بقلم المهدي ثابت

لم تعرف ليبيا منذ 2011 حدثا بضخامة وجسامة ما أقدم علية الجنرال حفتر من محاولة للسيطرة على العاصمة وعلى الحكم بقوة السلاح .

وهو ما غير كل المعادلات في البلاد وأحدث واقعا جديدا تحكمه ضوابط ومعايير جديدة سواء في التعاطي الداخلي أو مع الخارج. كما أن الحديث عن العملية السياسية أصبح من الماضي .

إن كل المؤشرات تقول أن المغامرة التي أقدم عليها حفتر ستعجل بنهايته السياسية والعسكرية وهو ما سينتقل بالبلاد إلى مرحلة أخرى قد تكون أفضل من سابقاتها لأن الرقم الذي عطل العملية السياسية لسنوات سيكون خارج المشهد.

 مقدمة:

إن ما تشهده ليبيا من أحداث يؤكد أن البلاد مقدمة على حالة من الفرز السياسي الشامل يقطع مع الإرادة والرغبة في الوفاق الذي كانت تدعمها جهات سياسية في الداخل إلى جانب الأمم المتحدة وهو ما يعني توقف المسار السياسي الذي تم الاشتغال عليه لسنوات.

كما أن طبيعة الصراع ستأخذ منعرجا آخر مغايرا لما قبل عملية الهجوم على طرابلس. والتحالفات الداخلية ستعرف تغيرا جذريا. والموقف الإقليمي والدولي من مجمل الأطراف المتصارعة لن يبق على حاله. وهذه التغيرات الدراماتيكية في المواقف ستكون على علاقة مباشرة بما ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا.

فالسلاح هذه المرة ستكون له الكلمة العليا في صياغة مرحلة ما بعد الحرب. وإنّ ما يعتمل الآن في ليبيا هو صراع مشروعين:

ـ مشروع الدولة المدنية الديمقراطية المستند إلى أهداف ثورة فبراير .

ـ ومشروع عسكرة الدولة الذي يلقى الدعم الشامل من محور إقليمي معاد للتحول الديمقراطي في المنطقة.

فالأمر ليس مجرد صراع بين فرقاء في الداخل على السلطة والمال كما يتصور البعض وإنما هو صراع له امتداداته الخارجية. ونتائجه ستكون مؤثرة بالضرورة على دول الجوار وعلى الإقليم وحتى على الأطراف الدولية التي على علاقة بما يجري في ليبيا.

أسئلة عديدة فرضها الواقع الجديد وتبحث عن أجوبة.

فما الذي جرى فجر 4 أبريل 2019 في غريان؟

وعلى ما كان يراهن الجنرال حفتر في عملية السيطرة على طرابلس ؟

وكيف فشل استراتيجيا في حربه؟

وما السيناريوهات الممكنة في المستقبل ؟

وما تأثير كل ذلك على الأوضاع في ليبيا؟

أسئلة سنجتهد في الإجابة عليها على ضوء الوقائع وفي إطار الاستشراف المستند إلى معطيات موضوعية

1 / الإطار العام الذي جرت فيه عملية الهجوم على طرابلس:

يعلم الجميع أن ليبيا كانت مقبلة على مؤتمر وطني جامع يلتقي فيه مختلف الطيف الليبي لرسم ملامح العملية السياسية التي ستخرج البلاد من أزمتها في إطار خارطة طريق تفضي إلى انتخابات رئاسية وتشريعية تقطع مع المراحل الانتقالية وتؤسس لوضع دائم ينهي حالة الفوضى والاقتتال ويرسي مؤسسات الدولة ويفرض الاستقرار.

ولكن الواضح أن هذا الخيار لم يكن يعجب الجنرال حفتر الذي له طموح محموم لحكم ليبيا. وحتى قبوله بالانضواء تحت السلطة المدنية في أي حل سياسي قادم كان مجرد مناورة منه وخوفا من العم سام ( الأمريكان) الذي أشرف على لقاء أبو ظبي والذي فرض فيه هذا الخيار على الجنرال في إطار الانخراط الأمريكي القوي في الملف الليبي مؤخرا.

إن الرغبة في حكم ليبيا كانت حلم حفتر منذ انطلاق عملية الكرامة في الشرق بعد فشل انقلابه الأبيض في طرابلس . ومحاربته للإرهاب كانت مجرد تعلّة لكسب الدعم الداخلي والإقليمي والدولي .

وقد تمكن من ذلك وأخذ يتمدد شرقا وجنوبا وحتى في بعض المناطق الغربية . وكل ذلك تمهيدا للسيطرة على طرابلس بقوة السلاح.

وقد راهنت بعض القوى في الداخل ومنها حكومة الوفاق على أن يكون طرفا في المعادلة السياسية في حين أن قوى أخرى محسوبة على الثورة كانت ضد خيار إشراك حفتر في أي عملية سياسية لأنه لا يؤمن أصلا بالديمقراطية ولا غاية له سوى حكم ليبيا بقوة العسكر . وكان هذا هو سبب الخلاف الرئيس بين المكون السياسي داخل المنطقة الغربية.

إن الجنرال ومن خلال محاولات تمدده مؤخرا في الجنوب والاقتراب من بعض مناطق الغرب الليبي كان يمهد وعلى مهل وبتخطيط مع أطراف إقليمية ودولية لعملية السيطرة على طرابلس .

وكانت هذه التحركات تثير الريبة لدى القوى السياسية والعسكرية في طرابلس ومصراته وكل المنطقة الغربية .ولكن في كل مرة كانت تأتي التطمينات الأممية بأن حفتر لن يقدم على أي حماقة تجاه طرابلس .

و هذه التطمينات هي ما جعل طرابلس تغض الطرف وبحذر عن تحركات الجنرال.وغير معلوم هل هي تطمينات بجهل حقيقي لنوايا الجنرال أم في إطار اتفاق معه وبعلم غسان سلامة .وإن كان التصور الثاني مستبعدا باعتبار النتائج الكارثية لهذا الخيار والتي يعلمها جيدا السيد رئيس البعثة الأممية.

إن حفتر إلى جانب كونه لا يؤمن بالديمقراطية ولا طموح له إلا حكم ليبيا. إلا أنه أدرك أن المؤتمر الوطني الجامع لن يلبي له طموحه المحموم . وأراد بعملية اقتحام طرابلس قطع الطريق أمام المؤتمر مستغلا الوضع في الجزائر وحالة الاضطراب الذي يشهده مجمل المنطقة .

2 / رهانات حفتر في الهجوم على طرابلس:

لقد أقنع حفتر حلفاءه في فرنسا والخليج ومصر بأن دخوله لطرابلس سيكون بعملية خاطفة وسريعة وأنه هيأ كل الظروف لنجاحها . وكان رهانه على عدة مسائل وثبت بعد ذلك أنه رهان خاطئ بل وكارثي عليه . فهو كان يعتقد أن حالة الفرقة المستحكمة بين مجمل مكونات المنطقة الغربية العسكرية والسياسية لن تجعلها تتحد ضده وأن مصراته لن تدخل المعركة.

كما راهن على تحرك الخلايا النائمة التابعة له داخل العاصمة وفي أحوازها والتي مكنها مسبقا من المال والسلاح لتحدث الفوضى في المدينة أثناء عملية الاقتحام لتشتيت قوة حماية طرابلس. كما كان يعتقد أن الشارع معه وسيستقبله أهل طرابلس بالورود والزغاريد.

هذه التوقعات لم يحصل منها شيء. فوزارة الداخلية تحركت بالسرعة القصوى وبحرفية كبيرة وهاجمت كل الأوكار التي يمكن أن تكون على علاقة بالكرامة. كما أن كل القوى في المنطقة الغربية تنادت في وقت قياسي وتركت كل خلافاتها جانبا واتحدت للدفاع عن العاصمة. وهو ما كان عاملا حاسما في هزيمة الجنرال الحالم بالسلطة.

***

المهدي ثابت ـ باحث في الشأن الليبي

___________

مواد ذات علاقة