أخرى من الحرب .

إنها حالة يمكن توصيفها بحالة اللاحرب واللاسلم. وهي حالة يمكن تجاوزها إذا ما قامت البعثة الأممية بالضغط باتجاه عقد المؤتمر الوطني الجامع. إلا أن كل التوقعات تؤكد بأن حفتر قد لا يقبل في ظل عدم وجود قرار حاسم من مجلس الأمن.

وهو اتخذ قراره وليس أمامه لكي يستمر تواجده في المشهد السياسي إلا أن يشن حرب استنزاف على قوى الثورة في طرابلس ومدن غرب ليبيا وهو يراهن على الوقت وعلى إطالة أمد الحرب كما فعل في بنغازي.

إن ما يحدث هو عبث ولن يكون هناك حل للأزمة الليبية.

الحل السياسي لا بديل عنه واتفاق الصخيرات هو الإطار الأنسب للحل ولا بديل عن حكومة الوفاق.

وفي ظل هذا الوضع المتأزم نحتاج نحن الليبيون إلى دعم أشقائنا في تونس والجزائر. إن الحرب في ليبيا كارثية ولن تقتصر تداعياتها على ليبيا فقط بل ستكون هناك تداعيات عابرة للحدود. وسوف تلقي الأزمة بظلالها على دول المغرب العربي خاصة تونس والجزائر.

نحن الليبيون نرى بأن أي دعوة للحل العسكري هي إبادة للشعب الليبي . لقد فقدنا في أثناء الاحتلال الايطالي 500 ألف شهيد و250 ألف مهجر نزح خارج ليبيا. ووضعنا السكاني منذ مطلع عقد الثمانينات من القرن العشرين بدأ يتجه للتدهور ومعدلات النمو السكاني سلبية ومقلقة. إن أي خيار عسكري هو إبادة للشعب الليبي وتفريغ لليبيا من سكانها. وعلى العقلاء أن يدركوا هذه الحقائق.

مداخلة الدكتور محمد إسماعيل: الملتقى الجامع.بداية للحل أم مرحلة جديدة من الصراع؟

عوّل كثير من الليبيين على نتائج الملتقى الوطني الجامع. وأبدت جميع الأطراف الدولية المتدخلة في الشأن الليبي جديتها ودعمها لمخرجاته ونتائجه. واستبشر الجميع خيرا.

وأبدت بعض الأطراف رغبتها في التنازل وإنهاء النزاع في ليبيا لتسوية سياسية تعقد في ليبيا بمدينة غدامس في 14-15-16من شهر أبريل الجاري

استطلعت بعثة الأمم المتحدة آراء الليبيين عن طريق مركز الحوار الإنساني بجينيف. حيث زار القائمون عليه أكثر من 76مدينة بليبيا واجتمعوا بكافة الأطياف والشرائح الليبية المؤثرة في المشهد ليخرج بعدها المركز تقريرا يوضح ماذا يريد الليبيون؟

يؤكد التقرير النهائي للمسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي وجود أرضية مشتركة بين الليبيين. وتتمثل هذه الأرضية في الحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها والحكم الديمقراطي الرشيد والحق في الأمن ووحدة المؤسسات السيادية الوطنية والمؤسسة العسكرية وحماية الثروات والمقدرات والتوزيع العادل للثروة وتكريس الحكم المحلي وإنهاء المرحلة الانتقالية والانتخابات الشفافة والمصالحة الوطنية الشاملة..

إن نجاح الملتقى الوطني سيكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بمدى تطبيق النقاط السالفة الذكر والتي تصلح لأن تكون ميثاقا وطنيا يوقع عليه جميع الفرقاء في الملتقى الجامع . ومرتبط كذلك بمدى جدية المجتمع الدولي في وقفه للتدخلات الأجنبية في الملف الليبي..

إن هذه الجدية ستسهم في وقف نشوب حرب أو قيام نظام يعتمد الاستبداد كوسيلة للحكم. وستكون محطة مفصلية على طريق تمكين الليبيين من إجراء انتخابات برلمانية توحد البلاد وتنهي وجود جميع الأجسام الجدلية .

وبشكل أكثر تحديدا فإن نجاح الملتقى الوطني أو فشله في مواجهة هذا التحدي سيعتمد على قدرة المُعدّين له والمشاركين على الاتفاق على النقاط التالية:

1-توقيع جميع الفرقاء على ميثاق وطني والاتفاق على الإطار الدستوري

2- الإعداد والاتفاق على خارطة طريق ومواعيد محددة للانتخابات القادمة

3- هيكلة المؤسسات وتوحيدها والاتفاق على حكم محلي يعزز اللامركزية

4- الاتفاق على خطوات عملية تحارب الفساد وتدعم الإصلاحات الاقتصادية وحماية الثروات والمقدرات الوطنية

5- الاتفاق على خطوات عملية لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة

إذا توافق الليبيون في إطار الملتقى الجامع على جملة هذه الشروط والمحددات فإن هذا الملتقى سيكون البداية الحقيقية للحل الشامل للأزمة . وأما إذا كان فيه حضور للأجندات الأجنبية بالوكالة فإنه بالضرورة لن يكون إطارا للحل بل مجرد مرحلة ستدشن لبداية جديدة من الصراع .. انتهى

تعددت المداخلات من الجمهور الحاضر بكثافة وتنوعت المواقف والآراء والتساؤلات التي أجاب عليها السادة المحاضرون .

واختتم الندوة الدكتور رفيق عبد السلام شاكرا ضيوف الندوة والجمهور الحاضر مؤكدا أن لا حل في ليبيا إلا في الإطار السياسي بعيد عن التدخلات الأجنبية التي أضرت كثيرا بالأزمة الليبية.

______________

وحدة الملف الليبي (مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية)

مواد ذات علاقة